عدد الابيات : 33
يا سائلي عن سرِّ شِعرٍ طافَ في
وهجِ الجمالِ، وسَكْرَةِ التمثالُ
هذا القصيدُ دموعُ قلبٍ عاشقٍ
فاضتْ على نورِ الهوى السؤالُ
جَفَّتْ بِمَدْحِكَ شِعْرُهُمْ وَتَبَاعَدَتْ
عَنْكَ الْقَوَافِي وَالْبَيَانُ عِيَالُ
رَمَتِ الْعُيُونُ جَمَالَ وَجْهِكَ فَانْثَنَتْ
خَجْلَى، وَلَاذَ بِصَمْتِهَا الْعُذَّالُ
وَهَبَتْكَ آلِهَةُ الْجَمَالِ مَهَابَةً
حَتَّى كَأَنَّكَ لِلْحُسْنِ الْمِثَالُ
مَا إِنْ بَدَوْتِ، وَكُلُّ طَرْفٍ شَاخَ فِي
رَهَبِ الْجَمَالِ، وَهَالَهُ الْإِبْدَالُ
لَوْ أَنَّ أَعْيُنَ مَنْ رَأَوْكِ تَخَفَّتِ
لَعَمِيَتِ الدُّنْيَا، وَضَاعَ جَلَالُ
مَنْ ذَاقَ مِنْكِ الطَّرْفَ عَادَ مُتَيَّمًا
يَنْسَى الْفُؤَادَ وَيَسْتَبِدُّ خَيَالُ
كَمْ قَدْ سَفَرْتِ، فَهَامَتِ الْأَرْوَاحُ فِي
كَنَفِ الْجَمَالِ، وَذَابَ فِيهِ سُؤَالُ
وَأَطَلَّ وَجْهُكِ فَانْزَوَى نُورُ الضُّحَى
خَجَلًا، وَكَادَ بِكَ الضِّيَاءُ يُنَالُ
رَمَتِ الْعُيُونُ سَنَاكِ وَهِيَ كَلِيلَةٌ
فَتَهَافَتَتْ، وَكَأَنَّهَا أَوْصَالُ
شَدُّوا الْأَكُفَّ عَلَى الصُّدُورِ تَبَتُّلًا
وَالْقَلْبُ بَيْنَ نَوَاظِرٍ نِزَالُ
لَوْ كُنْتِ فِي عَصْرِ الْكَرِيمِ بِزِينِهِ
نُسِيَ الْجَمَالُ، وَمَاتَتِ الْأَمْثَالُ
وَمَضَى الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ لِقَطْعِهِمْ
دُونَ الْيَدَيْنِ قُلُوبَهُمْ أَفْعَالُ
مِنْ ظُلْمِ جَفْنِكِ أَنْ يَبِيتَ مُسَهَّدًا
فِيهِ الْمَلَامُ، وَشَوْقُهُ إِشْعَالُ
وَالْخَصْرُ تَجْهَدُهُ الثِّقَافُ، وَتَشْتَكِي
مِنْ حِمْلِ حُسْنِكِ سُرَّةٌ وَمِفْصَالُ
يَا عَجَبًا لِطَرْفِكِ الضَّعِيفِ، كَأَنَّهُ
بَأْسٌ يُذِيبُ، وَفَتْكُهُ قِتَالُ
يَرْمِي وَيَغْرِسُ فِي الْقُلُوبِ سِهَامَهُ
حَتَّى يُفَرَّ بِهَا الْفُؤَادُ حِبَالُ
مَا كَانَ فِي الْأُنْثَى، وَلَكِنْ نُورُهَا
رُوحٌ، وَفِي نُورِ الرُّوحِ احْتِلَالُ
يَمْشِي الْجَمَالُ إِلَى الْجَمَالِ كَأَنَّهُ
فِي كُلِّ خَطْوٍ لِلطُّهْرِ مِثَالُ
وَإِذَا نَظَرْتِ، فَذَاكَ سَهْمٌ قَاتِلٌ
مَا نَجَا مِنْهُ الْحَكِيمُ وَلَا الْغِرَالُ
فَامْنَحْ لِعَيْنِكِ هُدْنَةً، فَالْحُسْنُ قَدْ
ضَاقَ الزَّمَانُ بِهِ، وَضَجَّ الْجَمَالُ
مَنْ شَمَّ عِطْرَكِ، زُلْزِلَتْ أَحْشَاؤُهُ
وَتَسَابَقَتْ نَحْوَ الْغَوَايَةِ آلُ
كُنتِ السُّكُونَ لِكُلِّ حَرْفٍ تَاهَ فِي
نَبْضِ الجُمَالِ، وَأَرْبَكَتْهُ الْحَالُ
هَذِي اللِّيَالِي قَدْ نَأَتْ، فَكَأَنَّهَا
فِي وَجْهِكِ الْمُشْرقِ صَارَتْ لَيْالُ
وَالرِّيحُ تُهْدِيكِ التَّفَاتِيحَ الَّتِي
بِكِ يَسْتَغِيثُ النُّورُ وَالْأَظْلَالُ
لَوْ يَسْأَلُونِي: مَنْ تَسَامَى وَارْتَقَى؟
قُلْتُ: الَّتِي جَاوَزْتُهَا الْأَفْضَالُ
مِنْ كُلِّ فَتْنَةِ عَيْنِهَا إِشْعَاعُهَا
وَبِهَا يُهَذِّبُ فِتْنَتَهُ الْغَزَّالُ
تَمْشِي وَيَسْقُطُ فِي الطُّرُوقِ ضِيَاؤُهَا
فَكَأَنَّهُ مِنْ مِشْيَتِهَا يَنْهَالُ
مَاذَا أُسَمِّي حُسْنَهَا؟ وَبِأَيِّ مَا
يُوصَفْ الْجَمَالُ وَفِيهِ لَا أَقْوَالُ
لَيْتَ الْكَلَامَ إِذَا دَنَا مِنْ ذِكْرِهَا
نَطَقَ الْبَيَانُ، وَغَنَّتِ الْأَقْوَالُ
يا مَنْ لَهَا طَافَ الْهَوَى مُتَخَشِّعًا
وَتَلَتْهُ أَشْوَاقٌ بِهَا تَنْهَالُ
خُذْنِي إِلَيْكِ، فَمَا لِعَيْنِيَ غَايَةٌ
إِلَّا الرُّؤَى، وَبِهَا يَطُولُ المَقَالُ
380
قصيدة