عدد الابيات : 56
طباعةتَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا شَاءَ الْإِلَهُ لَهَا
وَلَيْسَ يَجْرِي بِهَا أَمْرٌ لِمَنِ اسْتَأْمَنُوا
كُفُّوا الْأَمَانِي عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا
فَاللَّهُ أَكْرَمُ مَنْ فِي ظَنِّهِ احْتَسَنُوا
إِنْ كُنْتَ تَحْسَبُ أَنَّ الْعَيْشَ مُطَّرِدٌ
شَفَا الدَّهْرُ يَغْدِرُ إِنْ جَارُوا وَاطْمَأَنُّوا
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ لَهَا
لِلَّهِ نَحْنُ وَمَوْجُ الْبَحْرِ وَالسُّفُنُ
إِنْ كُنْتَ تَمْلِكُ تَدْبِيرًا لِمَسْلَكِهَا
فَكَيْفَ تُمْسِكُ رِيحًا طَوَّحَتْ زَمَنُوا؟
تِلْكَ الْمَشِيئَةُ لَا تُرْدَى بِحِيلَةِ مَنْ
ظَنَّ الْحَيَاةَ لِمَنْ شَاءُوا وَمَنْ ضَمِنُوا
كَمْ مِنْ جَسُورٍ تَحَدَّى الْمَوْجَ فَانْكَسَرَتْ
فِيهِ الْمَرَاسِي وَعَافَ الْأَمْنَ مَنْ سَكَنُوا
وَالدَّهْرُ لَوْ صَفَتْ أَيَّامُهُ سُحُبًا
سُرْعَانَ مَا عَصَفَتْ بِالْبَائِسِ الْمِحَنُ
مَا أَيْسَرَ الْعَيْشَ لَوْ دَامَتْ مَغَانِمُهُ
لَكِنَّهُ الْبَحْرُ لَا يُبْقِي وَلَا يَحْنُ
تَعَلَّمِ الصَّبْرَ إِنْ هَاجَتْ عَوَاصِفُهُ
فَالصَّبْرُ دِرْعٌ بِهِ الْآمَالُ تَقْتَرِنُ
كَمْ مِنْ فَقِيرٍ غَدَا فِي الصُّبْحِ ذَا شَرَفٍ
وَكَمْ غَنِيٍّ بَنَى قَصْرًا ثُمَّ انْدَفَنُوا
فَاقْنَعْ بِرِزْقِكَ لَا تَغْتَرَّ مُنْتَفِخًا
فَالرِّيحُ تَهْدِمُ مَا شَادُوهُ وَافْتَتَنُوا
وَلَا يَغُرَّنَّكَ التِّيجَانُ إِنَّ لَهَا
يَوْمًا تُسَاقُ بِهِ الْأَقْدَارُ وَالْبَدَنُ
كَمْ مِنْ مُلُوكٍ عَلَى عَرْشِ الْفَخَارِ مَضَوْا
وَبَعْدَ عِزِّهِمُ دَارُوا وَارْتَهَنُوا
فَاصْبِرْ عَلَى الدَّهْرِ إِنْ جَارَتْ مَقَادِرُهُ
فَالْبَحْرُ يُغْدِقُ أَحْيَانًا وَيَهْتَونُ
وَالْمَرْءُ فِي كَفِّهِ الْأَيَّامُ دَائِرَةٌ
إِنْ رَاحَ يُسْعِدُهَا يَوْمًا لَهُ احْتَزَنُوا
وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِيعَادُهُ فَإِذَا
مَا آنَ أَجَلٌ قَضَى الْمَرْسَى وَمَنْ بَرْهَنُوا
فَالْكَوْنُ يَمْضِي بِمِيزَانٍ يَحُوطُهُ
عَدْلٌ، وَحُكْمٌ عَلَى الْأَقْدَارِ مُقْتَرَنُ
مَا خَابَ عَبْدٌ إِلَى الرَّحْمَنِ مُفْتَقِرٌ
مَهْمَا ادْلَهَمَّتْ خُطُوبُ الدَّهْرِ وَاحْتَضَنُوا
يَا نَفْسُ يَكْفِيكِ أَنَّ اللَّهَ يُدَبِّرُنَا
وَأَنَّ مَا شَاءَهُ فِي الْخَلْقِ يُؤْتَمَنُ
فَاسْتَمْسِكِي بِحِبَالِ الصَّبْرِ وَاحْتَسِبِي
فَالصَّبْرُ فِي مَهْمَهِ الْآلَامِ مُنْسَجِنُ
قَدْ يَشْتَدُّ الْمَوْجُ لَكِنْ بَعْدَ عَاصِفِهِ
تَبْدُو السَّوَاحِلُ إِذْ بِالصَّبْرِ نَمْتَحِنُ
فَكَمْ رَأَيْنَا ظَلَامًا حَالِكًا عَبَرَتْ
مِنْهُ الْبَشَائِرُ وَالْأَفْرَاحُ وَالْمِنَنُ
فَارْضَ بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ وَاغْتَنِمِ
نُورَ الْيَقِينِ فَذَاكَ الْفَوْزُ وَالْمِجَنُ
كَمْ مِنْ سَقِيمٍ رَأَى فِي الضِّيقِ مَهْلَكَةً
فَجَاءَهُ الْفَرَجُ الْمَأْمُولُ وَامْتُحِنُوا
وَكَمْ أَخِيذٍ بِأَصْفَادِ الْهُمُومِ سُجِيَ
أَطْلَقَهُ صَبْرٌ عَظِيمٌ لَيْسَ يُرْتَكَنُ
إِنَّ الرَّزَايَا وَإِنْ طَالَتْ فَغَايَتُهَا
حَتْمًا تَئُولُ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي سَكَنُوا
لَا تَيْأَسَنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مُدَّخِرٌ
لَكَ الْفَلَاحَ وَإِنْ جَارُوا وَإِنْ خَزَنُوا
الدَّهْرُ لَا يَمْنَحُ الْإِنْسَانَ أُمْنِيَتَهُ
إِلَّا لِمَنْ صَبَرُوا، سَعَوْا، وَمَا وَهَنُوا
فَاجْعَلْ ثِقَاتَكَ فِي الْمَوْلَى مُعَلَّقَةً
فَالْمَوْجُ يَهْدَأُ إِنْ رَامُوهُ أَوْ رَكِنُوا
وَكُنْ كَطَوْدٍ إِذَا مَا الرِّيحُ عَاصِفَةٌ
أَرْسَى قَوَاعِدَهُ، لَمْ يَخْشَ مَا فَتَنُوا
وَلَا تُبَالِ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ قَدْ زَهِدُوا
فِي الْعَدْلِ، وَارْتَكَبُوا زُورًا وَمَا اسْتَحَنُوا
فَالْحَقُّ أَعْلَى وَإِنْ جَارُوا وَإِنْ غَدَرُوا
كَمْ مِنْ جَبَّارِ قَوْمٍ خَانَهُ الزَّمَنُ
وَالظُّلْمُ لَا بُدَّ أَنْ يُرْدَى بِصَاحِبِهِ
وَالْغَدْرُ يَوْمًا بِهِ الْغَدَّارُ يَتَوَسَّنُ
فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْيَقِينِ النُّورَ كَيْفَ بَدَا
مِنْ ظُلْمَةٍ خَانَهَا الْبَاغِي فَخَابَ هَنُوا
كَمْ مِنْ صَبُورٍ عَلَى الْأَرْزَاءِ قَدْ ظَفِرَتْ
خُطُوَاتُهُ، بَعْدَ أَنْ أَبْلَتْهُ وَالْمِحَنُ
فَلَا تُبَالِ إِذَا الْأَيَّامُ نَافِرَةٌ
مَهْمَا تَجَبَّرْتَ، الدُّنْيَا لَهَا وَهَنُ
يَا صَاحِبَ الْهَمِّ إِنَّ اللَّهَ يُدَبِّرُهَا
فَارْفَعْ يَدَيْكَ، فَإِنَّ الْخَيْرَ مُتَزَيَّنُ
كَمْ أَغْمَضَ الْقَلْبُ عَيْنًا ظَنَّهَا غَرَبَتْ
فَجَاءَهُ الْفَجْرُ وَالْأَحْلَامُ تَتَكَوَّنُ
وَكَمْ ظَمِئْتَ، وَلَكِنْ بَعْدَ لَوْعَتِهَا
جَاءَتْكَ غَيْثًا يُدَاوِي الْأَرْضَ وَالْمُدُنُ
فَلَا تَجْزَعَنْ إِنْ دَارَتْ بِكَ الْكُرَبُ
إِنَّ الْعَسِيرَ بِهِ يُرْجَى الَّذِي حَسُنُوا
وَاصْبِرْ إِذَا مَسَّكَ الضُّرُّ الَّذِي نَزَلَتْ
فِيهِ الْبَلَايَا، فَفِي الصَّبْرِ الرِّضَى سَكَنُوا
وَالنَّاسُ تَمْضِي، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَثَرٌ
يُبْقَى، وَمِنْهُمْ رَهِينُ الذِّكْرِ يَنْدَفِنُ
فَاصْنَعْ لِنَفْسِكَ بَيْنَ الْخَلْقِ مَكْرُمَةً
يَبْقَى بِهَا الطَّيِّبُ، لَا مَالٌ وَلَا دِمَنُ
فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِيعَادُهُ فَإِذَا
مَا آنَ أُذِنَتِ الْأَقْدَارُ، وَمَا اغْتَبَنُوا
فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِيعَادُهُ فَإِذَا
مَا آنَ أُذِنَتِ الْأَقْدَارُ، مَا تَشَاحَنُوا
كَمْ سَابِقٍ فِي ظِلَالِ الْمَجْدِ مَا وَصَلُوا
إِلَّا وَسَيْفُ الرَّدَى بِالدَّرْبِ وَتَحَصَّنُوا
وَكَمْ ظَلُومٍ بَنَى قَصْرًا يُفَاخِرُهُ
فَأَصْبَحَ الْيَوْمَ فِي أَنْقَاضِهِ اسْتَوْطَنُوا
فَلَا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا
فَالْمَاءُ يَجْرِي سَرِيعًا ثُمَّ يَغْتَصِنُ
وَلَا تُعَاشِرْ سِوَى الْأَحْرَارِ إِنَّ لَهُمْ
عَهْدًا يَصُونُ، وَصِدْقًا لَيْسَ يَنْغَبِنُ
وَكُنْ جَوَادًا إِذَا مَا النَّاسُ فِي فَاقَةٍ
فَالْمَالُ ظِلٌّ زَوَالٌ بَعْدَمَا يُسْتَأْذَنُ
وَاعْلُ الْمَقَامَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَحْظَ بِهِ
فَالْمَجْدُ لِلَّهِ لَا مَالٌ وَلَا سِنَنُ
وَارْضَ بِمَا قَسَمَ الرَّحْمَنُ وَاحْتَسِبِ
فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ أَهْلُ الْجُودِ مُقْتَرَنُ
فَارْكَبْ سَفِينَكَ فِي بَحْرِ الْيَقِينِ وَلَا
تَخْشَ الْعَوَاصِفَ إِنْ بِالْحَقِّ تَتَّزِنُ
وَاصْبِرْ إِذَا نَابَكَ الضُّرُّ الَّذِي نَزَلَتْ
فِيهِ الْخُطُوبُ، فَفِي التَّقْوَى لَنَا السَّكَنُ
يَا نَفْسُ حَسْبُكِ أَنَّ اللَّهَ يُدَبِّرُنَا
مَهْمَا تَكَالَبَ لَيْلُ الظُّلْمِ وَتَبَايَنُوا
380
قصيدة