عدد الابيات : 50
يَا مَنْ خَلَعْتَ عَلَى الْجِرَاحِ وِسَامَهَا
وَسَكَبْتَ فِي رُوحِي لَهِيبَ ظَلَامِهَا
هَلْ كُنْتَ تَدْرِي أَنَّ صَدْرَكَ مَوْطِنِي؟
فَلِمَ اتَّسَعْتَ لِغَيْرِ مَنْ يَهْوَاكَ مَاهَا؟
مَنْ ذَا أَتَاكَ بِظَنِّهِ مُتَقَوِّلًا
حَتَّى كَسَرْتَ قُلُوبَنَا بِإِمَامِهَا؟
وَأَنَا الَّذِي حَمَلَ الزَّمَانُ وِصَالَهُ
لِيَرَاكَ تَمْضِي دُونَ أَيِّ سَلَامِهَا
لَا تَسْأَلِ الدَّهْرَ الْقَدِيمَ بِمَا جَرَى
فَالْجُرْحُ أَبْقَى مِنْ رُؤَى الْأَيَّامِهَا
مَنْ ذَا يُعِيدُ الرُّوحَ مِنْ مَنْفَاهُ إِنْ
سُلِبَتْ مَزَامِيرُ الْهَوَى بِأَنْغَامِهَا؟
كَمْ بِتُّ أَجْمَعُ مِنْ بَقَايَا نَبْضَتِي
لِأَرَاكَ تَمْحُو بِالصُّدُودِ خِتَامَهَا
وَتَرَكْتَنِي وَحْدِي أُصَارِعُ لَوْعَةً
عَصَفَتْ بِنَارِي ثُمَّ زَادَتْ عَرَامِهَا
يَا مَنْ رَعَيْتُكَ فِي اللَّيَالِي أَنْجُمًا
فَغَدَوْتَ تَقْطِفُ مِنْ يَدِي أَنْظَامِهَا
هَلْ تُرْجِعُ الْأَنْفَاسَ حِينَ تَبَدَّدَتْ؟
أَمْ هَلْ تَعُودُ الدَّارُ بَعْدَ رُكَامِهَا؟
إِنِّي نَذَرْتُ الصَّبْرَ حِينَ هَجَرْتَنِي
فَمَضَيْتُ أُطْفِئُ مُهْجَتِي بِإِلْزَامِهَا
وَرَجَعْتُ لِلنِّسْيَانِ أَطْرُقُ بَابَهُ
وَالدَّمْعُ أَسْبَقَنِي إِلَى أَعْتَامِهَا
وَلَقَدْ صَبَرْتُ عَلَى الْجَفَاءِ كَأَنَّنِي
صَخْرٌ تَكَسَّرَ فَوْقَهُ إِلَامُهَا
وَرَسَمْتُ طَيْفَكَ فِي الْمَدَى مُتَعَبِّدًا
أَسْتَنْزِلُ الذِّكْرَى عَلَى أَقْدَامِهَا
وَتَرَكْتُ فِي دَرْبِ الْعُيُونِ تَسَاؤُلِي
هَلْ خَانَ وَعْدَ الْعَاشِقِينَ زِمَامُهَا؟
فَإِذَا اللَّيَالِي فِي ضُلُوعِي مُوحِشٌ
وَإِذَا الْأَمَانِي غَاصَتْ بِأَحْلَامِهَا
مَنْ لِي إِذَا خَاصَمْتَ قَلْبِي وَانْتَهَتْ
كُلُّ الْحَكَايَا قَبْلَ خَطِّ خِتَامِهَا؟
لَكِنَّ قَلْبِي، رَغْمَ صَدِّكَ، عَاشِقٌ
يَغْدُو إِلَيْكَ بِقُرْبِهِ وَإِحْجَامِهَا
وَغَفَرْتُ ذَنْبَكَ فِي الْهَوَى مُتَأَمِّلًا
أَنْ لَا تُضَيِّعَ مُهْجَتِي بِإِجْرَامِهَا
لَكِنَّ ظَنِّي كَانَ وَهْمًا عَابِرًا
كَالسُّحْبِ لَمْ تُسْقِ الْغُصُونَ بِسُجَامِهَا
قَدْ كُنْتَ رُوحِي حِينَ ضَاقَتْ دُنْيَتِي
وَالْيَوْمَ صِرْتَ جِرَاحَهَا وَأَسْقَامِهَا
فَإِذَا سُئِلْتُ: أَأَنْتَ فِينَا عَاشِقٌ؟
قُلْتُ: الْخِيَانَةُ لَا تُقَالُ بِكِرَامِهَا
وَالْحُبُّ أَكْبَرُ مِنْ يُدَانَ بِجَفْوَةٍ
أَوْ يُسْتَبَاحَ بِلَهْفَةٍ لِحُطَامِهَا
فَامْضِ، فَلَسْتُ بِذَاكَ مَنْ قَدْ بَاعَنِي
كَيْ أَشْتَرِي وَجَعَ الْمَلَامِ وَلَوَامِهَا
إِنِّي اعْتَزَلْتُ النَّاسَ إِلَّا خَافِقِي
فَهُوَ الْوَحِيدُ السَّاكِنُ فِي إِقْدَامِهَا
مَا عَادَ يُغْوِينِي الْوَفَاءُ لِحَائِرٍ
خَانَ الطَّرِيقَ وَمَاتَ فِي أَوْهَامِهَا
إِنِّي خَلَعْتُكَ مِنْ دَمِي، وَنَسِيتُ أَنْ
بَعْضَ الْجِرَاحِ تَعِيشُ فِي أَعْوَامِهَا
فَإِذَا ذَكَرْتَ بِأَنَّنِي قَدْ كُنْتُ لَكَ
فَاذْكُرْ بِأَنَّكَ ضَيَّعْتَ أَنْغَامَهَا
هَذِي الْقَصِيدَةُ مَا سَجَدْتُ لِحُرُوفِهَا
إِلَّا لِأَرْفَعَ عِزَّتِي بِخِتَامِهَا
مَا عُدْتُ أَرْضَى فِي الْمَكَارِمِ مَنْزِلًا
إِلَّا الْعُلَا فِي ذِرْوَةِ الْإِقْدَامِهَا
إِنِّي سَقَيْتُ الصَّبْرَ حَتَّى أَخْجَلَتْ
مِنِّي الْجِبَالُ وَصَمْتُهَا وَصِدَامِهَا
مَا زِلْتُ أَكْتُبُ لِلْخُلُودِ حِكَايَةً
تَعْنُو لَهَا الْأَقْلَامُ فِي إِعْلَامِهَا
مَا كُنْتُ أَرْضَى أَنْ أُهَانَ عَلَى الْمَدَى
وَيُقَالَ: ذَلَّ الصَّابِرُ فِي أَحْلَامِهَا
أَنَا مَنْ بِعَزْمِ الصَّخْرِ شَدَّتْ قَامَتِي
وَبَكَتْ جِرَاحُ الْأَرْضِ مِنْ أَقْدَامِهَا
كَمْ مِنْ قَصِيدٍ قَدْ نَثَرْتُ حُرُوفَهُ
فَاهْتَزَّ فِي أُذُنِ الدُّنَا إِنْشَادِهَا
وَسَقَيْتُ مِنْ وَجَعِي الْمُعَمَّدِ حِكْمَةً
تَشْدُو بِهَا الْأَيَّامُ فِي أَنْغَامِهَا
مَا خِفْتُ عَاصِفَةً تَمُرُّ بِجَانِبِي
بَلْ كُنْتُ نَارًا تَكْسِرُ إِظْلَامَهَا
إِنِّي خُلِقْتُ لِأَسْتَوِي فِي عِزَّةٍ
لَا تَنْحَنِي لِلْعَاصِفَاتِ أَعْلَامُهَا
إِنِّي إِذَا انْهَدَّتْ قِلَاعُ عَزِيمَتِي
أَبْنِي رَجَائِي فِي صَمِيمِ رُكَامِهَا
وَأَشُدُّ بِالْآمَالِ جُرْحَ مَآثِرِي
لِتَعُودَ أُغْنِيَتِي كَمَا إِلْهَامِهَا
أَنَا لَا أُقَايِضُ مَجْدَ رُوحِي بِلَمْحَةٍ
تَرْنُو إِلَى الدُّنْيَا، وَتَنْسَى شَامَهَا
كَمْ قُلْتُ لِلرِّيحِ الْعَتِيَّةِ: وَاصِلِي،
فَلَدَيَّ نَارٌ لَا تَمُوتُ ضِرَامُهَا
وَسَلَكْتُ دَرْبَ الْقَائِلِينَ: أَنَا الَّذِي
إِنْ قَالَ فَعَلَ، وَخَابَ مَنْ أَوْهَامِهَا
مَا خِفْتُ جَوْرَ الْوَقْتِ، بَلْ قَدْ كُنْتُهُ
إِنْ خَانَنِي، رَوَيْتُهُ مِنْ حِزَامِهَا
عَلَّمْتُ دَهْرِي أَنْ يُهَابَ مَهَابَتِي
فَمَشَيْتُ فَوْقَ الْوَقْتِ دُونَ لِجَامِهَا
وَسَقَيْتُ مِنْ قَلَمِي الْعُصُورَ قَصِيدَةً
عَصْمَاءَ تَرْفُضُ أَنْ تَلِي بِأَعْجَامِهَا
حَتَّى إِذَا وَقَفَ الزَّمَانُ مُبَجَّلًا
أَدْرَكْتُ أَنِّي سَيِّدٌ بِأَقْلَامِهَا
وَسَجَدْتُ فَوْقَ قَوَافِلِي مُتَكَبِّرًا
كَالسَّيْفِ لَا يَثْنِيهِ وَقْعُ حُسَامِهَا
مَا كُنْتُ مِنْ أَهْلِ التَّرَدِّي لَحْظَةً
أَنَا مَنْ تَصَدَّرَ عَاصِفَ الْأَيَّامِهَا
وَالْيَوْمَ أَخْتِمُهَا، وَعَيْنُكَ شَاهِدِي
قَصْرًا شُمُوخُ الْمَجْدِ فِي أَحْكَامِهَا
463
قصيدة