عدد الابيات : 75
طباعةعُوجُوا فَحَيُّوا لِدَارِ الْحُبِّ مَثْوَاهُ
هَلْ تَبْعَثُ الرِّيحُ شَيْئًا مِنْ رُؤَاهُ؟
عُوجُوا فَسَائِلُوا الدِّيَارَ بَهَاهُ
هَلْ ظَلَّ فِيهَا لِلْهَوَى مِنْ بُقَاهُ؟
عَفَتْ رُبًى كَانَ فِيهَا الْهَمُّ مُنْدَثِرًا
وَالْآنَ أَضْحَى الْهَوَى يُبْكِي زَوَايَاهُ
بَاتَتْ رُبُوعِي صَرِيعَ الشَّوْقِ مُنْطَرِحًا
لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ إِلَّا الرِّيحَ تَنْعَاهُ
تَطْوِي الرِّيَاحُ مَسَارَاتِ اللِّقَاءِ بِهَا
فَأَيْنَ عَهْدٌ بِهِ كَانَتْ هِيَ مُنَاجَاهُ؟
كَمْ كُنْتُ أَسْرِي لِتَجْلُوَ الْعَيْنُ طَلْعَتَهَا
وَالْيَوْمَ أَضْحَى الْبُكَاءُ الْعَذْبُ سَلْوَاهُ
أَبْكِي دِيَارًا وَأَبْكِي مَنْ تَسَاكَنَهَا
كَمْ هَزَّنِي الشَّوْقُ حَتَّى أَلْفَتْ جَاهُ
فَيَا رِيَاحَ النَّوَى هُبِّي بِمُعْصِفَةٍ
فَلَسْتُ أَرْجُو سِوَى لُقْيَا مُحَيَّاهُ
قَدْ كَانَ لِي فِي رُؤَاهَا الْعَيْشُ مُبْتَهِجًا
وَالْيَوْمَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الدَّمْعُ أَحْشَاهُ
بِي مَا بِهِ الْحُزْنُ مِنْ لَوْعٍ يُجَرِّعُنِي
وَهَلْ يُفِيدُ الْأَسَى إِذْ قَدْ طَغَى جَاهُ؟
نَادَيْتُهَا وَسُهَادُ اللَّيْلِ يُحْجِرُنِي
فَرَدَّ صَمْتُ الدُّجَى عَبَرَاتِ أَشْجَاهُ
يَا لَيْتَهَا قَدْ رَأَتْ حَالِي فَرَقَّ لَهَا
لَكِنَّهَا أَشْرَقَتْ وَاللَّيْلُ أَمْحَاهُ
كَمْ نَمْنَمَ النَّجْمُ أَسْمَاعِي فَأُسْكِتُهُ
وَمَا يُسَكِّنُ صَدْرًا ضَجَّ نَجْوَاهُ
نَاجَيْتُ وَجْهَ الدُّجَى وَالْبَدْرُ مُنْتَحِبٌ
وَالصُّبْحُ يَنْعَى جِرَاحِي لِمَسَاعَاهُ
تَرَكْتُ فِي الرُّوحِ طَيْفًا مِنْ تَأَلُّقِهَا
حَتَّى إِذَا الْبَيْنُ أَقْصَانِي نَسَيْتَاهُ
أَبْكِي الدِّيَارَ وَمَا تُجْدِي الْعُيُونُ دَمًا
إِلَّا كَمُزْنٍ هَطُولٍ خَانَ مُغْنَاهُ
أَسَفِي عَلَى حُسْنِهَا الْمَاضِي وَوَعْدِهِ
لَيْتَ الْمَنَايَا أَخَذْنِي دُونَ فَرْقَاهُ
أَبْصَرْتُ طَيْفَ اللِّقَاءِ الْبِيضِ يُحْرِقُنِي
حَتَّى رَأَيْتُ الْمَنَايَا تُرْتَجَى فَاهُ
فَهَلْ أَعُودُ وَأَلْقَاهَا كَمَا كُنْتُ؟
أَمْ تَذْهَبُ الرُّوحُ فِي شَوْقٍ لِمَثْوَاهُ؟
لَوْلَا الدُّمُوعُ لَمَا أَرْخَيْتُ أَسْوِرَتِي
وَلَمْ يُطِلْ قَلْبِي الْمُلْتَاعُ شَكْوَاهُ
يَا لَيْتَنِي وَهْيَ فِي النَّعْمَاءِ سَاهِرَةٌ
وَأَنَّنِي خَلْفَ أَهْدَابِ الرُّؤَى أَتَاهُ
هَلْ يَرْجِعُ الْعَهْدُ؟ هَلْ يَحْنُو الزَّمَانُ لَنَا؟
أَمْ ضَاعَ بِاللَّيْلِ حُلْمٌ مِنْ مُنَاهَاهُ؟
إِنِّي سَأَبْقَى أُرَاعِي طَيْفَهَا وَأَرَى
مَكَامِنَ النُّورِ مِنْ أَحْدَاقِ مَرْآهُ
فَإِنْ غَدَا الْبُعْدُ لَحْنًا لِنَشِيدِ جَوًى
فَكُلُّ دَمْعِي أَمَانِيَّ حِلُّ الَّتِي فَاهُ
لَيْتَ السَّمَاءَ تُنِيرُ الدَّرْبَ مَوْصِلَةً
إِلَى فُؤَادٍ بِجَوْفِ اللَّوْعَةِ أَضْنَاهُ
وَلَيْتَنِي فِي رُؤَاهَا طَيْفُ مُبْتَهِجٍ
يَسْرِي إِلَيْهَا كَمَا يَسْرِي مُنَاجَاهُ
أَمْ مَحَتْهَا الرِّيحُ مِنْ فَوْقِ تُرْبِهَا
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصْلِ فِيهَا ذُكَاهُ؟
يَا دَارُ، قَدْ جَفَّتْ دُمُوعِيَ فَوْقَهَا
فَهَلْ شَعَرَتْ مِنْ لَوْعَةٍ بِرُوَاهُ؟
أَمْسَتْ أَطْلَالُكِ مَوْحَشَةً كَمَا
سُودُ اللَّيَالِي لَا يُرَى بِسَنَايَاهُ
أَقْفَرَتِ الدَّارُ وَأَوْحَشَ رُكْنُهَا
وَتَفَرَّقَتْ عَنْ رُبْعِهَا كُلُّ أَنْدَاهُ
مَرَّتْ بِهَا رِيحُ السِّنِينَ فَأَذْهَبَتْ
آثَارَ قَوْمٍ قَدْ مَضَى دَرْبُ مَسْرَاهُ
نَادَيْتُ، يَا دَارُ أَسْمِعْنِي حَدِيثَهُمْ
لَكِنَّ صَمْتَكَ شَجَّ قَلْبِيَ أَصْدَاهُ
أَيْنَ الَّذِينَ تَحَلَّقُوا فِي رِحَابِهَا
وَأَيْنَ كَأْسُ الْوُدِّ، أَيْنَ صَوْتُ نِدَاهُ؟
كَانُوا وَكَانَ الْحُبُّ يَجْمَعُ شَمْلَهُمْ
فَانْفَرَطَ الْعِقْدُ الْجَمِيلُ ضَاعَ وَجَاهُ
كَمْ لَيْلَةٍ دَارَتْ عَلَيْنَا كُؤُوسُهَا
مِنْ وَصْلِ نُعْمَى كَانَ فِيهِ الشِّفَاهُ
وَكَمْ قَبَّلَتْ عَيْنَيْهِ فِي غَفْلَةِ الدُّجَى
فَانْتَشَى الْقَلْبُ وَغَابَ كُلُّ حِجْيَاهُ
حَتَّى إِذَا مَا الدَّهْرُ جَارَ بِعَهْدِنَا
وَأَرْسَلَ الْبَيْنُ اللَّعِينُ وَهُوَ جَنَاهُ
رَحَلُوا وَمَا أَبْقَى سِوَى الْأَسَى
وَنَارٍ بِصَدْرِي لَا يَخِفُّ جَمْرُ لَظْيَاهُ
لَا تَسْأَلِ الْعَيْنَ الْحَزِينَةَ عَنْ أَسًى
فَالدَّمْعُ فَوْقَ الْخَدِّ خَطَّ سُقْيَاهُ
أَوَ تَحْسَبُونَ الْحُبَّ يَنْسَاهُ قَلْبُنَا؟
هَيْهَاتَ، يُنْسَى الْوَصْلُ بَعْدَ لُقْيَاهُ؟
بِاللَّهِ يَا دَارَ الْهَوَى هَلْ تَذْكُرِينَ؟
أَمْ أَنَّكِ الْأُخْرَى غَدَاكِ جَفْوَاهُ؟
أَبْكِي فَتَغْلِبُنِي الْجِرَاحُ وَتَأْخُذُ الْـ
أَنْفَاسُ مِنِّي صَرْخَةً وَشَجْوَاهُ
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصَّفَاءِ تَعُودُ لِي
فَأَعِيشُ دَهْرًا لَا أُسَاءُ فَحْوَاهُ
لَا الدَّهْرُ يَنْفَعُنِي، وَلَا الْعَقْلُ يَمْضِي
مِنْ زَفْرَةِ الْوِجْدَانِ وَهُوَ هُوِيَّاهُ
سَأَظَلُّ أَبْكِي الْعُمْرَ عَلَّ بُكَائِيَ
يَوْمًا يُعِيدُ الْوَصْلَ بَعْدَ جَفْوَاهُ
هَاتِ الْحَدِيثَ عَنْ لَيَالٍ مَاضِيَةٍ
فَالْحُزْنُ حُلْوٌ وَالْهَوَى سِحْرًا أَحْيَاهُ
بِاللَّهِ، خَبِّرْنِي الْغَمَامُ إِذَا سَرَى
هَلْ مَرَّ بِالْأَرْضِ الَّتِي تَأْوَاهُ؟
أَمْ أَرْسَلَ الْأَنْسَامَ صَوْبَ رِيَاضِهَا
فَعَبِيرُهَا الْفَوَّاحُ سِحْرٌ مَا أَشْهَاهُ؟
نَامَتْ عَلَى ذَاكَ التُّرَابِ دُمُوعُنَا
وَكَأَنَّهَا فِي التُّرْبِ عَادَتْ مِيَاهَاهُ
بِاللَّهِ هَلْ عَادَ النَّسِيمُ يَضُمُّهَا؟
أَمْ أَنَّنِي وَهْمٌ أُطِيلُ حُلْمَ رُؤْيَاهُ؟
كَمْ مِنْ لَيَالٍ قَدْ سَهِرْتُ بِنُورِهَا
وَاللَّيْلُ يُلْقِي بِالسَّوَادِ ظُلْمَ رِدَاهُ؟
أَرْنُو إِلَى بَدْرِ السَّمَاءِ لَعَلَّهُ
يُلْقِي السَّلَامَ عَلَى الَّذِي أَهْوَاهُ
وَأَظَلُّ أَرْقُبُ وَجْهَهَا بَيْنَ الدُّجَى
فَإِذَا الْبَرِيقُ بِدَمْعَتِي أَغْشَيَاهُ
فَدَعُوا الْمَلَامَ فَلَسْتُ أَمْلِكُ مُهْجَتِي
قَدْ كَانَ لِي قَلْبٌ، فَصَارَ صَدَايَاهُ
وَلَوْ أَنَّنِي أَقْوَى عَلَى الصَّبْرِ سَاعَةً
مَا غَرَّدَ الدَّمْعُ الْحَزِينُ شَذَايَاهُ
فَالْعَيْنُ عَجْلَى لِلْبُكَاءِ كَأَنَّهَا
غَيْثٌ جَرَى مِنْ مُقْلَتِي وَسُقْيَاهُ
وَالْقَلْبُ مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ مُمَزَّقٌ
وَغَدَا كَهَشِيمِ الرِّيحِ بَعْدَ سَنَايَاهُ
فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ دِيَارِيَ رَوْضَةٌ
فِيهَا بَقَايَا مِنْ دُمُوعٍ تَدْنُو وَتَرَاهُ
حَتَّى الطُّيُورُ إِذَا نَظَرْتُ لِمُهْجَتِي
جَزِعَتْ وَقَالَتْ: مَا أَعَزُّ مُنَايَاهُ
لَا تَسْأَلُونِي عَنْ فُؤَادِيَ إِنَّهُ
جُرْحٌ يَئِنُّ يُنَادِي لَا تُرِيدُ شِفْيَاهُ
مَاتَ الْهَوَى فِي دَاخِلِي، لَكِنَّمَا
بَعْضُ الرَّمَادِ جَمْرٌ تُخْفِيهِ زُوَاهُ
أَوَاهُ يَا أَيَّامَ صَفْوِيَ وَالْمُنَى
هَلْ لِي بِبَعْضِ النُّورِ بَعْدَ دُجَاهُ؟
أَمْ هَلْ سَيُشْرِقُ صُبْحُ وَصْلِيَ مُشْرِقًا
يَوْمًا، وَتُجْلَى مِنْ عُيُونِيَ الْآهُ؟
وَاللَّهِ لَوْ أَفْنَى الزَّمَانُ كُؤُوسَهُ
سَأَظَلُّ أَسْكَرُ بِالْحَبِيبِ وَمَاهُ
فَالْحُبُّ نَهْرٌ لَا يَجِفُّ وَإِنَّمَا
تَفْنَى الْعُيُونُ وَيَبْقَى مُرْتَجَاهُ
يَا لَيْلُ طُلْ إِنْ كُنْتَ تَدْرِيَ حَالَنَا
فَالْبَدْرُ يَشْهَدُ وَالْأَسَى يَرْعَاهُ
كَمْ مِنْ دُمُوعٍ قَدْ سَقَتْكَ بِنُورِهَا
فَإِلَى مَتَى يَبْقَى الْأَسَى مَسْرَاهُ؟
يَا زَائِرًا فِي الْحُلْمِ لَوْ تُخْبِرُ الْهَوَى
كَيْفَ السَّبِيلُ إِذَا الْعُيُونُ تَرَآهُ؟
أَبْكِيكَ دَمْعًا قَدْ جَرَى مِنْ فُؤَادِنَا
كَالسَّيْلِ يَحْدُوهُ الْجَوَى وَيُزْهَاهُ
بِاللَّهِ يَا طَيْفَ الْحَبِيبِ تَرَحَّمَنْ
قَلْبًا رَهِينَ الْجُرْحِ مُذْ أَضْنَاهُ
فَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيَّ أَضْحَى بِحَارَةً
وَالسُّهْدُ فِي لَيْلِي يُزِيدُ بَلْوَاهُ
مَنْ لِي سِوَاكَ إِذَا الْحَنِينُ جَرَى دَمِي
وَمَنْ لِلْهَوَى إِنْ غَابَ عَنْهُ نَدْوَاهُ؟
إِنْ شِئْتَ فَاسْأَلْ يَا زَمَانُ عَنِ الَّذِي
مَا كَانَ إِلَّا فِي هَوَاكَ الْقَلْبُ فِدْوَاهُ
لَوْلَا الْجِرَاحُ لَمَا كَتَبْتُ مُعَلَّقِي
وَلَمَا سَكَبْتُ عَلَى الْقَصِيدِ دِمَاهُ
فَدَعُوا اللَّوَاعِجَ فِي فُؤَادِيَ سَاكِنًا
مَا عَادَ لِي إِلَّا الْأَسَى أُخْتُهُ وَأُخَاهُ
1280
قصيدة