عدد الابيات : 22
أَقْبَلَتْ رُقْرَاقَتِي فِي ظُلْمَةِ الدُّجْنِ
كَأَنَّهَا النَّجْمُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْأُفُقِ
جَاءَتْ نَحْوِي كَضَوْءِ الْبَدْرِ فِي الْغَسَقِ
تَزْهُو كَمِسْكٍ سَرَى فِي مُهْجَةِ الْعَبَقِ
فَقُلْتُ يَا نَفْحَةَ الْآمَالِ فِي زَمَنٍ
أَمَا خَشِيتِ عُيُونَ الْحُسَّادِ وَالْحَدَقِ
فَقَالَتِ الْعَيْنُ تَجْرِي وَالْهَوَى أَمَلٌ
مَنْ يَرْكَبِ الْعِشْقَ لَا يَخْشَى مِنَ الْغَرَقِ
رَأَيْتُ فِي عَيْنِهَا دَمْعًا يُكَابِدُهَا
كَمَا تُكَابِدُ نَجْمَ اللَّيْلِ فِي الْغَسَقِ
وَقَدْ تَحَامَلَتِ الْأَوْجَاعُ تُسْكِنُهَا
وَالصَّبْرُ يَأْكُلُهَا فِي نَارِهِ الْحَرِقِ
قَالَتْ: أَلَا طِبْتَ؟ قُلْتُ: الْجُرْحُ مُلْتَهِبٌ
وَالشَّوْقُ يُحْيِي لَهِيبَ الْأَلَمِ بِالْعَرَقِ
قَالَتْ: وَدَاؤُكَ؟ قُلْتُ: الْبُعْدُ يَقْتُلُنِي
وَالْوَجْدُ يَسْحَقُنِي فِي سِلْسِلِ الْقَلَقِ
قَالَتْ: وَرُوحِي الَّتِي أَلْقَتْ بِمُهْجَتِهَا
تَحْتَ الْجِرَاحِ وَمَا أَزْكَى مِنَ الْعُلَقِ
هَلْ كُنْتَ تَدْرِي كَمِ الْأَشْوَاقِ تُضْرِمُنِي
وَكَمْ أُكَابِدُ مِنْ جَمْرٍ فِرَاقٍ بِلَا أَفَقِ؟
وَكَمْ هَاجَتْ عَيْنِي تُحَدِّثُنِي بِرُؤْيَتِكُمْ
وَالْوَجْدُ يَحْبِسُ أَشْوَاقِي عَنِ النَّطَقِ؟
قُلْتُ: اعْذُرِينِي فَإِنَّ الدَّاءَ مُعْضِلَةٌ
وَالطِّبُّ يَئِسَ مِنَ التَّشْفِي وَالْحُذُقِ
لَكِنَّ رُؤْيَاكِ تُشْفِينِي وَتَبْعَثُنِي كَمَا
يُبْعَثُ نَبْتُ الْأَرْضِ فِي الدِّيَمِ الدَّفِقِ
يَا أَنْتِ يَا كُلَّ دُنْيَايَ الَّتِي كَبُرَتْ
حُبًّا وَصَبْرًا وَوَجْدًا مُنْذُ الْمُفْتَرَقِ
إِنْ كَانَ دَاؤُكِ بُعْدِي فِي مَرَارَتِهِ
فَإِنَّ آهَاتِ دَائِي فِرَاقٌ جَارِحٌ زَلِقِ
أَنَا الْمُعَذَّبُ بَيْنَ السُّقْمِ يَحْبِسُنِي
وَبَيْنَ قَلْبٍ يَحِنُّ الْوَصْلَ بِالْحُدُقِ
وَكَيْفَ أَسْلُوكِ؟ قَلْبِي لَيْسَ يَعْرِفُهَا
سَبِيلُ مَنْ سَامَ نَفْسًا غَيْرَ مُشْتَبِقِ
إِنْ مِتُّ شَوْقًا فَقُولِي فِي مَنَادِلِكُمْ
مَاتَ الْهَوَى وَدَمُ الْأَشْوَاقِ فِي الْعُنُقِ
أَمَّا وَإِنِّي أَرَى الْوِجْدَانَ يَحْبِسُنِي
فَكَيْفَ أَهْرُبُ مِنْ أَشْجَانِ مُحْتَرِقِي؟
قَبَّلْتُهَا أَلْفًا فَبَكَتْ شَوْقًا تُكَابِدُنِي
وَقَالَتِ: الرُّوحُ تَشْكُو وَجْدَ مُفْتَرَقِي
قُلْتُ: الْعِنَاقُ حَرَامٌ فِي شَرِيعَتِنَا
قَالَتْ: أَيَا سَيِّدِي وَاجْعَلْهُ بِالْعُنُقِ
1280
قصيدة