عدد الابيات : 36
تَأَمَّلْتُ فِي الْأَفْلَاكِ أَسْرَارَ خَلْقِهَا
فَكَانَ لِحُسْنِكَ فِي الْخَيَالِ مَرَاجِعُ
وَمَا زَالَ قَلْبِي فِي مَدَارَاتِ حُبِّهِ
يَسِيرُ، فَإِمَّا يَسْتَقِرُّ أَوِ يَضِيعُ
سَلَوْتُ عَنْ حُبِّ الْمَغِيبِ وَإِنَّمَا
هَوَى الْفُؤَادِ يَغِيبُ فِيكَ وَيَرْجِعُ
وَكَيْفَ أَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْكَ وَلَمْ تَزَلْ
كَالشَّمْسِ تَعْلُو كُلَّ أُفْقٍ وَتَسْطَعُ
إِذَا هَمَسَتْ رُوحُ الْغَرَامِ بِآهِهَا
رَجَفَتْ قُلُوبُ الْعَاشِقِينَ وَتَخْضَعُ
يُدَاهِمُنِي طَيْفُ الْخَيَالِ فَيُطْفِئُ
نَارَ اشْتِيَاقِي ثُمَّ يُوقِدُهَا الْوَجْعُ
أُصَارِعُ أَهْوَالَ الْفِرَاقِ كَأَنَّنِي
جَبَلٌ يُعَانِدُ مَا يَفِيضُ وَيَنْدَعُ
وَيَا مَلَاكَ الْحُسْنِ لَمْ تَدْرِ أَنَّنِي
أُحْيِي لِأَجْلِ رِضَاكَ دَمْعِي وَأَدْمُعُ
تَسِيرُ بِيَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ قِيَامُهَا
فَكُلُّ جَمَالٍ فِي الْوُجُودِ لَكَ مَطْبَعُ
إِذَا عَزَّ بَحْرُ الشِّعْرِ عَنْ بَثِّ أَسْرِهِ
رَوَيْتُهُ مِنْ طَرْفِ عَيْنَيْكَ يُقْنَعُ
وَمَاذَا أَقُولُ إِذَا النُّجُومُ تَضَوَّعَتْ
شَذَاكَ، أَمِ النَّجْمُ فِي الْعُلَا يَتَصَنَّعُ
وَيَا مَلِيحَ الْوَصْلِ قَدْ ضِعْتُ فِيكَ فَلَا
سَفِينٌ يُنْجِينِي وَلَا قَلْبٌ يَخْشَعُ
إِذَا نَطَقْتَ الْحُسْنَ صِرْتُ كَمُغْرَمٍ
تَمَاهَى بِصَوْتٍ فِي الْخُلُودِ يُتَرْجَعُ
فَدَتْكَ النُّفُوسُ الْمُرْهَفَاتُ عُذُوبَةً
وَيَا شَمْعَةَ الْأَفْرَاحِ لِلشَّوْقِ تُشْرَعُ
أُطِيلُ نَظِيرِي فِيكَ حَتَّى أَرَى الْهَوَى
يُصَافِحُ رُوحِي وَالْمَدَى يَتَوَسَّعُ
وَكَمْ مِنْ عَلِيلٍ حُبُّ عَيْنَيْكَ طِبُّهُ
وَيَا نِعْمَةَ الْبَدْرِ الَّذِي لَا يُقَطَّعُ
أَرَاكَ سَمَاوِيَّ الْفَضَاءِ كَأَنَّمَا
بَرِيقُكَ بَحْرٌ أَطْلَقَ النُّورَ أَسْرَعُ
فَيَا لَيْلَ عَيْنِي أَشْعِلِ الْبَوْحَ حَتَّى
يُضَاءَ دُرُوبُ الْعَاشِقِينَ وَيُقْطَعُ
سَأَكْتُبُ فِيكَ الْحُبَّ شِعْرًا وَنَغْمَةً
لِتَحْمِلَكَ الْأَجْيَالُ مَجْدًا وَتَرْفَعُ
فَلَا تَسْأَلِ الْقَلْبَ الَّذِي فِيكَ مُغْرَمٌ
فَقَدْ جَادَ بِالرُّوحِ وَالرُّوحُ تَطَوَّعُ
وَهَا أَنْتَ تَعْلُو فِي الْقُلُوبِ كَأَنَّمَا
مَلَاكٌ أَضَاءَ الْعَالَمِينَ لِيُسْمَعُ
سَأُخَلِّدُ فِي سِفْرِ الْخَيَالِ بِذِكْرِكَ
لِتَبْقَى كَنَجْمٍ لَا يُطَاوَلُ مَوْضِعُ
وَمِنْكَ إِلَى الْحُسْنِ الْجَلِيلِ نُهَى الْمَدَى
فَيَا كُلَّ أَشْعَارِ الْمَحَبَّةِ أَسْرِعُوا
وَيَا أَيُّهَا الْعُشَّاقُ صُونُوا وِدَادَهُ
فَفِي قُرْبِهِ تَسْكِينُ جُرْحٍ مُفَزَّعُ
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعَاشِقِينَ بِعَذْلِهِمْ
يَخَافُونَ نَقْصًا، فَالْحَبِيبُ لَنَا دِرْعُ
كَأَنَّ اللَّيَالِيَ كَوْكَبٌ فِي كُفُوفِهِ
يُضِيءُ بِهِ بَدْرٌ وَيَسْكُبُهُ طَلْعُ
وَكَمْ أَحْرَقَتْنِي أَدْمُعُ الشَّوْقِ بَعْدَهُ
وَلَكِنَّ عَيْنِي لَا تَشُحُّ وَلَا تَجْزَعُ
تَسَامَى جَمَالُ الْحُسْنِ فِيهِ كَأَنَّهُ
رَبِيعٌ يُزَيِّنُهُ الْغَمَامُ الْمُرَتَّعُ
وَيَا لَحْنَ عُمْرِي، إِذَا غِبْتَ غَابَتِ
مَعَانِي الرَّجَاءِ فِي الْقُلُوبِ وَتَضَوَّعُ
سَتَحْيَا كَمَا تَحْيَا الزُّهُورُ بِعِطْرِهَا
وَيَسْكُنُ فِي طَيْفِ الْبِلَادِ لَكَ شَفْعُ
وَإِنْ كَانَ لِلْحُبِّ السَّمَاوِيِّ مَنْزِلٌ
فَمَا أَنْتَ إِلَّا طَيْفُهُ الْمُتَرَفِّعُ
أَرَاكَ جَمَالَ الْكَوْنِ كُلِّهُ مُجْتَلَى
وَمَا فِيكَ إِلَّا الْبَحْرُ وَالنَّجْمُ يَخْشَعُ
فَخُذْنِي إِلَى دُنْيَاكَ حَيْثُ جِنَانُهَا
وَلَا تَتْرُكِ الرُّوحَ تَتِيهُ وَتَضْرَعُ
سَأُودِعُ حَرْفِي فِي كِتَابِكِ سَارَةُ
لِيَحْفَظَكَ الدَّهْرُ الْوَفِيُّ وَيَرْفَعُ
فَإِنْ كَانَ لِلشِّعْرِ الْحَيَاةُ بِجُودِهِ
فَحُبُّكَ مَاءُ الْعُمْرِ، وَالْحُسْنُ مَزْرَعُ
1260
قصيدة