عدد الابيات : 26
وَعَى وفي قلبِهِ الأكوانُ مُودَعةُ
تكادُ في كلِّ نبضٍ منهُ تنفلتُ
تمتدُّ ملءَ الفضا أفكارُهُ سُدُمًا
يضيءُ نجْماتِها شكٌّ وأسئلةُ
يسيرُ… يقرأُ ما الأزمانُ كاتبةٌ
من الحضاراتِ، إنَّ الأرضَ مكتبةُ
إذا مشى ساقت الأفلاكُ خطوتَهُ
وفي خُطاهُ لقلبِ الأرضِ طَمأنةُ
وإنْ ترشَّحَ حينًا جلدُهُ عرقًا
فذاكَ مَطْرةُ غيمٍ مرَّ منعشةُ
لا عطرَ إلا شذا حُبٍّ يعطِّرُهُ
شذا الأُصَيْحابِ مُذْ في قلبِهِ نبتوا
يجري، يُجنِّحُ كفَّيهِ، فتحضنُهُ
ريحٌ بأشواقِ من يهوى محمَّلةُ
يدسُّ في الريحِ قلبًا ضاعَ فاتحُهُ
ولم تَسِرْ عنهُ إلا وَهْيَ مُعصِفةُ
أحفادُ أحزانِهِ في أرضِهِ ضربوا
خنادقًا وجبالًا فرطَ ما كُبِتُوا
لكنْ مسرَّاتُهُ الصغرى تؤمِّلُهُ
أنْ سوفَ تُبنى على الأحزانِ مملكةُ
فكلما شادَ بيتًا من عواطفِهِ
أَوَتْ إليهِ مجازاتٌ مشرَّدةُ
كلُّ الفراشاتِ كانت قبلُ أَخْيِلةً
على أمانيهِ ربَّتْها المخيِّلةُ
وبينَ كِثْفَيهِ أطيارٌ معشِّشةٌ
فمِن حناياهُ في أرزاقِها دَعةُ
وأمُّهُ كلُّ ما في الأرضِ من شجرٍ
أما أبوهُ فآبارٌ معطَّلةُ
ترى البحارُ بهِ سرًّا يحيِّرُها:
أذاكَ بحرٌ جرى مِن فِيهِ، أم لغةُ؟
تَفُتُّ من طينِهِ الجناتُ تربتَها
فالوردُ حُبٌّ، وجذرُ الوردِ أوردةُ
يُشِعُّ شمسًا إذا استلقى، فتُسهِرُهُ
قصيدةٌ في سماءِ الحُبِّ مُقمِرةُ
اَلهمسُ بينهما غيمٌ فَشَا، فإذا
كلُّ السماواتِ والأَرْضِينَ مُزهِرةُ
اَلخيلُ تصهلُ في ميدانِ شهوتِهِ
وفي حوافرِها نارٌ مؤجَّجةُ
فاهتزَّ حتى غَشَا أُفْقَيهما شَبَقٌ
فالأرضُ قذفُ براكينٍ وزَلزَلةُ
إذا تعشَّقَ شيئًا ما تلبَّسَهُ
حتى يُشَكَّ: هل اسمٌ ذاكَ، أم صفةُ؟
إن كانَ أُنْسٌ فرِيمُ القلبِ تؤنسُهُ
صبحًا تُرِيهِ الليالي وَهْيَ موحشةُ
في القلبِ محجوبةٌ، لكنْ ملامحُها
شِعرٌ، ورسمٌ، وموسيقا، وأغنيةُ
بياضُها صدقُ أقوالي، ونظرتُها
تُبدي وتُخفي كقولٍ فيهِ تَوْرِيَةُ
لها دلالٌ، لهُ في عينِها شفقٌ
وخصرِها نهَرٌ، والنفْسِ نرجسةُ
مرَّتْ على قلبِهِ طيفًا فعانقَها
وها هي الآنَ أكوانٌ مُخلَّدةُ
17
قصيدة