عدد الابيات : 57
طباعةأَرِقٌ عَلَى أَحْزَانٍ وَمَا لِيَ أَرْفَقُ
وَجَوًى يَفِيضُ، وَدَمْعُ عَيْنِيَ يُشْرِقُ
قَلْبِي يُصَارِعُ فِي اللَّظَى مُضْطَرِبًا
وَالرُّوحُ يَخْذُلُهَا الْأَسَى الْمُتَرَقْرِقُ
مَا لَاحَ بَرْقٌ فِي الدُّجَى أَوْ زَارَنِي
طَيْفُ الْحَبِيبِ، وَمُهْجَتِي تَتَفَتَّقُ
كَمْ ذَا تُؤَرِّقُنِي لَيَالٍ لَمْ تَزَلْ
فِيهَا الْأَمَانِي بِالسَّرَابِ تُطَوَّقُ
قَدْ جِئْتُ بَابَ الصَّبْرِ أَطْرُقُهُ فَمَا
لِلْقَلْبِ غَيْرُ الدَّمْعِ بَابٌ يُطْرَقُ
وَلَقَدْ رَمَيْتُ الْعَاذِلِينَ بِصَمْتِهِمْ
إِذْ ذُقْتُ مَا لَمْ يُدْرِكُوهُ وَأَسْبَقُ
قَالُوا: أَرَاكَ مُكَبَّلًا فِي عِشْقِهَا
فَأَجَبْتُهُمْ: لَوْ يَفْهَمُونَ، لَأُرْهِقُوا
إِنِّي رَأَيْتُ الْعَاشِقِينَ بِمِحْنَةٍ
حَتَّى عَذَرْتُ وَلَمْ أَعُدْ أَتَغَرَّقُ
كَمْ مِنْ جَبَابِرَةٍ بَنَوْا أَبْرَاجَهُمْ
فَإِذَا الْمَآلُ بِهِمْ إِلَى اللَّحْدِ يَسْبِقُ
أَيْنَ الَّذِينَ تَمَلَّكُوا كَنْزَ الْوَرَى؟
أَيْنَ الَّذِينَ بَسَطُوا الْعُرُوشَ وَأُرْهِقُوا؟
أَضْحَوْا رُفَاتًا فِي التُّرَابِ كَأَنَّهُمْ
رِيحٌ سَمُومٌ هَبَتْ، وَبَعْدَ حِينٍ تَفَرَّقُوا
خُرْسٌ إِذَا نُودُوا كَأَنْ لَمْ يُسْمِعُوا
قَسَمًا بِرَبِّ الْعَرْشِ، كَانُوا يَنْطِقُوا
فَالْمَوْتُ لَا يَغْتَالُ إِلَّا سَيِّدًا
كَانَ الْحَيَاةَ، وَبِالْوُجُودِ حَمَلُوا تَعَلَّقُوا
وَالْمَرْءُ يَأْمُلُ وَاللَّيَالِي تُقَلِّبُ
وَالدَّهْرُ ذُو أَيْدٍ خَيْرٍ بِهَا يَتَصَدَّقُ
لَوْ أَنَّ لِلشَّيْبِ اعْتِرَافًا صَادِقًا
لَرَأَيْتَهُ بِالْوَاعِظِينَ يَحْكِي وَيُصَدِّقُ
أَبْكِي شَبَابِي قَبْلَ أَنْ أَفْقِدَهُ
فَإِذَا فَقَدْتُ فَلَسْتُ أَدْرِي أُشْرِقُ؟
وَدَّعْتُهَا وَالْعَيْنُ تَحْمِلُ مَاءَهَا
وَالرُّوحُ تَشْهَدُ لِلْغَرَامِ وَتُغْدِقُ
كَمْ مِنْ فَتًى قَالَ: صَبْرِي دَائِمٌ
حَتَّى إِذَا مَسَّهُ الْفِرَاقُ تَمَزَّقُوا
يَا مَنْ تَهَبُ الْجُودَ دُونَ الثَّرَى
جُدْ لِي بِفَضْلٍ مِثْلَ مَا أَنْتَ تَخْلُقُ
إِنِّي دَعَوْتُكَ لَاجِئًا، فَامْنُنْ عَلَيَّ
وَأَمْطِرْ فُؤَادِي بِالنَّدَى لَا أُغْرَقُ
هَزَّ الْفُؤَادَ مِنَ الْغَرَامِ تَدَلُّهُ
حَتَّى غَدَوْتُ، وَلَيْسَ لِي مَا يُعْتَزَقُ
نَفْسِي تُؤَجِّجُهَا اللَّوَاعِجُ حُرْقَةً
وَالشَّوْقُ نَارٌ، وَالْجَوَانِحُ تَحْتَرِقُ
أَبْكِي وَأَحْسَبُ أَنَّ دَمْعِي مُطْفِئٌ
وَالْعَيْنُ بِحَارٌ وَالْمَدَامِعُ تَغْرَقُ
كَمْ ذَا سَهِرْتُ، وَلَيْلُ وَجْدِي سَاهِرٌ
وَالصُّبْحُ يَأْبَى أَنْ يَجُودَ وَيَشْرِقُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّنِي يَوْمًا سَأَحْيَا
ضَائِعَ الْخَطَوَاتِ وَالْكَوْنُ أَطْرَقُ
شُلَّتْ يَدَايَ عَنِ الْكِتَابَةِ، غَيْرَ أَنْ
قَلَمِي بِدَمْعِي فِي الْفُؤَادِ يُحَرِّقُ
صَوْتُ الْحَنِينِ بِمُهْجَتِي مُتَأَجِّجٌ
وَسُؤَالُ أَيْنَ الْحَبِيبُ الْمُتَفَرِّقُ؟؟
لَا الطَّيْفُ يُسْعِفُنِي، وَالذِّكْرَى جَفَتْ
وَالْقَلْبُ فِي حَبْسِ الْعَذَابِ يُعَانِقُ
يَا حُبُّ مَا صَنَعَتْ يَدَاكَ بِمُهْجَتِي؟
هَلْ تُرْجِعُ الْأَيَّامَ حِينَ التَّفَارُّقُ؟
قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ وَجْدِي قَاتِلِي
حَتَّى أَتَى فَعَرَفْتُ كَيْفَ يُصَدَّقُ
أَوَاهُ إِذَا عَزَّ اللِّقَاءُ بِسِحْرِهَا وَأُغْلِقَتْ
أَبْوَابُ مَنْ أَهْوَى، فَهَلْ أَتَحَرَّقُ؟
لَوْ كَانَ لِي فِي الْأَرْضِ صَبْرٌ، مَا بَكَتْ
رُوحِي، وَمَا ظَنَّ الْعُذُولُ وَأَحْدَقُ
لَكِنَّهُ الشَّوْقُ الَّذِي مَا إِنْ بَكَى
إِلَّا وَدَمْعِي فِي الْجَوَانِحِ يُغْدِقُ
يَا زَهْرَةً نَفَحَتْ بِأَنْوَارِ جَمَالِهَا
يَا رُوحَ قَلْبِي، يَا هَوًى لَا يُبْرَقُ
إِنْ غِبْتِ عَنِّي، فَالْوُجُودُ مُجَازِفٌ
وَالْعُمْرُ دُونَ لِقَائِكِ لَا يُنْسَقُ
حُبِّي إِلَيْكِ كَمَا السَّمَاءِ بِنُورِهَا
لَا يَنْتَهِي، مَهْمَا الْغُيُومُ تُشَوِّقُ
قَدْ عِشْتُ أَهْوَى، وَالسِّنُونَ بِنُورِهَا
حَتَّى أَتَى يَوْمُ الْفِرَاقِ فَتَعَرَّقُوا
أَوَاهُ مِنْ لَيْلٍ تَسَاقَطَ نَجْمُهُ
حِينَ افْتَرَقْنَا، وَالزَّمَانُ يَتَمَزَّقُ
يَا مَنْ تُقِيمُ بِمُهْجَتِي، قُلْ لِي مَتَى
يَصْفُو الْغَرَامُ، وَيَسْتَرِيحُ الْمُشْتَقُ
يَا دُرَّةَ الْآفَاقِ، يَا بَدْرَ الدُّجَى
يَا رَوْضَةً يُنْسَى بِهَا الْهَمُّ الْمُرَهَّقُ
مَا الشَّمْسُ إِلَّا مِنْ ضِيَائِكِ شُعْلَةٌ
وَالْبَدْرُ إِلَّا مِنْ جَمَالِكِ يَشْدُو يُشَارِقُ
كُلُّ الْجَمَالِ إِذَا أَتَيْتِ اخْتَفَى
فَكَأَنَّ حُسْنَ جَمَالِ الْكَوْنِ فِيكِ مُعَلَّقُ
حَوْرَاءُ لَوْ سَجَدَتْ عُيُونُ الْعَاشِقِينَ
عَلَى خُطَاهَا، مَا رَأَيْتِهِمْ أَبَدًا تُعَاتِقُ
وَإِذَا تَنَفَّسَتِ الزُّهُورُ لَهَا، تَبَسَّمَتْ
لِعَبِيرِ خَدَّيْكِ وَالْعَبِيرُ مِسْكٌ مُوَثَّقُ
كَمْ مِنْ مُتَيَّمٍ هَامَ بِالْعَيْنَيْنِ حَتَّى
أَضْحَى بِلَيْلِ هَوَاكِ طَيْفًا مُرْهَقُ
لَا الطِّيبُ يَسْمُو لِلْعُطُورِ بِنَفْحِهَا
وَلَا الْمِسْكُ يُبْقِي حُسْنَهَا وَتُشْفِقُ
وَإِذِ ابْتَسَمْتِ، فَكُلُّ السِّحْرِ خَاضِعٌ
وَلَهَا الْبَهَاءُ سِحْرٌ، فَلَا جَلَالٌ يُسْبَقُ
كَمْ أُرْغِمَتْ أَهْوَاءُ قَوْمِي خُشَّعًا
لِنُهَى اللِّسَانِ، إِذَا هَوَاكِ مَجْدًا يُنَطَّقُ
وَإِذَا جَلَسْتِ، فَمِنْ جَلَالِكِ يَخْفُتُ
نُورُ وَهْجِ الْمَقَامِ، وَيَخْشَعُ الْمُتَسَابِقُ
إِنِّي رَأَيْتُكِ وَالْمَفَاخِرُ كُلُّهَا بِدَلَالِهَا
فِي خَطْوِكِ الْمُخْتَالِ السِّحْرُ يُنْطَقُ
وَقُلْتُ: أَنْتِ النُّورُ، بَلْ أَنْتِ اللُّجَى
وَإِذَا بَدَوْتِ، فَكُلُّ الظَّلْمَاءِ تَزْهَقُ
لَوْ أَنَّ حُسْنَكِ فِي الْكَوَاكِبِ مُورِدٌ
لَرَأَيْتِهَا عَمَّا سِوَى وَجْهِكِ تُفَارِقُ
يَا مَنْ يُنَازِعُهُ الْمُلُوكُ جَمَالَهُ
وَيَرَاهُ كُلُّ الْمُتْرَفِينَ قَبْدًا مُطَوَّقُ
يَا مَنْ تَهَادَتْ فِي جَبِينِكِ هَالَةٌ
فَكَأَنَّهَا فَجْرٌ بِغَيْمٍ يَحْنُو وَيُغْدِقُ
إِنِّي سَأَلْتُ الْمُزْنَ: مَنْ ذَا أَسْكَنَتْ
فِيهَا رُوَاءَكِ؟ قَالَ لِي: لَا أُصَدِّقُ
كُلُّ الْجَمَالِ إِلَى هَوَاكِ مُهَاجِرٌ
وَلِكُلِّ عَيْنٍ فِي ضِيَائِكِ الْمُشْرِقِ
1019
قصيدة