تسائلني طفلتي في الطريق
ونحن بسهلٍ من الأرضِ معشوشب
تَعربد فيه وفودُ الغمام
وتسرح في أفقه الأرحب
تسائلني طفلتي .. وأنا أستحثُّ الخطى
إلى أين تمضي بنا يا أبي؟
وتنسى السؤال
لتجري وراء الفراش
تطارد أسرابه الغادية
وتقفز فوق الربى كالفراشة
ضاحكةً لاهية
وتبسط حيناً يديها لتجمع ذوبَ الغمام
فيفلت منها نداه
لتُلفى أصبعها خالية
وفي ضحكةٍ لا تُحيط بها سعةُ الملعب
تُزيح الندى عن ضفائرها المرسلات
نثراً من الدرِّ لم يُثقب
وتمضي تسائلني في دلال:
إلى أين تمضي بنا يا أبي؟
تقول: أنا لا أريد الذهاب بعيداً؛
أريد البقاء هنا
ألم تكُ يا أبتي هذه أرضُنا؟
وهذي المروج .. وتلك الحقول
أليست جميعاً لنا؟
أُحسُّ بصوتي كما لو أتى من بعيد
ليغرق في عبراتي .. أجل يا بُنيّة
أَهمس كانت .. لنا
وعادت إلى لهوها من جديد
لتجري هناك وتعدو هنا
***
وحلّ الظلام وكان الطريق
طويلاً طويلاً بلا منتهى
ونامت على كتفي بعد يومٍ
من اللهو جمّ المباهج رغم العنا
وأمشي بها وهي نائمة في همومي
تحت الدجى
وسرتُ كأني أخشى الصباح
وأخشى النهار إذا ما بدا
ولم أدرِ ماذا أقول لها في الصباح
إذا أشرقت فيه شمسُ الضحى
ونحن نجوب الفيافي خُلوّ الوفاض .. حيارى
ونطوي الفلا
إذا ما أفاقت تسائلني من جديد:
إلى أين تمضي بنا يا أبي؟
فماذا أقول لها .. أأقول الحقيقة؟
إن الحقيقة بعضُ الأحايين .. لا تُبتغى
أقول لها: إنها أصبحت لاجئة؟
وما عاد في الأرض مأوى لنا؟
أقول لها: هدموا بيتنا
أقول لها: حرقوا زرعنا
أأقتل في شفتيها ابتسام الطفولة؟
أأخمد فيها بريق السنا؟
وأُحرق سحر العيون الجميلة؟
لتصبح نازحة في مهبِّ الرياح
تعيش على حفنةٍ من وعودٍ هزيلة؟!
الهادي آدم (1927 – ديسمبر 2006)
شاعر سوداني مرموق، عُرف بتميّزه في كتابة الشعر العربي الكلاسيكي، وهو صاحب القصيدة الشهيرة «أغدًا ألقاك» التي غنّتها كوكب الشرق أم كلثوم.
وُلد الهادي آدم في ...