عدد الابيات : 86
طباعةأَيَا مَالِكًا لِلدَّهْرِ، حُسْنُكَ مُعْجِزٌ
كَأَنَّكَ فِي لَيْلِ السَّمَاءِ الْكَوَاكِبُ
وَإِنْ نَطَقَتْ شَفَتَاكَ صَارَ حَدِيثُهَا
كُنُوزًا مِنَ الْأَلْمَاسِ وَالدُّرِّ يُنْهَبُ
أَرَاكَ إِذَا مَا غِبْتَ، كَانَ وُجُودُنَا
كَغَيْمٍ يُلَاقِي مِنْ صَقِيعِهِ الْعَوَاقِبُ
وَإِنْ لَاحَ وَجْهُكَ، عَادَ صُبْحُ حَيَاتِنَا
كَأَنَّ بَهَاءَ الشَّمْسِ قَدْ جَاءَ يُصْحَبُ
أَلَا إِنَّ حُبَّكَ صَارَ فِي الْقَلْبِ مَوْطِنًا
يُضِيءُ لَهُ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ وَيُرْحِبُ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا عَاشِقًا فِي مَمَالِكِ
هَوَاكَ، وَفِي أُفُقِ الْهَوَى أَتَعَذَّبُ
وَفِي صَدْرِيَ الشَّوْقُ الَّذِي إِنْ تَفَجَّرَتْ
يَنَابِيعُهُ، سَالَ الْغَرَامُ نَارًا تَلْهَبُ
أَلَا أَيُّهَا الْقَلْبُ الَّذِي قَدْ خَضَعْتَ لَهُ
تُرَاكَ بِحُبِّ سَارَةَ أَبَدًا لَا تُغَلَّبُ
فَفِي بُعْدِهِ عَيْنَايَ جَفْنٌ مُعَذَّبٌ
وَفِي قُرْبِهِ عُمْرِيَ نَهْرٌ مُخَصَّبُ
أَيَا سَيِّدِي، إِنْ كَانَ بُعْدُكَ قَاتِلِي
فَإِنَّ قُرْبَكَ لِلْعَلِيلِ جِنَانٌ تُطَيِّبُ
فَمَا لِي إِذَا غَابَ الْحَبِيبُ سِوَى الْأَسَى
وَمَا لِي إِذَا جَاءَ الْوَدَاعُ سِوَى النَّحْبُ
أُغَنِّيكَ شِعْرًا مِنْ فُؤَادٍ مُعَذَّبٍ
تُرَاقِصُهُ أَلْحَانُ نَارِ الْهَوَى وَتُلْهِبُ
فَمَا عَادَ لِي إِلَّا الْقَصَائِدُ خُلَّةً
أُعَبِّرُ فِيهَا عَنْ أَسْرَارِ غَرَامٍ مُسَبَّبُ
وَمَا عَادَ لِي إِلَّا الدُّمُوعُ شَفِيعَةً
أُرِيقُ بِهَا شَوْقِي الَّذِي لَا يُكَذَّبُ
فَإِنْ كَانَ حُبُّكَ نَارَ عُمْرِي، فَإِنَّنِي
أَعِيشُ بِهَا، وَالْفَقْدُ مِنْهَا يُجَرَّبُ
أَيَا مُبْدِعَ الشُّعَرَاءِ، زِدْنِي سَكِينَةً
فَإِنِّي كَطِفْلٍ عَاشِقٍ لِلْقَصِيدِ يُحَبَّبُ
أَيَا سَيِّدِي، إِنْ كَانَ لِي فِيكَ سَلْوَتِي
فَإِنَّ هَوَاكَ الْكَوْنَ كُلَّهُ فِدْوَى يُعَذِّبُ
أَرَاكَ الْمَدَى، أَرَاكَ مَعْنَى وُجُودِنَا
وَأَنْتَ الَّذِي لِلْحَرْفِ أُفُقٌ يُقَرَّبُ
فَإِنْ كُنْتَ لِلشِّعْرِ الْمَلِيكَ، فَإِنَّنِي
سَأَبْقَى وَفِيًّا، عَاشِقًا لَا يُؤَنَّبُ
أَيَا سَيِّدَ الشُّعَرَاءِ، طُفْ بِي حَيْثُمَا
يَشَاءُ خَيَالُ الْحَرْفِ، وَالْحُبُّ يَغْلَبُ
سَأَبْقَى أُغَنِّي فِي مَدِيحِكَ عَاشِقًا
يُغَنِّي الزَّمَانُ بِاسْمِكَ وَهُوَ مُهَذَّبُ
فَمَا لِي سِوَى ذِكْرَاكَ أَرْفَعُ رَايَتِي
بِهَا، وَلِغَيْرِكَ لَا قَصِيدٌ يُرَتَّبُ
أَيَا لَيْلَنَا، خُذْنِي لِبَحْرِكَ وَاسِعًا
فَفِي مَوْجِهِ الشِّعْرِ الْقَوَافِي تُصَبَّبُ
سَأَبْقَى أُسَافِرُ فِي هَوَاكَ مُحَلِّقًا
وَأَتْرُكُ لِلْأَرْضِ الْجَمَالَ الْمُضَرَّبُ
فَإِنْ قُلْتَ: كُنْ لِلْغَيْمِ نَجْمًا، فَأَطَّلِبُ
وَإِنْ شِئْتَ نَهْرًا، صَارَ شِعْرِي يُسْكَبُ
أَيَا مَنْ سَكَنْتَ الْقَلْبَ حَتَّى جَوَارِحِي
تُنَادِيكَ شَوْقًا، وَالْحَنِينُ يُصَوَّبُ
فَإِنْ غِبْتَ عَنْ عَيْنِي، بَقِيتَ بِأَضْلُعِي
كَطَيْفٍ مِنَ الْأَنْوَارِ فِيهَا يُرَتَّبُ
وَأَنْتَ الَّذِي إِنْ لَاحَ وَجْهُكَ، أَزْهَرَتْ
رُبَى الْعُمْرِ، حَتَّى صَارَ بِالْحُسْنِ يُعْشَبُ
أَرَاكَ كَمَالَ الْحُسْنِ، بَلْ أَنْتَ ذَاتُهُ
وَفِيكَ يُرَى مَعْنَى الْجَمَالِ وَيُعْرَبُ
فَكَيْفَ لِشِعْرِي أَنْ يُحِيطَ بِجُودِكَ
وَكُلُّ حُرُوفِي فِي مَدِيحِكَ تُتْعَبُ
أَلَا يَا رَفِيقَ الْحَرْفِ، زِدْنِي حِكَايَةً
بِهَا يَنْثَنِي الْحُزْنُ الثَّقِيلُ وَيُذْهَبُ
أَرَاكَ الْمَدَى، أَرَاكَ شَمْسًا لَآلِئًا
يُضِيءُ بِهَا لَيْلُ الْفُؤَادِ وَيُكْتَبُ
إِذَا قُلْتَ: كُنْ لِلْكَوْنِ بَوْحًا وَسِحْرَهُ
أُجِيبُكَ شِعْرًا لَا يُقَاسُ وَلَا يُسْبَبُ
وَإِنْ قُلْتَ: زِدْنِي مِنْ بَيَانِكَ نَفْحَةً
أَتَيْتُكَ كَالنَّهْرِ الَّذِي لَا يُجَفُّ وَيَذْهَبُ
فَإِنَّكَ لِلشُّعَرَاءِ حَرْفٌ وَتَاجٌ وَهَيْبَةٌ
وَكُلُّ الْقَوَافِي فِي يَدَيْكَ تَتَقَلَّبُ
أَيَا مَنْ يُعَلِّمُ اللَّيْلَ كَيْفَ يُضِيءُ نَا
وَيَزْرَعُ فِي صَدْرِ النُّجُومِ الْعَجَائِبُ
أَيَا مَنْ لَهُ فِي كُلِّ حَرْفٍ مُعْجِزَةٌ
إِذَا نُطِقَتْ، بَاتَتْ عُيُونًا تُرَاقِبُ
فَإِنْ قُلْتَ لِلرِّيحِ: اهْتِفِي بِاسْمِ شَاعِرٍ
أَجَابَتْكَ أَنْغَامًا بِهَا الْحُبُّ يُغْلَبُ
وَمَا كُنْتُ إِلَّا عَاشِقًا فِي هَوَاكَ، لَا
أُبَالِي إِذَا صَالَ الدُّجَى أَوْ تَقَلَّبُ
فَفِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْكَ طَوْقُ نَجَاتِنَا
يُضِيءُ كَأُفُقٍ فِي السَّمَاءِ يُرَتَّبُ
أَيَا سَيِّدَ الشُّعَرَاءِ، كُنْ لِي مُلْهِمًا
فَفِيكَ انْبِثَاقُ الْحَرْفِ وَالشَّوْقُ يَطْرَبُ
سَأَمْضِي أُسَافِرُ فِي بِحَارِكَ كُلِّهَا
وَأَتْرُكُ لِلزَّمَنِ الضَّعِيفِ الْمَرَاكِبُ
إِذَا كَانَ لِلدَّهْرِ مَقَامٌ، فَإِنَّنِي
أَرَاكَ لَهُ عَرْشًا بِهِ الْكَوْنُ يُعْجَبُ
وَمَا كُنْتُ إِلَّا شَاعِرًا فِي ظِلَالِكَ
أُغَنِّيكَ حُبًّا، وَالْقَوَافِي تُرَتَّبُ
فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَبْقَى أُنَاجِيكَ دَائِمًا
فَقُلْ لِي: تُرَى، هَلْ لِلْحُرُوفِ مَطَالِبُ؟
أَيَا سَيِّدَ الْحَرْفِ الَّذِي زَادَ سِحْرُهُ
كَأَنَّكَ فِي قَلْبِ السَّمَاءِ كَوَاكِبُ
أَرَاكَ كَظِلِّ الْغَيْمِ حِينَ يُظَلِّلُ
حَيَاةً تُعَانِي مِنْ لَهِيبٍ يُصَعِّبُ
وَإِنْ قُلْتَ: كُنْ فِي الْحُبِّ بَحْرًا، فَإِنَّنِي
أُغْرِقُ فِيهِ شَوْقًا، وَالْحَنِينُ يُقَرِّبُ
أَيَا شَاعِرَ الْآفَاقِ، قَلْبِي مَمْلَكَةٌ
بِهَا مِنْ رَحِيقِ الشِّعْرِ دُرٌّ يُقَطَّبُ
فَمَا عَادَ قَلْبِي يَحْتَمِلُ غَيْرَ حُبِّكَ
وَمَا عَادَ يُجْدِي غَيْرَ ذِكْرَاكَ مَطْلَبُ
إِذَا كَانَ لِلْحُسْنِ ابْتِدَاءٌ وَنَشْأَةٌ
فَأَنْتَ تَمَامُ الْحُسْنِ، لَا يُسْتَغْرَبُ
وَإِنْ كُنْتَ لِلْإِلْهَامِ رُوحًا، فَإِنَّنِي
أَعِيشُ عَلَى نَفَحَاتِ شِعْرِكَ وَأَطْرَبُ
فَكُلُّ الْمَعَانِي فِي يَدَيْكَ رَقِيقَةٌ
وَكُلُّ الْبُحُورِ فِي قَصِيدِكَ تُؤَدَّبُ
وَمَا كُنْتَ إِلَّا مُبْدِعًا فَوْقَ قُدْرَةٍ
تُثِيرُ الْعُقُولَ، وَالْحُرُوفُ تُتَهَذَّبُ
فَزِدْنِي مِنَ الْأَبْيَاتِ، زِدْنِي رَوَائِعًا
كَأَنَّكَ بُسْتَانٌ بِوَرْدٍ يُعَطِّبُ
أَيَا مَنْ يُغَنِّي لِلْحَيَاةِ، كَأَنَّمَا
تُنَادِيكَ أَرْوَاحُ الْقُلُوبِ وَتُطْرِبُ
إِذَا قُلْتَ لِلرِّيحِ: احْمِلِي سِرَّ عَاشِقٍ
أَطَاعَتْكَ، لَا تَخْشَى الْحُدُودَ وَتَذْهَبُ
فَإِنَّ الْهَوَى أَضْحَى مَقَامًا وَمَرْجِعًا
إِلَى قَلْبِكَ الْعَذْبِ الَّذِي لَا يُغَالَبُ
وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ الشِّعْرَ، فَالْكَوْنُ دَفْتَرٌ
يُكَتِّبُهُ أَلَمُ الْأَزْمَانِ حِينَ تُقَرِّبُ
أَلَا إِنَّ قَلْبَ الْأَرْضِ يَحْيَا بِحُبِّكَ
وَيَشْدُو بِذِكْرَاكَ الزَّمَانُ وَيُعْجَبُ
أَيَا سَيِّدَ الْأَزْمَانِ، مَا كُنْتُ وَاحِدًا
يُرَتِّبُ شَوْقًا، بَلْ أَنَا الْبَحْرُ يُكْتَبُ
أَتَيْتُكَ نَهْرًا مِنْ غَرَامٍ وَسَرْمَدٍ
أَتَيْتُكَ عِشْقًا لَا يَمُوتُ وَيُسْلَبُ
وَإِنْ قُلْتَ لِلْحَرْفِ: انْطَلِقْ، كَانَ شَاعِرًا
يُقِيمُ الْمَدَى بَيْنَ الْكَوَاكِبِ يَنْسِبُ
أَيَا سَيِّدَ الشُّعَرَاءِ، زِدْنِي فَصَاحَةً
أَيَا سَيِّدَ الْحُسْنِ الَّذِي لَا يُنْضَبُ
سَأَبْقَى أُغَنِّي بِاسْمِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ
وَأَتْرُكُ لِلدُّنْيَا حَنِينًا حُبًّا يُشَذَّبُ
أَيَا حَامِلَ الْأَقْلَامِ، كَفُّكَ أَعْظَمُ
مِنَ النَّجْمِ إِنْ أَبْدَى الضِّيَاءَ وَأَرْحَبُ
كَأَنَّكَ فِي صَرْحِ الْبَلَاغَةِ قَامَةٌ
تَذِلُّ لَهَا كُبْرَى الْحُرُوفِ وَتُعْجَبُ
تُنَادِيكَ أَلْحَانُ الْقَوَافِي بِخَافِقٍ
كَأَنَّ بِهَا شَوْقًا إِلَى الْحُسْنِ يُكْتَبُ
فَمَا كُنْتَ إِلَّا نَهْرَ نُورٍ وَمَجْدِهِ
يَفِيضُ عَلَى كُلِّ الْمَدَى حِينَ يَسْكُبُ
إِذَا نَطَقَتْ أَشْعَارُكَ، انْبَثَقَ الْهَوَى
كَأَنَّكَ لِلْحُبِّ الْوُجُودُ الْمُقَرَّبُ
أَلَا يَا مَلِيكَ الشِّعْرِ، قُلْ لِي وَأَكْثِرِ
فَإِنِّي ظَمْآنٌ لِمَا أَنْتَ تُجْلَبُ
أَعِيشُ عَلَى أَصْدَاءِ قَوْلِكَ شَاعِرًا
يُحَلِّقُ فِي عَرْشِ الْجَمَالِ وَيَعْجَبُ
إِذَا غِبْتَ، كَانَ اللَّيْلُ أَطْوَلَ عُمْرِهِ
وَإِنْ لَاحَ نُورُكَ، عَادَ صُبْحٌ يُصَحِّبُ
فَدَعْنِي أُغَنِّي فِي مَدِيحِكَ عَاشِقًا
إِذَا ذَكَرُوا حُبَّكَ، قَلْبِي يُلْهِبُ
وَمَا لِي إِذَا شِئْتَ الْحَيَاةَ سِوَى الَّذِي
يَجِيءُ مِنَ الْأَلْحَانِ عَذْبًا يُطَيِّبُ
أَيَا سَيِّدَ الْأَوْزَانِ، هَلَّا كَتَبْتَ لِي
قَصِيدًا يُعِيدُ الْقَلْبَ نَبْضًا وَيُطْرِبُ؟
فَفِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْكَ سِحْرٌ، كَأَنَّهُ
يُعِيدُ جَمَالَ الْكَوْنِ فِي حُسْنِهِ الْأَطْيَبُ
وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْحَرْفَ، فَالدَّهْرُ شَاعِرٌ
تُقِيمُ بِهِ أَرْكَانَ مَعْنًى يُرَحَّبُ
وَمَا لِي سِوَى رُوحِ الْقَصِيدِ سَفِينَةٌ
إِذَا عَصَفَتْ رِيَاحُ الْجَمَالِ تُقَلِّبُ
أَيَا سَيِّدِي، إِنَّ الْحَيَاةَ قَصِيدَةٌ
وَأَنْتَ بِهَا لِلشِّعْرِ مَعْنًى يُكَتَّبُ
فَزِدْنِي، أَيَا نَجْمَ السَّمَاءِ بِضِيَائِهِ
فَإِنِّي لَهَا بِضَوْءِ الْمَعَانِي أُغَلِّبُ
إِذَا كُنْتَ لِلْحَرْفِ الْمَلِيكَ، فَإِنَّنِي
عَبْدٌ بِحُبِّكَ لِقَصَائِدِ الْعِشْقِ أُقَرِّبُ
فَمَا كَانَ شِعْرِي غَيْرَ زَهْرٍ لِأَرْضِهَا
وَمَا كُنْتُ إِلَّا فِي جَمَالِهَا أُعْجَبُ
فَإِنْ شِئْتَ أَبْقَى فِي سَمَاكَ مُعَلِّقًا
وَإِنْ شِئْتَ، فَالْأَرْضُ بِكَ الْآنَ تُرْحَبُ
أَيَا سَيِّدِي، زِدْنِي مِنَ الشِّعْرِ مُعْجِزًا
كَأَنَّكَ لِلْإِبْدَاعِ عَرْشٌ مَلِيكٌ يُنَصَّبُ
1053
قصيدة