عدد الابيات : 51
عُوجُوا فَسَائِلُوا الدِّيَارَ بَهَاهُ
هَلْ ظَلَّ فِيهَا لِلْهَوَى مِنْ بُقَاهُ؟
أَمْ مَحَتْهَا الرِّيحُ مِنْ فَوْقِ تُرْبِهَا
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصْلِ فِيهَا ذُكَاهُ؟
يَا دَارُ، قَدْ جَفَّتْ دُمُوعِيَ فَوْقَهَا
فَهَلْ شَعَرْتِ مِنْ لَوْعَةٍ بِرُوَاهُ؟
أَمْسَتْ أَطْلَالُكِ مَوْحَشَةً كَمَا
سُودُ اللَّيَالِي لَا يُرَى بِسَنَاهُ
أَقْفَرَتِ الدَّارُ وَأَوْحَشَ رُكْنُهَا
وَتَفَرَّقَتْ عَنْ رُبْعِهَا أَنْدَاهُ
مَرَّتْ بِهَا رِيحُ السِّنِينَ فَأَذْهَبَتْ
آثَارَ قَوْمٍ قَدْ مَضَى مَسْرَاهُ
نَادَيْتُ، يَا دَارُ أَسْمِعْنِي حَدِيثَهُمُ
لَكِنَّ صَمْتَكَ شَجَّ قَلْبِي صَدَاهُ
أَيْنَ الَّذِينَ تَحَلَّقُوا فِي رِحَابِهَا
وَأَيْنَ كَأْسُ الْوِدِّ، أَيْنَ نِدَاهُ؟
كَانُوا وَكَانَ الْحُبُّ يَجْمَعُ شَمْلَهُمْ
فَانْفَرَطَ الْعِقْدُ الْجَمِيلُ وَجَاهُ
كَمْ لَيْلَةٍ دَارَتْ عَلَيْنَا كُؤُوسُهَا
مِنْ وَصْلِ نُعْمَى كَانَ فِيهِ شِفَاهُ
وَكَمْ قَبَّلَتْ عَيْنَيْهِ فِي غَفْلَةِ الدُّجَى
فَانْتَشَى الْقَلْبُ وَغَابَ حَجَاهُ
حَتَّى إِذَا مَا الدَّهْرُ جَارَ بِعَهْدِنَا
وَأَرْسَلَ الْبَيْنُ اللَّعِينُ جَنَاهُ
رَحَلُوا وَمَا أَبْقَى الرَّحِيلُ سِوَى الْأَسَى
وَنَارٍ بِصَدْرِي لَا يَخِفُّ لَظَاهُ
لَا تَسْأَلِ الْعَيْنَ الْحَزِينَةَ عَنْ أَسًى
فَالدَّمْعُ فَوْقَ الْخَدِّ خَطَّ سُقَاهُ
أَوَتَحْسَبُونَ الْحُبَّ يَنْسَاهُ قَلْبُنَا؟
هَيْهَاتَ، يُنْسَى الْوَصْلُ بَعْدَ لِقَاهُ؟
بِاللَّهِ يَا دَارَ الْهَوَى هَلْ تَذْكُرِينَ؟
أَمْ أَنَّكِ الْأُخْرَى غَدَاكِ جَفَاهُ؟
أَبْكِي فَتَغْلِبُنِي الْجِرَاحُ وَتَأْخُذُ الْ
أَنْفَاسُ مِنِّي صَرْخَةً وَشَجَاهُ
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصَّفَاءِ تَعُودُ لِي
فَأَعِيشُ دَهْرًا لَا أُسَاءُ رُؤَاهُ
لَا الدَّهْرُ يَنْفَعُنِي، وَلَا الْعَقْلُ يَنْتَهِي
مِنْ زَفْرَةِ الْوِجْدَانِ وَهْوَ هَوَاهُ
سَأَظَلُّ أَبْكِي الْعُمْرَ عَلَّ بُكَائِيَ
يَوْمًا يُعِيدُ الْوَصْلَ بَعْدَ جَفَاهُ
هَاتِ الْحَدِيثَ عَنِ اللَّيَالِي الْمَاضِيَةِ
فَالْحُزْنُ حُلْوٌ وَالْهَوَى أَحْيَاهُ
بِاللَّهِ، خَبِّرْنِي الْغَمَامُ إِذَا سَرَى
هَلْ مَرَّ بِالْأَرْضِ الَّتِي تَأْوَاهُ؟
أَمْ أَرْسَلَ الْأَنْسَامَ صَوْبَ رِيَاضِهَا
فَعَبِيرُهَا الْفَوَّاحُ مَا أَشْهَاهُ؟
نَامَتْ عَلَى ذَاكَ التُّرَابِ دُمُوعُنَا
وَكَأَنَّهَا فِي التُّرْبِ عَادَتْ مِيَاهُ
بِاللَّهِ هَلْ عَادَ النَّسِيمُ يَضُمُّهَا؟
أَمْ أَنَّنِي وَهْمٌ أُطِيلُ رُؤَاهُ؟
كَمْ مِنْ لَيَالٍ قَدْ سَهِرْتُ بِنُورِهَا
وَاللَّيْلُ يُلْقِي بِالسَّوَادِ رِدَاهُ؟
أَرْنُو إِلَى بَدْرِ السَّمَاءِ لَعَلَّهُ
يُلْقِي السَّلَامَ عَلَى الَّتِي أَهْوَاهُ
وَأَظَلُّ أَرْقُبُ وَجْهَهَا بَيْنَ الدُّجَى
فَإِذَا الْبَرِيقُ بِدَمْعَتِي أَغْشَاهُ
فَدَعُوا الْمَلَامَ فَلَسْتُ أَمْلِكُ مُهْجَتِي
قَدْ كَانَ لِي قَلْبٌ، فَصَارَ صَدَاهُ
وَلَوْ أَنَّنِي أَقْوَى عَلَى الصَّبْرِ سَاعَةً
مَا غَرَّدَ الدَّمْعُ الْحَزِينُ شَذَاهُ
فَالْعَيْنُ عَجْلَى لِلْبُكَاءِ كَأَنَّهَا
غَيْثٌ جَرَى مِنْ مُقْلَتِي وَسَقَاهُ
وَالْقَلْبُ مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ مُمَزَّقٌ
وَغَدَا كَهَشِيمِ الرِّيحِ بَعْدَ سَنَاهُ
فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ دِيَارِيَ رَوْضَةٌ
فِيهَا بَقَايَا مِنْ دُمُوعٍ تَرَاهُ
حَتَّى الطُّيُورُ إِذَا نَظَرْتُ لِمُهْجَتِي
جَزِعَتْ وَقَالَتْ: مَا أَعَزُّ مُنَاهُ
لَا تَسْأَلُونِي عَنْ فُؤَادِيَ إِنَّهُ
جُرْحٌ يُنَادِي لَا تُرِيدُ شِفَاهُ
مَاتَ الْهَوَى فِي دَاخِلِي، لَكِنَّمَا
بَعْضُ الرَّمَادِ تُخْفِيهِ زُوَاهُ
أَوَاهُ يَا أَيَّامَ صَفْوِيَ وَالْمُنَى
هَلْ لِي بِبَعْضِ النُّورِ بَعْدَ دُجَاهُ
أَمْ هَلْ سَيُشْرِقُ صُبْحُ وَصْلِيَ مُشْرِقًا
يَوْمًا، وَتُجْلَى مِنْ عُيُونِيَ آهُ؟
وَاللَّهِ لَوْ أَفْنَى الزَّمَانُ كُؤُوسَهُ
سَأَظَلُّ أَسْكَرُ بِالْحَبِيبِ وَمَاهُ
فَالْحُبُّ نَهْرٌ لَا يَجِفُّ وَإِنَّمَا
تَفْنَى الْعُيُونُ وَيَبْقَى مُرْتَجَاهُ
يَا لَيْلُ طُلْ إِنْ كُنْتَ تَدْرِيَ حَالَنَا
فَالْبَدْرُ يَشْهَدُ وَالْأَسَى يَرْعَاهُ
كَمْ مِنْ دُمُوعٍ قَدْ سَقَتْكَ بِنُورِهَا
فَإِلَى مَتَى يَبْقَى الْأَسَى مَسْرَاهُ؟
يَا زَائِرًا فِي الْحُلْمِ لَوْ تُخْبِرُ الْهَوَى
كَيْفَ السَّبِيلُ إِذَا الْعُيُونُ تَرَاهُ؟
أَبْكِيكَ دَمْعًا قَدْ جَرَى مِنْ فُؤَادِنَا
كَالسَّيْلِ يَحْدُوهُ الْجَوَى وَيُزَاهُ
بِاللَّهِ يَا طَيْفَ الْحَبِيبِ تَرَحَّمَنْ
قَلْبًا رَهِينَ الْجُرْحِ مُذْ أَضْنَاهُ
فَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيَّ أَضْحَى بِحَارَةً
وَالسَّهْدُ فِي لَيْلِي يُزِيدُ بَلَاهُ
مَنْ لِي سِوَاكَ إِذَا الْحَنِينُ جَرَى دَمِي
وَمَنْ لِلْهَوَى إِنْ غَابَ عَنْهُ نِدَاهُ؟
إِنْ شِئْتَ فَاسْأَلْ يَا زَمَانُ عَنِ الَّذِي
مَا كَانَ إِلَّا فِي هَوَاكَ فِدَاهُ
لَوْلَا الْجِرَاحُ لَمَا كَتَبْتُ مُعَلَّقِي
وَلَمَا سَكَبْتُ عَلَى الْقَصِيدِ دِمَاهُ
فَدَعُوا اللَّوَاعِجَ فِي فُؤَادِيَ سَاكِنًا
مَا عَادَ لِي إِلَّا الْأَسَى وَأُخَاهُ
1280
قصيدة