عدد الابيات : 57
طباعةيَا مَنْ تُحَاكِي فِي الْبَيَانِ سِحْرَ الدُّجَى
وَتُذِيبُ صَمْتَ اللَّيْلِ فِي الْأَقْوَالِ
خُذْ مِنْ جَلَالِ الْحُسْنِ مَا رَقَّ الْحِجَى
وَاصْغِ لِصَوْتِ الشِّعْرِ فِي الْمِثَالِ
هَا قَدْ أَتَتْكَ قَصِيدَةٌ بِلِسَانِهَا
سَفَرُ الْمَدَى، وَسُلَافَةُ الْآمَالِ
مِنْ نَبْضِهَا تَتَفَجَّرُ الْأَنْغَامُ إِذْ
تَمْشِي الْمَعَانِي فَوْقَ ضَوْءِ خَيَالِ
مَعَاذَ الْإِلَهِ أَنْ تَذِلَّ مَعَالِمِي
وَأَنْ يَشْتَكِي ظِلِّي لِغَاشِيَةِ الْوَخْلِ
وَأَنْ يَنْحَنِيَ ظَهْرِي لِذُلٍّ وَمَنْقَصٍ
وَتَسْتَغِيثَ النَّفْسُ هَوْلَ ذِي الْوَحْلِ
بَنِيَّ إِذَا مَا الرِّيحُ هَبَّتْ بِصَرْصَرٍ
وَدَارَتْ رِحَى الْأَقْدَارِ مُعْظَمِ السِّجْلِ
فَلَا تَجْزَعُوا، إِنَّ الْمَنَايَا نُزُولُهَا
كَزَخَّاتِ غَيْثٍ فَوْقَ مُجْتَمِعِ النَّخْلِ
وَكُونُوا كَمَا كُنَّا، أُسُودًا وَإِنْ طَغَتْ
ذِئَابُ رَدَى الدَّهْرِ بِالْجَوْرِ وَالْخَتْلِ
وَلَا تَنْحَنُوا إِلَّا لِرَبٍّ أَحَاطَكُمْ
بِفَضْلٍ وَأَلْقَى فِي صُدُورِكُمُ الْعَدْلِ
فَلَوْ كَانَ دَهْرٌ غَيْرُ دَهْرِي مُذَلَّلًا
لَمَا قُلْتُ: دُونَ الْعِزِّ فِي غَايَةِ الْبَذْلِ
وَلَكِنَّهُ دَهْرٌ أَرَانَا مَذَابِحًا
يُقَسِّمُنَا بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالنَّبْلِ
وَمَا الْعِزُّ إِلَّا فِي السُّيُوفِ وَقَعْدَةٍ
تُذَلِّلُهَا الْأَقْدَامُ فِي زَحْفِنَا ثَقْلِ
فَإِمَّا صُرُوحُ الْمَجْدِ تُبْنَى بِهِمَّةٍ
وَإِمَّا هَوَى الْأَقْوَامِ فِي مَهْوَةِ الثَّكْلِ
أَتَرْهَبُهُمْ؟ لَا تَرْهَبُوهُمْ فَإِنَّنَا
أُسُودٌ لَنَا فِي كُلِّ نَائِبَةٍ فِعْلِ
وَإِنْ جَاءَكُمْ يَوْمٌ يَرُجُّ جِبَالَكُمْ
فَمِيثَاقُكُمْ بَيْنَ الْحَرَابِ وَالنَّصْلِ
فَيَا أُمَّةً كَانَتْ لِلْفَوَارِسِ مِعْقَلًا
أَتُشْبِهُ جِيلَكَ فِي مَوْطِنِ الذُّلِّ؟
وَإِنَّا إِذَا مَا الْخَيْلُ هَاجَتْ وَكُلِّلَتْ
سُيُوفُنَا وَاهْتَزَّتْ مَرَاكِزُنَا فَخْلِ
فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ إِنْ ذَلَلْتُمْ لِظَالِمٍ
وَلَا خَيْرَ فِي عَيْشٍ يُذِلُّكُمُ الْعَقْلِ
مَعَاذَ الْإِلَهِ أَنْ تَرَى الْعِزَّ أُمَّتِي
تُبَاعُ وَتُشْرَى فِي سُوقِ وَالٍ ذِي خَبَّلِ
وَإِيَّاكُمُ أَنْ تَسْتَبِيحُوا مُهْجَةً
وَفِي صَدْرِهَا نَبْضٌ يُنَزِّهُ عَنْ جَهْلِ
فَمَا خُضْنَا حَرْبًا نَبْتَغِي فِيهَا دَمًا
وَلَكِنْ نَرُدُّ الضَّيْمَ عَنْ قِبْلَةِ الْفَضْلِ
فَلَا تَخْدَعَنْكُمْ زَيْفَةٌ فِي زِيِّنٍ
وَخَلْفَ البَهَاءِ يُقِيمُ سَيْفًا مِنَ الْحِيَلِ
وَكُونُوا نُجُومًا لِلْيَقِينِ إِذَا انْطَفَتْ
مَنَارَةُ فِكْرٍ فِي قُلُوبِكُمُ الْجُهَّلِ
وَلَا تَتَّبِعُوا كُلَّ الْخُطَى وَإِنِ انْبَرَتْ
بِزَخَارِفِ الزَّيْفِ الْمُمَوَّهِ بِالْجَدْلِ
فَكَمْ قَوْمِكُمْ بَاعُوا الضَّمَائِرَ بَغْتَةً
وَفِي صَوْتِهِمْ يَبْكِي الْوَلَاءُ عَلَى الْخَلِي
وَكُونُوا حُمَاةَ الدِّينِ لَا تَسْتَصْغِرُوا
كِتَابًا جَلَا الرَّحْمٰنُ فِيهِ مِنَ الْسُّبُلِ
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا لِلْقِيَادَةِ قَادَةً
فَكَيْفَ تَرُومُوا فَوْقَ مِئْذَنَةِ الْأَجَلِ؟
وَلَا تَطْلُبُوا الْمَجْدَ الرَّخِيصَ بِذِلَّةٍ
فَمَجْدُ الْكِرَامِ يُشَيَّدُ الْيَوْمَ بِالثِّقَلِ
تَأَمَّلْ بَنِيَّ الْمَجْدَ فِي صَمْتِ جَدِّكُمْ
وَكَيْفَ تَجَلَّى فِي خُطَاهُ عَلَى الْجَبَلِ
وَإِنْ جَارَكُمْ دَهْرٌ، فَقُومُوا وَارْفَعُوا
رُءُوسَكُمُ لَا تَخْضَعُوا لِرِجَالِ خُذُلِ
فَمَا الْحَقُّ يُؤْتَى بِالتَّمَنِّي وَالرُّؤَى
وَلَكِنَّهُ يُؤْتَى بِعَزْمٍ وَبِجدٍ مَحْتَمَلِ
وَبِنَظْرَةٍ كَالدُّرِّ تُحْيِي نَفْسَنَا
وَتُمَسِّدُ الجُرْحَ العَمِيقَ المُقْتَلِ
وَالصَّوْتُ يَجْرِي فِي الفُؤَادِ كَنَغْمَةٍ
تَشْفِي جُرُوحَ العُمْرِ عِنْدَ التَّرْحُّلِ
تَمْشِي كَأَنَّ الحُسْنَ فِي خُطُوَاتِهَا
وَالبَرْقُ يَرْقُصُ فِي اللّيَالِي الأُوْلَلِ
فِي وَجْهِهَا لُغَةُ السَّمَاوَاتِ الَّتِي
خَلَقَتْ بَيَانَ العِشْقِ مِنْ مُتَنَزَّلِ
تَهْبُو الرُّؤَى فِي صَمْتِهَا مِثْلَ الدُّعَا
وَتَنُوحُ فَوْقَ البُعْدِ لَحْنَ الأَنْدَلِ
فَإِذَا تَنَفَّسَ صَبْرُ قَلْبِي ذِكْرَهَا
عَادَتْ طُيُورُ الحُلْمِ فِي المُتَأَمِّلِ
مَا كَانَ لِلْوَجْدِ انْطِفَاءٌ بَعْدَهَا
فَالْوَصْلُ فِي مِثْلِ الْهَوَى لَمْ يَفْصِلِ
هِيَ بَسْمَةُ الأَيَّامِ إِنْ جَارَتْ بِنَا
وَوِدَادُهَا نَبْعٌ لِكُلِّ مُجَمْجِلِ
وَالوَقْتُ يُنْصِتُ لِلْحَنَانِ بِحُرْفِهَا
وَيَخِرُّ صَمْتًا فِي مَقَامِ الأَجْمَلِ
هِيَ وَصْفَةُ الأَسْرَارِ فِي أَرْوَاحِنَا
وَنُقُوشُهَا تَجْلُو دُجَى المُتَبَلْبِلِ
لَوْ كَانَ فِي كَفِّ المَدَى قَلْبٌ لَهَا
لَارْتَجَّ يَشْهَقُ فِي جَمالِ المُقْبِلِ
فِي طَيْفِهَا حُكْمٌ كَشِعْرِ الأَوَّلِ
وَوَصَايَا الأَحْبَابِ فِي المَتَنَازِلِ
لا تَسْتَقِلَّ بُهُودَ نُورٍ مِثْلَهَا
فَالنُّورُ يُولَدُ فِي الظُّلَامِ المُقْفِلِ
لَا تَسْتَزِلَّ اللُّطْفَ فِي تَفْصِيلِهَا
فَالطِّيبُ يَخْرُجُ مِنْ سُكُونِ الأَجْمَلِ
لَا تَسْتَبِدَّ الرُّؤْيَةَ المُسْتَكْبِرَةْ
فَالحُبُّ يَسْكُنُ فِي الجَنَاحِ المُذْعِلِ
كُنْ فِي العَفَافِ كَمَنْ يَصُونُ عُيُونَهُ
وَيَخَافُ مَشْهَدَ نَفْسِهِ فِي المَرْحَلِ
لَا تَسْأَلِ الوَقْتَ الَّذِي خَانَ الوَفَا
واسْتَسْقِ رُوحَ العِفَّةِ المُتَأَصِّلِ
وَارْفَعْ سَنَاءَ العَقْلِ فِي أَخْلَاقِهِ
فَبِهَا تَسُودُ كَوَاكِبُ المُتَنَهِّلِ
وَاغْرِسْ بِيَانَكَ فِي طَرِيقِ الحَالِمِينَ
فَالْحُرُّ لا يُرْهِقْهُ حُلْمُ المُقَتِّلِ
إِنَّ الحَيَاةَ سَتَسْأَلُ الْعَبْدَ الَّذِي
سَارَتْ خُطَاهُ فِي الطَّرِيقِ المُخْجِلِ
فَكُنِ الرَّحِيمَ وَلَا تَزِدْ فِي غَفْلَةٍ
فَالصَّفْحُ يُكْرِمُ مَنْ يَكُونُ الأَعْدَلِ
يا مَنْ كَتَبْتَ الحُسْنَ شِعْرًا نَاطِقًا
وَرَوَيْتَ وَرْدَ الحُبِّ فِي التَّمْثِيلِ،
قِفْ فِي خُشُوعٍ، فَالرُّؤَى قَدْ أَذْهَلَتْ
ذِهْنَ البَيَانِ وَفِكْرَ كُلِّ بَدِيلِ،
هَذِي قَصِيدَتُكَ الَّتِي سَجَدَ الْمَدَى
لِجَمَالِهَا وَتَفَتُّحِ التَّفْصِيلِ،
فَسَلِ القَوَافِي: هَلْ رَأَيْنَ مِثْلَهَا؟
أَمْ كَانَ ذَاكَ السِّحْرُ مِنْ تَأْوِيلِي؟
663
قصيدة