يا مريّه: ليت لي إزميل فدياس وروحاً عبقرية وأمامي تلُ مرمر لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثالاً مُكبّراً وجعلت الشعر كالشلال: بعضٌ يلزم الكتف وبعض يتبعثر وعلى الأهداب ليلاً لا يُفسر وعلى الخدين نوراً يتكسر وعلى الأسنان سُكر وفماً كالأسد الجوعان زمجر يرسل الهمس به لحناً معطر وينادي شفة عطشى وأخرى تتحسر وعلى الصدر نوافير جحيم تتفجر وحزاماً في مضيقٍ، كلما قلتُ قصيرٌ هو، كان الخصر أصغر
يا مريه ليت لي إزميل فدياس وروحاً عبقرية كنت أبدعتك يا ربة حسنى بيديَّ
يا مريه ليتني في قمة الأولمب جالس وحوالي العرائس وأنا في ذروة الإلهام بين الملهمات أحتسي خمرة باخوس النقية فإذا ما سرت النشوة فيّ أتداعى، وأنادى: يا بنات نقّرن القيثار في رفق وهاتوا الأغنيات لمريه
يا مريه ما لعشرينين باتت في سعير تتقلب ترتدي ثوب عزوف وهي في الخفية ترغب وبصدرينا بروميثيوس في الصخرة مشدوداً يعذب فبجسم ألف نار وبجسم ألف عقرب
أنتِ يا هيلينُ يا من عبرت تلقاءها بحر عروقي ألف مركب يا عيوناً كالينابيع صفاء... ونداوة وشفاهًا كالعناقيد امتلاء... وحلاوة وخدوداً مثل أحلامي ضياء... وجمالا وقواماً يتثنى كبرياء... واختيالا ودماً ضجت به كل الشرايين اشتهاء... يا صبية تصطلي منه صباحاً ومساء... غجرية
يا مريه أنا من إفريقيا، صحراؤها الكبرى وخط الاستواء شحنتني بالحرارات الشموس وشوتني كالقرابين على نار المجوس لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس وأنا منجم كبريت سريع الاشتعال يتلظى كلما اشتم على بُعدٍ تعالى
يا مريه: أنا من إفريقيا، جوعان كالطفل الصغير وأنا أهفو إلى تفاحة حمراء من يقربها يصبح مذنب فهلمي ودعي الآلهة الحمقاء تغضب وانبئيها أنها لم تحترم رغبة نفس بشرية أي فردوس بغير الحب كالصحراء مجدب
يا مريه وغداً تنفخ في أشرعتي أنفاس فرقة وأنا أزداد نأياً مثل يوليس وفي الأعماق حرقة ربما لا نلتقي ثانية يا... مريه فتعالي وقّعي اسمك بالنار هنا في شفتي ووداعاً يا مريه
صلاح أحمد إبراهيم (1933–1993)
شاعر ودبلوماسي سوداني بارز، وأحد رموز مدرسة "الغابة والصحراء"، ومن المجددين في الشعر العربي المعاصر.
وُلِد في مدينة أم درمان، السودان، في أواخر شهر ديسمبر من عام 1933م.
تخرّج ...