“مرثية إلى أبي… النور والسند"
وإن عزَّ عزاؤكَ… ففي قلبي مأتمي
ولا شيء يُداني في الأرواحِ مقامَ أبي
منذُ رحيلكَ… والدهرُ أثقلني وَهْنًا
وأنا الذي كان كالنجمِ يُحلِقُ بجناحِ أبي
غابتْ يداهُ، فما للأرضِ من سندٍ
ولا لروحي سِوى الأطيافِ في التربِ
أبكيك صمتًا، وفي صمتي أناشيدي
وكلّ نفسي تئنُّ الآنَ من نصبي
يا من رحلتَ، وظلَّ الحُزنُ يلبسني
كأنّ ثوبَ الأسى في الروحِ لم يَغبِ
إني يتيمُك في الدنيا، وإن حملتُ
ما فيها، فمرثيتي لكَ دربُ نُبلي ومَذهَبي
أبي… وما كنتَ إلا النورَ في دُرُبٍ
إذا تاهَ قلبي، أعادَ الروحَ للأدبِ
بكيتُ يومًا، فقالَ: اثبتْ على القيمِ
فإنّ الحقَّ لا يُهزَمْ على الرُّكَبِ
علّمني كيفَ لا أنحني لظالمهمْ
ولا أُساومُ في حبٍّ ولا نَسَبِ
وكانَ يهمسُ: لا تغوِك زينةُ هذا الزمانِ،
فمن عاشَ طينًا، سما في معدنِ الذهبِ
وصاياهُ في صدري… كتابُ حكمةٍ
ومحرابُ وجدي، ونوري ساعةَ الكَربِ
علّمني الصمتَ حينَ الغيظُ يمتحنُ الفتى
وأن أقولَ إذا ما ظُلمتُ: حسبي وربّي
جادَ وأكرمَ مِن نفسٍ نقيةِ المذهبِ
فجزاه اللهُ خيرَ الخَلقِ والثوابِ الأبدي
عطاءك نبعٌ، به سَمونا، وذكركَ
منقوشٌ كالدُرِّ في صفحاتِ معجمي
أبي… أمطرتَنا حُباً وشمائلُكَ
أرقى من التاجِ في أعلى المناصِبِ
رَحِلتَ جسداً… أما المعاني فما برِحتْ
تُضيءُ في القلبِ ما عاقَ المسيرَ بِنا
وفي دعائي، لهُ روحٌ ترفرفُ دومًا
كأنّ قلبي على الفردوسِ قد كتبَا
فيا أبي… إن غبتَ عني بِجسدِكَ الفاني
فنوركَ في دمي لا زالَ حَياً مُنتسباً
كجمرِ شوقٍ في رمادِ المُغِيبِ الحاضِرِ!
ماهر كمال خليل
(جميع الحقوق محفوظة – لا يجوز النسخ أو الاقتباس دون إذن الكاتب)
22
قصيدة