(1)
يَطلُعُ الفجرُ مِنْ وجهِ ريمْ
البساتينُ تنهضُ من نومِها
وقُرى اللوزِ تَغْسِلُ أحداقَها بالضياءِ العظيمْ
لحظةً
ثُمَّ تمتدُّ سَجَّادةُ الوقتِ
تَلْتَفُّ باللَّيلَكيِّ السماءُ
وتَسجُدُ للألقِ المُسْتَبِينْ
هذهِ امرأةٌ لا تُسمَّى فُصولُ ابتِسامَتِها
والجِهاتُ التي تنتمي لالتِفاتَتِها
هذه امرأةُ الظَّنِّ
يُورِقُ حيثُ تَمُرُّ السُّؤالُ
ويُعقَدُ زهرُ الحنينْ…
(2)
مَنْ رأى ريمَ آتيةً في البياضِ
يَطُوفُ بها أُفُقٌ مِنْ سوادٍ هَتُونْ؟
مَنْ رآها تَرِفُّ بخَطْوِ الهواءِ
فيَرْعَشُ قلبُ السُّكونْ؟
مَنْ رأى اِسْمَ ريمْ
يَتنزَّهُ بينَ الكلامِ
على كوكبِ الكائناتِ العظيمْ؟
(3)
ولأنَّ ريمْ
كالضَّوءِ في المصباحِ
أو كالعطرِ في الجُورِيْ
ولأنَّ نَهْدَيها إذا انْفَتحَ النهارُ
وحُلِّلَ التَّحريمْ
كأسانِ مِنْ خمرٍ وبَلُّورِ
ولأنَّ عُنْصَرَ قلبِها لا يقبلُ التَّقسيمْ
سَمَّيتُها ياقوتَةَ النُّورِ…
(4)
في الغُرفةِ الزَّرقاءْ
فاجأتُ ريمَ تنامُ في المِرآةْ
ما كانَ جِسْمَ فتاةْ
بل كوكبٌ…
جَفِلَتْ، فغَطَّتْ رعشةَ المرآةْ
كي لا يَشِيعَ السِّرُّ في الأشياءْ…
(5)
يا مَنْ رأى غزالةً نافرةً
في سُهُبِ النهارْ
مِنْ يومِ ضاعتْ ريمُ
ضِعْتُ
شَرَّدَتْني الرِّيحُ والقِفارْ…
طارَدْتُها في جُزُرِ الخَمْرِ
وفي مرافئِ الشِّعرِ
وفي مدائنِ التَّذْكارْ…
لم ألْقَ إلّا ظِلَّ قِرْنِها
يَسِيلُ في المدى
وإلّا النَّقْعَ خَلْفَها مُثارْ…
مِنْ يومِ ضاعَتْ ريمُ
ضاعَ خاتَمُ القلبِ
ارْتَمى في وَحْشَةِ البِحارْ…
(6)
هل ريمُ راحتْ تَسْكُنُ الآتي؟
هلِ السِّرُّ الذي غَيَّبَها كُنْهٌ
أمِ الآتي بلا غيبٍ ولا أسرارْ؟
هل سَحَرَتْها رَبَّةُ الأقدارْ
فصَيَّرَتْها مَرّةً غيماً
ومرّةً أمطارْ
وواحداً مِنْ هذه الطُّيورِ في الغاباتِ
أو واحدةً مِنْ هذه الأشجارْ
أو صخرةً يَغْتَسِلُ الموجُ على بَياضِها
أو كوكباً يَدُورُ عبرَ الفَلَكِ الدَّوَّارْ
أو فِلذةً في جوهرِ الماسِ وفي الياقوتِ
أو لُؤلُؤةً مِنْ نارْ
أو خَفْقةً في جسدِ الرِّيحِ
وكُنْهاً في ضميرِ الماء
نَبْضاً في مَسِيلِ النّسْغِ في الأزهارْ؟
هل ريمُ ماءُ النّهرِ أم ريمُ هيَ الأنهارْ
أم أنَّها الشِّعرُ الذي تَحْلُمُ أنْ تَكُونَهُ الأشعارْ؟
سَمَّيتُ ريمَ الوعلةَ الأُولى
وسَمَّيتُ يَدَيها الماءَ والعُشْبَ
وسَمَّيتُ أماسي وَجْهِها الأقمارْ…
(7)
إلى مَنْ يَجِيءُ منَ الشُّعراءِ
ليَرْسُمَ أطلالَ وَجْهٍ لريمْ
فيسألُ عنها شُيوخَ الطُّرُقْ
وسادَةَ سِحْرِ الطُّقوسِ
وأربابَها في شعائرِ أهلِ الفِرَقْ
سُدىً…
ريمُ ليستْ على نَقْرَةِ الدّفِّ
أو هَزّةِ المزْهَرِ
وليستْ على غيمةٍ مِنْ بَخُورِ الصَّنَوبَرِ
والعَنْبَرِ
إذا ما مَرَرْتَ بحَبَّةِ قمحٍ تُغنِّي
وحَبَّةِ رملٍ تُصلِّي
وحَبّةِ قلبٍ كريمْ
تَوقَّفْ!
فثمَّةَ ظِلٌّ لريمْ…
وإنْ كُنتَ تَطْفُو على خمرةٍ مُثْقَلهْ
وغاصَ بكَ الحُزنُ
وانْقَضَّتِ الأسئلَهْ
وحاصرَ حُوتٌ زوارِقَكَ المُنْزَلهْ
فلاحَ على الليلِ شَطٌّ يتيمْ
تَوقَّفْ!
فثمّةَ ظِلٌّ لريم…
وإنْ طُفْتَ في شارعٍ مِنْ دُموعِ الطُّفولةِ
خالٍ مِنَ الخُبزِ والأنبياءْ
ولاحَتْ لعَينَيكَ في كُلِّ صوتٍ
وفي كُلِّ وجهٍ
هَشاشةُ عَدْلِ السماءْ
وأبصَرْتَ بينَ فراشِ الأنينِ
وبينَ سريرِ البُكاءْ
مِهاداً لأُغنيَةٍ
لابتسامَةِ وَجْهٍ سقيمْ
تَوقَّفْ!
فثمَّةَ ظِلٌّ لريمْ…
وإنْ هَزَّ قَرْنَيهِ ثورُ السَّماءِ
الذي يَحْمِلُ الأرضَ
فاخْتَلَّ مِيزانُها
فتَدلَّتْ على كَفَّةٍ مُدُنٌ
وعلى كَفَّةٍ أُمَمٌ
وتَأَرْجَحَتِ الكائِنات
 
ودَاخَتْ
وتَمَّ التَّصدُّعُ في الكَونِ
والزَّلْزَلَهْ
وتَمَّتْ أُلُوهِيَّةُ القُنبُلَهْ
وفي هذه البَلْبَلَهْ
تَجلَّى على الأُفْقِ وجهُ إلَهٍ قديمْ
تَوقَّفْ!
فثمَّةَ وجهٌ لريمْ…

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد عمران

avatar

محمد عمران

سوريا

poet-Mohammad-Omran@

2

قصيدة

0

متابعين

محمد بدر عمران (1934 - 1996) شاعر وصحفي سوري. ولد محمد بدر عمران في قرية الملاجة بناحية حمين التابعة لمحافظة طرطوس، وتذكر بعض الروايات أنه وُلد في مدينة حارم بمحافظة حلب. ...

المزيد عن محمد عمران

اقتراحات المتابعة

اقرأ أيضا لـ محمد عمران :

أضف شرح او معلومة