عدد الابيات : 28
إِنْ جِئْتُ قُرْبَ الْبَحْرِ فَاسْتَسْلِمْ
فَلَا يُغْرِيكَ زُرْقُهُ، وَعُرُوبُهُ
تَبْدُو الْأَمْوَاجُ كَالتِّنِّينِ مَائِجًا
وَقُوَّتُهُ فِي الْأَعْمَاقِ غَفُورُهُ
مِنْ قِبَلِ الْمَوْجِ تَجِدُ صَخْرَةً
تَقِفُ حِصْنَ رِقَابٍ صُلْبُهُ
مَنْ يَلْقَ الْبَحْرَ وَاثِقًا يُخَالِفُ
خُطَاهُ، وَيَصِيرُ كَمُطْرِبِهُ
وَكَأَنَّنِي شُمُوخُ طَائِرٍ، فِي أُفُقٍ
يُحَلِّقُ فَوْقَ الْخَضْرَاءِ زَخْرُبُهُ
أَوْ زَائِرٌ فِي الْغُرُوبِ، يَشْتَهِي
شُهْبَةً فِي رَمْلٍ، لَهُ مَذْهَبُهُ
وَإِنْ نَزَلْتُ إِلَى هَيْبِ أَعْمَاقِهِ
فَدَفَنْتُ تَحْتَ مَوْجٍ مَذْنُوبُهُ
وَالْوَقْتُ مَا يَمُرُّ، إِلَّا وَتَغُوصُ
الْأَيَّامُ فِي عُمْقِهِ وَتُسَبِّبُهُ
كُلٌّ يُحَاذِرُ عُمْقًا يَهَابُهُ
وَلَيْسَ يَنْجُو مِنْ صَعْبِهُ
وَيَتَّقِي الْغَرَقَ، دُونَ أَنْ يَلْمَسَ
حَرَارَةَ الْمَاءِ فِي كَأْسِهُ
وَالْغَوْصُ، فَوْقَ سَطْحٍ
أَشَدُّ مِنْ أَلْفِ كَفٍّ حَرْبُهُ
وَالطَّيْرُ، صَارَعَ فِي الْفَضَاءِ
طَبْعًا يُوَاصِلُ شَغْبُهُ
يَا سَاكِنَ الْأَعْمَاقِ
تَعْرِفُنِي قُدُمًا، وَقَدْ سَعِبُهُ
وَلَا تَبْخَلْ، فَإِنِّي مَا لِي
بُدٌّ بِذَلِكَ، مَلَكَ قَاعَهُ
يُكْرِمُ الْبَحْرُ مَوْجَ الْهَوَى
وَلَحْنِهِ، أَوْ يَطْبَعُ لُبَابَهُ
أَوْ كَالْبَحْرِ، مِنَ التَّيَّارَاتِ
يَجْتَذِبُ لِلْقَلْبِ سُرْبَهُ
لَا ذَاتَ سُرْبٍ يُعْرِي
الْمَاسَ، وَلَا ذَاتَ سَفْنِهُ
وَمَا أَظُنُّ الْأَعْمَاقَ
تُقَدِّمُ كَوَاكِبَ زُرْبِهُ
سَتَأْخُذُ الْمَوْجَ، وَالسُّفْنَ
وَالْأَمْوَاجَ، وَتَشْقُرُهُ
فَتَبْحَثُ عَنْ كُلِّ قَاعٍ
شَرْقَ الْبَحْرِ وَغَرْبِهُ
وَتَزُورُ الْأَمْوَاجَ، بِلَا وُقُوفٍ
عَلَى السُّفُنِ، أَوْ قَاعِهُ
مَا ضَوْءُ الْفَجْرِ، إِلَّا يَتَوَارَى
فِي أُفُقٍ، يُلْمِحُ سُرْبَهُ
هَوًى يَبْحَثُ عَنْ مَرْفَأٍ
فَمَا يُحَاوِلُ إِفْرَاجَهُ
مَنْ رَامَ الْبَحْرَ لَمْ يَجِدْنِي
إِنَّ الْبِحَارَ غُرْبَةُ
كَانَتْ سُفُنٌ فِي الْمَدَى
كَأَنَّهَا شَطْبُ مَطْرَبِهُ
ثُمَّ تَنْجَلِي، فَنَسْتَغْرِبُ
كَيْفَ أَبْدَلَ اللُّبْسَ صَرْبَهُ
إِذَا كُنْتُ قَلِيلًا
عَدَدْتُ كُلَّ لُقْمَةٍ بُعْدَهُ
وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ أَدَوَاتِ
السَّفَرِ، غَيْرُ قَاعِيَهُ
385
قصيدة