عدد الابيات : 41
سُرَارَةُ صَبْرِي قَدْ أَذَابَ النَّوَائِبُ
وَنَارُ اشْتِيَاقِي فِي الْحَشَا تَتَلَاهَبُ
فَهَلَّا رَأَفْتِ الْيَوْمَ قَلْبًا مُعَذَّبًا
يُقَاسِي اللَّيَالِي وَالدُّمُوعُ سَكَائِبُ
أُرَاقِبُ نَجْمَ اللَّيْلِ فِي الْأُفْقِ دَامِعًا
كَأَنِّي سَجِينٌ وَالظَّلَامُ مُحَاجِبُ
وَطَيْفُكِ فِي عَيْنِي يُجَاذِبُ مُهْجَتِي
كَمُزْنٍ أَتَى يَسْقِي الصَّحَارَى سَوَاكِبُ
فَوَاللَّهِ لَوْ تَدْرِينَ مَا قَدْ بَلَغْتُهُ
لَمَا غَابَ عَنْكِ الدَّمْعُ، وَالرُّوحُ نَادِبُ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَيْسَ يَحْصَاهُ الْمَدَى
كَمَا اخْتَصَّ مَاءُ الْبَحْرِ قَلْبَ سَحَائِبُ
لَقَدْ سِرْتُ فِي بَيْدِ الْغَرَامِ وَحِيدًا
كَمَاجِدِ نَدْبٍ بَاتَ بِالسَّيْفِ ضَارِبُ
وَإِنِّي إِذَا مَا قِيلَ عُذْنَا بِصَبْرِنَا
تَمَلَّكَ أَشْوَاقِي وَالْأَنِينُ يُجَاوِبُ
أُحِبُّكِ، لَا عَيْبٌ يُلَامُ بِصِدْقِ حُبِّكِ
سِوَى أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ مِثْلُ الْكَوَاكِبِ
وَوَاللَّهِ، مَا زَالَ الْفُؤَادُ مُتَيَّمًا
تَمِيلُ بِهِ الْأَشْوَاقُ وَالدَّمْعُ سَاكِبُ
أُحِبُّكِ، لَا نَسْمٌ يَمُرُّ بِنَعِيمِ قُرْبِنَا
وَلَا زَهْرُ رَوْضٍ فِي الْأَصِيلِ يُجَانِبُ
نَظَرْتُ إِلَيْكِ النَّظْرَةَ الْأُولَى فَمَا
تَرَكْتِ بِقَلْبِي غَيْرَ سِحْرٍ يُغَالِبُ
فَيَا أُمَّ طَرْفٍ لَا يُجَارَى بِسِحْرِ فِتْنَةٍ
تَعَطَّفْتِ، فَازْدَانَتْ فُرُوعُ الْكَوَاعِبِ
لَقَدْ كُنْتِ عِطْرَ الدَّهْرِ وَالْوَرْدُ شَاهِدٌ
وَكُنْتِ ضِيَاءَ الْبَدْرِ وَاللَّيْلُ حَاجِبُ
فَكُونِي كَمَا كُنْتِ الْجَمَالَ مُجَسَّدًا
تَرِقُّ لَهُ الْأَحْلَامُ وَالطَّرْفُ رَاهِبُ
وَإِنْ شِئْتِ أَنْ تَتْرُكِي الْعِشْقَ هَائِمًا
فَلَا تَجْعَلِي صَبْرِي عَلَيْهِ يُحَارِبُ
سَأَنْظُرُ فِي بُعْدِ الْمَسَافَاتِ صَابِرًا
وَأَحْفَظُ حُبًّا فِي الضُّلُوعِ يُخَاطِبُ
فَلَيْسَ يُجَازَى بِالْعِتَابِ مُحِبُّكِ
وَلَا يَرْتَضِي الْهِجْرَانَ إِلَّا الْمُغَالِبُ
حَنَانُكِ، إِنَّ الْعَاشِقَ الْيَوْمَ صَادِقٌ
يُنَادِيكِ مِنْ بُعْدِ الْمَدَى وَهْوَ تَائِبُ
وَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا غَزَالٌ إِذَا بَدَا
تَبَدَّلَ طَقْسُ الْأَرْضِ وَالْبَحْرُ هَائِبُ
تَأَمَّلْتُ فِي عَيْنَيْكِ حُبًّا مُطَهَّرًا
كَمَا نَظَرَ الْعَابِدُ النُّورَ عَاجِبُ
فَلَيْتَ اللَّيَالِيَ قَدْ تَمَهَّلْتَ بَيْنَنَا
وَحَطَّتْ جُنُوحَ الْوَصْلِ دُونَ الْمُنَاكِبِ
فَوَصْلُكِ عِنْدِي جَنَّةٌ لَا مَزِيدَ لَهَا
وَحُبُّكِ كَالتِّبْرِ الْمُصَفَّى يُذَاهِبُ
فَكُونِي كَمَا شِئْتِ مَلِيحَةً وَابْتَسِمِي
فَإِنَّكِ أَمَلٌ فِي الْحَيَاةِ يُكَاسِبُ
وَدَمْعِي إِذَا مَا غِبْتِ يَنْثَالُ هَادِرًا
كَمَوْجِ اللُّجَيْنِ بِالسَّحَابِ الْمُرَاصِبِ
فَلَيْتَ الْمَنَازِلَ قَدْ دَنَتْ مِنْكِ مَرَّةً
وَصِرْتُ كَمَا كُنْتِ الرُّؤَى وَالْمَرَاكِبِ
أُحِبُّكِ، لَا بُعْدٌ يَفُوقُ مَجْدَ مَكَانَةً
وَلَا وَصْلُ بَدْرٍ فِي الظَّلَامِ يُشَابِبُ
فَكُونِي الْمَلَاحَ الْغَرَّ فِي بَحْرِ مُهْجَتِي
فَلَا بَحْرَ إِلَّا الْحُبُّ، لَا الْمَوْجُ غَاضِبُ
فَيَا مَنْ غَزَتْ صَدْرَ الْمَحَافِلِ فِتْنَةٌ
وَعَاثَتْ بِأَلْحَانِ الْقُلُوبِ الرَّوَادِبِ
كَفَيْتُكِ مَدْحًا، أَنْتِ أَبْهَى وَأَجْمَلُ
وَأَبْهَى مِنَ الْحُسْنِ الَّذِي كُنْتُ حَاسِبُ
لَقَدْ أَغْرَقَتْنِي فِي هَوَاكِ مَحَبَّةٌ
فَلَا غَيْثَ إِلَّا وَصْلُكِ الْمُتَغَائِبُ
سُرَارَةُ، مَا أَحْلَى الْمَعَانِي بِوَصْلِكِ
وَمَا أَشْهَى أَنْغَامَ طَيْفِكِ اللَّاهِبُ
فَهَلْ تَسْمَحِينَ لِلْعَلِيلِ بِدَمْعَةٍ
تُقَلِّبُ نَارَ الشَّوْقِ حَيْثُ الْمَشَارِبُ؟
أَيَا قَلْبُ، قُلْ لِلنَّجْمِ هَاتِ الرِّسَالَةَ
وَقُلْ لِلْقَمَرْ: كُنْ رَسُولَ الْحَبَائِبُ
سُرَارَةُ، مَا أَبْهَى الْجَمَالَ بِرُوحِكِ
وَمَا أَجْمَلَ الْعَيْنَيْنِ وَالْبَدْرُ غَارِبُ
فَلَيْتَ الْمَسَافَاتِ اقْتَرَبْتُ فَكَانَتِ
اللِّقَاءُ شِفَاءً لِلضُّلُوعِ النَّوَادِبِ
فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى الْغَزَالَةَ لَإِنَّهَا
دُرَرٌ فِي خُدُودِ الْفَجْرِ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ
فَكُونِي كَمَا شِئْتِ الْفَتَاةَ بِنَظْرَةٍ
يُهَزُّ بِهَا بَحْرٌ وَيَفْنَى الْرَهَائِبُ
سُرَارَةُ، أَنْتِ الْوَصْلُ، أَنْتِ حَيَاتُنَا
وَأَنْتِ الْعَبِيرُ الْمُنْتَهَى وَالْمَطَالِبُ
فَلَا يَغْرُبِ الْحُبُّ الَّذِي قَدْ أَقَمْتُهُ
وَلَا تَتَوَلَّى فِي اللَّيَالِي السَّحَائِبُ
وَأَنْتِ عُرَيْبَةٌ فِي الْجَمَالِ وَحُسْنِهِ
وَإِنْ كُنْتِ بِالْأَرْضِ الْعَجَبُ الْعَجَائِبُ
1036
قصيدة