عدد الابيات : 23
لَقَدْ تَرَكْتُ لِهَمِّ الْمَوْتِ أَجْنِحَتِي
وَسِرْتُ أَحْمِلُ آلَامِي عَلَى الْهُدُبِ
فَالْأَرْضُ ظَلْمَاءُ إِنْ غَابَتْ مَلَامِحُهُ
وَالْحُزْنُ يَسْكُنُنِي كَاللَّيْلِ فِي التَّعَبِ
لَمْ أَدْرِ مُذْ غَابَ عَنْ عَيْنِي كَيْفَ أَعْشُ
فَالْقَلْبُ يَنْبُضُ فِي أَوْهَامِ مُلْتَهِبِ
بِتُّ أُطَارِدُ فِي الدُّنْيَا ظِلَالَ هَوَى
وَفِي الْفِرَاقِ أُرَانِي كَالشَّقِيِّ الْغَرِبِ
مَاذَا أُرِيدُ مِنَ الْأَيَّامِ إِنْ فُقِدَتْ
بَسْمَتُهُ، وَكَسَا الْأَحْزَانُ مُنْقَلَبِي؟
بَكَيْتُ حَتَّى تَهَاوَى الصَّوْتُ فِي صَدْرِي
وَذُبْتُ شَوْقًا كَنَجْمٍ غَابَ فِي الشُّهُبِ
أَيْنَ الْهَنَاءُ وَقَدْ صَارَ الْوِدَادُ بَقَايَا
وَالْأَمْسُ يَجْثُو عَلَى أَبْوَابِ مُغْتَرِبِ
أَيُّ الدُّمُوعِ تُدَاوِي مَا أُكَابِدُهُ؟
وَأَيُّ أَمَلٍ لِقَلْبٍ صَارَ فِي نَصَبِ؟
يَا مَوْتُ، هَلْ أَنْتَ رَاحَةٌ لِذِي شَجَنٍ؟
أَمْ أَنْتَ بَابٌ إِلَى حُزْنٍ بِلَا سَبَبِ؟
أَنَا الَّذِي سَجَنَ الْأَوْجَاعُ مَسْكَنَهُ
وَفِيكَ أَطْلُبُ حُرِّيًّا عَلَى أَدَبِ
لَقَدْ أَطَلَّ عَلَيَّ الْمَوْتُ فِي أَلَمٍ
كَطَيْفِ نَارٍ تَهَادَى فِي لَظَى الْحَطَبِ
يُنَادِنِي فِي دُجَى الْأَيَّامِ مُنْتَحِبًا
كَأَنَّهُ الْحُزْنُ فِي أَسْمَى عُلَاهُ رَهَبِ
أَيْنَ الْحَبِيبُ الَّذِي أَفْنَيْتُ عُمْرِيَ فِي
وِصَالِهِ؟ فَأَضَعْتُ الْعُمْرَ فِي الْعَتَبِ
تَغْتَالُنِي الذِّكْرَيَاتُ الْوَحْشَ فِي أَلَمٍ
وَتَحْرِقُ الرُّوحَ بَعْدَ الْعَيْشِ فِي النَّشَبِ
لَيْتَ الْمَدَى يَجْمَعُ الْأَحْبَابَ فِي أَمَلٍ
وَيَغْسِلُ الْحُزْنَ عَنْ أَجْفَانِ مُكْتَئِبِ
لَكِنَّ دَرْبَ الْفِرَاقِ لَيْسَ يُسْعِفُنِي
وَالرُّوحُ تَرْقُصُ فِي أَوْجَاعِ مُضْطَرِبِ
يَا مَوْتُ، رِفْقًا، فَإِنَّ الْقَلْبَ فِي نَزْفٍ
وَالدَّمْعُ يَنْسَابُ كَالْأَنْهَارِ فِي لَهَبِ
إِنْ كُنْتَ تُخْفِي وَرَاءَ الظُّلْمَةِ أُمْنِيَةً
فَارْحَمْ فُؤَادًا غَرِيقًا فِي أَسَى الْعَطَبِ
قَدْ كَانَ فِي الْحُبِّ دُنْيَايَ الَّتِي اتَّسَعَتْ
وَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ فِي الدُّنْيَا كَمُحْتَجِبِ
أَشْكُو لِرَبِّي، وَمَنْ أَرْجُوهُ غَيْرُهُ؟
فَهُوَ الَّذِي لِسُرُورِ الرُّوحِ مُحْتَسَبِ
يُبَدِّلُ الْحُزْنَ فِي أَوْجَاعِهِ أَمَلًا
وَيَبْعَثُ النُّورَ فِي ظُلْمَائِهِ الْكَئِيبِ
فَيَا حَبِيبِي، إِذَا فَارَقْتَ مَسْكَنَنَا
فَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ عَيْشٍ بِلَا سَبَبِ
1280
قصيدة