عدد الابيات : 44
يا سِفْرَ أَحْلَامِنَا، يَا نَبْضَ أَوْطَانَا
هَذِي القَصِيدَةُ نَارٌ فِي حَنَايَانَا
سَطَّرْتُهَا مِنْ هَوًى مَكْنُونِ أَزْمِنَةٍ
تَغْفُو عَلَى وَجْدِهَا الأَرْوَاحُ سِحْرَّانَا
أَسَارَةُ الْحُسْنِ، لَوْ زَانَتْ بِهَا الزَّمَنَا
لَأَلْبَسَتْ كَوْنَنَا دُرًّا مَاسًا وَمُرْجَانَا
تَمْشِينَ وَالنُّورُ مِثْلُ الشَّمْسِ يَتْبَعُكِ
وَالطُّهْرُ يَحْسِبُ خَدَّيْكِ فَاحَتْ رَيْحَانَا
يَا سِحْرَ عَيْنَيْكِ، إِنْ صَافَحْتِ ذَا هَلَعٍ
يَذُوبُ وَيَنْسَى الَّذِي يَبْغِيهِ هَيْمَانَا
كَأَنَّ وَجْهَكِ بَدْرٌ فِي دُجَى سَحَرٍ
أَطَلَّ يُغْرِي الدُّجَى نُورًا وَإِحْسَانَا
وَالْخَدُّ وَرْدٌ لَهُ أَنْفَاسُ رَوْنَقِهِ
يَذُوبُ مِنْهُ شَذًا يُحْيِي الَّذِي لَانَا
وَالشَّعْرُ لَيْلٌ جَمِيلٌ مِنْ مَفَاتِنِهِ
يَسِيلُ وَيْلٌ لِمَنْ فِي حُسْنِهِ زَانَا
إِنْ كُنْتِ تَرْفُقُ عَيْنًا بِالَّذِي وَجَدَتْ
فَارْفُقِي قَلْبَ مَنْ صَارَتْ لَهُ أَوْطَانَا
وَإِنْ تَوَلَّيْتِ، لَا تَنْسَيْ الَّذِي هَتَفَتْ
حُرُوفُهُ حُبَّكِ الْمَكْتُومَ مَجْدَهُ إِعْلَانَا
يَا سَارَةَ الدَّهْرِ، إِنْ قَالُوا بِأَنَّ فَتًى
هَامَتْ بِهِ أُمَّةٌ كُنْتِ الَّذِي كَانَا
كَأَنَّ طَيْفَكِ أَحْلَامُ أَنَاةٍ تُؤَرِّقُنِي
وَكُلُّ يَوْمٍ أَرَاهُ الْعُمْرَ حُبًّا إِيمَانَا
يَا مَنْ سَمَتْ بِالدَّلَالِ الْعَذْبِ مَائِلَةً
كَأَنَّهَا الْغُصْنُ فِي آذَارَ قَدْ غَانَا
يَا فِتْنَةَ الْأَرْضِ، قَدْ أَضْحَى هَوَاكِ لَنَا
دِينًا نُقِيمُ بِهِ فَرْضًا وَسُنَنًا إِذْعَانَا
وَأَنْتِ فِي النَّاسِ لَوْ زَادُوا بِلَاغَتَهُمْ
بِالْحُسْنِ أَفْضَلَ مِنْهُمْ قَوْلُكِ جَانَا
يَا كَوْكَبًا كُلَّمَا حَادَتْ مَنَازِلُهُ
تَهْوِي النُّجُومُ وَتَخْشَى مِنْكِ نِيرَانَا
قَدْ كُنْتِ فِي الْخُلُقِ وَالرِّقَّةِ مَعْجَزَةً
لَا الْفَرَزْدَقُ قَدْ أَوْفَاكِ مَعْنَانَا
هَذِي مَدِيحَتُكِ الْغَرَّاءُ نَافِحَةٌ
عَنْ كُلِّ شِعْرٍ جَفَا عَنْكِ وَأَبْلَانَا
فَإِنْ رَضِيتِ فَقَدْ أَحْيَيْتِ قَائِلَهَا
وَإِنْ أَبَيْتِ فَقَدْ أَفْنَيْتِ أَشْجَّانَا
وَالصَّوْتُ مِنْهَا كَصَوْتِ المَاءِ إِذْ هَدَرَتْ
فِي الرُّوحِ لَحْنًا، وَفِي الآذَانِ أَفْيَانَا
وَالثَغْرُ يَسْكُنُهُ سِرٌّ يُنَادِمُنِي
فَأَرْتَوِي مِنهُ صَبْرًا كَانَ نِسْيَانَا
وَالْجِيدُ إِذْ لَاحَ، خَفَّتْ فِي مَدَائِحِهِ
كُلُّ القَصَائِدِ، حَتَّى السِّحْرُ أَغْنَّانَا
وَالكَفُّ إِنْ لَمَسَتْ طِينًا، تَصَيَّرَهُ
نُورًا يُحَوِّلُ لِلأَيَّامِ بالسِحْرِ أَغْصَانَا
تَمْشِي فَتَبْكِي رُبَى الزَّهْرِ الْخُجُولِ
إِذَا هَبَّتْ نُعُولُكِ فِي الدُّنْيَا وَرَيَّانَا
لَا الشِّعْرُ يَسْبِقُنِي، لَا النَّثْرُ يُدْرِكُنِي
فِي وَصْفِ حُسْنٍ، سَرَى فَوْقَ المَكَّانَا
إِنِّي لَأَخْشَى عَلَى وَصْفِي لَهَا حَرَجًا
مِنَ المَلَائِكَ إِنْ أَبْكَيْتُ حُسْنَانَا
يَا بَهْجَةَ العَيْنِ، يَا رَوْنَقْ نَوَافِذِنَا
يَا قِبْلَةَ العِشْقِ، يَا أَسْمَى لَنَا شَانَا
مَا زِلْتِ تَسْكُنُ فِي قَلْبِي، وَأَعْرِفُهُ
يَرْنُو إِلَيْكِ، وَقَدْ صَلَّى وَتَرْعَانَا
قَلْبِي إِذَا ذُكْتِ، قَامَ اللَّيْلُ يُنْشِدُنَا
فَانْهَالَ شَوْقٌ، وَفِي الآهَاتِ أَذْعَانَا
مَا بَيْنَ أَضْلُعِنَا وَجْدٌ يُفَجِّرُنِي
كَأَنَّهُ الْحُبُّ، مَا أَوْقَفْتُ بُرْكَانَا
إِنْ قِيلَ: “مَنْ؟” قُلْتُ: العِشْقُ أَعْرِفُهُ
فِي طَيْفِهَا، قَدْ بَنَى فِي الرُّوحِ سُلْطَانَا
لَا الشَّمْسُ تَغْنِينِي، لَا البَدْرُ يَسْبِينِي
مَا لَمْ أُرَاهَا، وَمَا لَمْ تَمْلُكِ الدِّيَانَا
أَنْتِ السَّنَا فِي طُرُوقِ اللَّيْلِ، إِنْ هَجَعَتْ
عُيُونُ قَوْمٍ، وَقَلْبِي صَارَ سَهْرَانَا
تَحْيَا اللُّغَاتُ إِذَا نَادَتْكِ أَلْفَظُهَا
وَتَرْقُصُ الْحُرْفُ إِنْ خَاطَبْتِ وُجْدَانَا
يَا نَفْحَةَ العِطْرِ فِي ذِكْرَايَ، يَا أَرَقًا
فَاضَتْ مَعَ الدَّمْعِ، حَتَّى لَامَسَ قَلْبَّانَا
مَاذَا أُسَمِّيكِ؟ أَشْعَارِي تُغَازِلُكِ
وَالحُبُّ فِي خَلْفِيَاتِ الْقَلْبِ أَلْحَانَا
مَا زِلْتُ أَكْتُبُ فِي عَيْنَيْكِ مَوْطِنَنَا
وَالشِّعْرُ يَهْتِفُ: أَنْتِ العُمْرُ وَالسَّانَا
أَنْتِ الَّتِي فَوْقَ أَحْرُفِنَا تَخَطَّيْتِ
حُدُودَ نَبْضٍ، وَكُنْتِ الدَّفءَ وَ مَأوَانَّا
لَوْ لَا الهَوَى مَا نَمَتْ أَشْجَانُ ذَاكِرَةٍ
وَلَا انْكَبَبْنَا عَلَى الأَشْوَاقِ سُجْيَانَا
وَكَيْفَ أَخْشَى فِرَاقًا فِي مَسَافَتِهِ
نَجْمٌ يُلَامِسُ فِي الأَفْقِ الَّذِي كَانَا؟
كُنْتِ انْسِكَابَ اللَّيَالِي فِي تَرَانِيمِي
وَكُنْتُ صَوْتَ المُنَادِي فِي نِدَآنَا
إِنْ غِبْتِ، قَلْبِيَ لا يَشْكُو وَلَا يَكِلُ
يَكْفِيهِ أَنَّكِ فِي الرُّوحِ الَّتِي أنْبَانَا
هَذِي القَصِيدَةُ حَتَّى الحُرْفِ بَاكِيَةٌ
تَسْقِي هَوَانَا، وَتَسْتَبْقِي لَنَا فِنّْيانا
خُذْهَا لِتَسْكُنَ فِي التَّارِيخِ مُشْتَعِلَةً
كَأَنَّهَا الْحُبُّ، لَا يُخْفِي لَهُ أزَمَانَا
663
قصيدة