عدد الابيات : 35
الْوَجْهُ مِنْ فَرْطِ الْجَمَالِ كَأَنَّهُ
شَمْسٌ تَبَدَّتْ فِي الصَّبَاحِ الْمُبْهَمِ
وَالْحُسْنُ فِي وَجَنَاتِهَا مُتَأَلِّقٌ
كَالرَّوْضِ مُزْدَانًا بِطَلْعَةِ أَنْجُمِ
وَالْعَيْنُ لَيْلٌ فِي السَّوَادِ مُهِيبُهَا
لَكِنَّهَا تَهَبُ الضِّيَاءَ لِمُغْرَمِ
وَالشَّعْرُ مِنْ فَوْقِ الْجَبِينِ مُسَافِرٌ
فِي اللَّيْلِ مُمْتَدًّا كَمَوْجٍ مُظْلِمِ
وَالْحَاجِبَانِ كَأَنَّ سَيْفَيْ فِتْنَةٍ
قَدْ سَلَّهَا سِحْرٌ لِقَتْلِ الْمُتَّهَمِ
وَالْخَدُّ مِنْ نَفْحِ الْوُرُودِ كَأَنَّهُ
نُورُ الصَّبَاحِ عَلَى الزُّجَاجِ الْمُنْعِمِ
وَالثَّغْرُ فِي مَرْآهُ شَهْدٌ مُذْعِنٌ
إِنْ ذُقْتَ مِنْهُ جَنَيْتَ شَهْدَ الْعِنْدَمِ
وَالرِّيقُ مِسْكٌ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي
تَمْضِي فَتُسْكِرُ مِنْ حَدِيثٍ مُفْعَمِ
إِنْ قُلْتُ بَدْرًا فِي كَمَالِ صَفَائِهَا
فَالْوَجْهُ أَبْهَى مِنْ ضِيَاءِ الْأَنْجُمِ
وَالصَّدْرُ مِرْآةُ النَّقَاءِ كَأَنَّهُ
لُبُّ الْغَمَامِ بِصَفْوِ مَاءٍ مُنْعِمِ
وَالْعُنُقُ الْمَرْمُوقُ بَدْرٌ مُشْرِقٌ
يَجْلُو الظَّلَامَ بِضَوْئِهِ الْمُتَلَثِّمِ
وَالْكَفُّ تَنْدَى بِاللُّطَافَةِ وَالْهَوَى
فِيهَا كَسِحْرِ الْغُصْنِ فَوْقَ الْمُنْعَمِ
وَالْمَشْيُ سِحْرٌ لَوْ رَآهُ مُتَيَّمٌ
لَرَآهُ يَرْقُصُ فِي سَمَاءِ تَبَسُّمِ
وَالنَّفْسُ أَعْذَبُ مِنْ سَحَابٍ مُرْسَلٍ
يَهَبُ الْحَيَاةَ لِقَلْبِ صَبٍّ مُغْرَمِ
فَسَكَبْتُ مِنْ رُوحِي هَوَايَ كَأَنَّنِي
ظَمْآنُ يَسْقِينِي نَدَى الْمُتَرَنِّمِ
يَا رَوْضَةً نَسْجُ الْخَيَالِ جَمَالُهَا
هَلْ مِنْكِ زَهْرٌ فِي فُؤَادِي يُنْجِدِي؟
يَا كُلَّ مَا رَقَّتْ بِهِ أَشْعَارُنَا
يَا وَحْيَ فِكْرِي فِي غَرَامِي الْمُلْهِمِ
يَا مَنْ تَجَلَّى فِي الْجَمَالِ كَأَنَّهُ
حُلْمٌ يُدَاعِبُ مُهْجَتِي وَيُسَلِّمِ
مَاذَا جَنَيْتُ لِأُبْتَلَى بِعُيُونِكُمْ
وَأَظَلَّ أَسْهَرُ فِي هَوَاكِ وَأَحْلُمِ؟
إِنِّي رَأَيْتُ الْبَدْرَ يُشْرِقُ بَاهِتًا
لَمَّا بَدَا خَدُّكِ بِالْبِشْرِ الْمُهَيِّمِ
وَاللَّيْلُ مِنْ حُلْكِ الشِّعْرِ تَوَارَتْ
أَنْجُمُهُ خَجَلًا بِسِحْرِ الْمُعْتِمِ
وَالرُّوحُ مِنْ عِطْرِ اللِّقَاءِ مُعَطَّرٌ
وَالْقَلْبُ فِي شَوْقٍ كَسَيْفٍ مُهَنْدَمِ
لَا الْعَقْلُ يُجْدِي فِي هَوَاكِ وَلَا النُّهَى
وَالصَّبْرُ مِنْ كَثْرِ الْجَوَى لَمْ يُنْعِمِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ سِحْرَ حَدِيثِكُمْ
سَيَغْتَالُ عُمْرِي وَالْمَشَاعِرَ فِي دَمِي
يَا رَوْضَةَ الْحُسْنِ الْبَدِيعِ وَنَبْضَهُ
هَلْ مِنْ لِقَاءٍ فِي النَّعِيمِ الْمُبْسَمِ؟
إِنِّي أَرَى الدُّنْيَا بِعَيْنِكِ رَوْضَةً
زَهْرٌ يُدَاعِبُهُ النَّسِيمُ الْمُنَسَّمِ
وَالْعُمْرُ لَوْلَا وَجْهُكِ الْبَدْرِيُّ مَا
رَاقَتْ لِيَ الْأَيَّامُ فِي عُمْرِي الدُّهْمِ
كَالْبَدْرِ لَكِنْ قَدْ يَفُوتُ بُزُوغُهُ
أَمَّا مُحَيَّاكِ الْبَهِيُّ فَمُلْهِمِي
وَالسِّحْرُ فِي شَفَتَيْكِ فَجْرٌ مُشْرِقٌ
حَرْفٌ تُنَاغِمُهُ الشِّفَاهُ بِمُنْعِمِ
وَإِذَا تَنَفَّسْتِ الصَّبَاحَ تَفَتَّحَتْ
أَزْهَارُ رُوحِي وَانْجَلَى لَيْلُ الْأَلَمِ
لَا تَسْأَلِينِي عَنْ غَرَامِي إِنَّهُ
سِرٌّ عَمِيقٌ فِي الْفُؤَادِ مُكَتَّمِ
وَالْقَلْبُ مُذْ نَادَيْتُ اسْمَكِ خَاشِعٌ
يَدْعُو بِطَيْفِكِ فِي السُّجُودِ الْمُحْرِمِ
يَا مَنْ مَلَكْتِ الْعَيْنَ حَتَّى صِرْتُ لَا
أَدْرِي أَأَنَا الْمُبْصِرُ أَمْ فِي الْحُلْمِ؟
إِنْ كَانَ فِي ثَغْرِ الْمِلَاحِ شِفَاؤُنَا
فَالرَّاحُ مِنْ ثَغْرِكِ شَهْدٌ مُفْعَمِ
يَا رَوْضَةَ الْعُشَّاقِ هَلْ لِيَ سَاعَةٌ
أَحْيَا بِهَا فِي ظِلِّ وَصْلٍ مُنْعِمِ؟
1280
قصيدة