مَنْ للقصيدةِ إنْ تعاظمَ خاطِرِي؟

وغفا الجمالُ على جفونٍ ساهِرِ

أنا لا أُجمّلُ خاطري إنْ قلتُهُ

لكنْ أُناجِي فيهِ حُلمي الوافِرِ

وأُعيدُ للعشقِ القديمِ صبابتي

وأُريقُ دمعي في اتّساقِ الشاعِرِ

وأقيسُ أعمارَ الكلامِ بجُرْحِنا

فالشعرُ عمرُ القلبِ وهو مغادر

هو زفرةُ المقهورِ حينَ سُيوفُهُ

عَزَفَتْ على وترِ القلوبِ مسافر

ما كانَ يوماً للجبانِ رسالةً

بل كانَ في نَفَسِ القويِّ الثائِرِ

هوَ صرخةُ الطفلِ الذي ما ذاقَ مِنْ

دُنيا الرخاءِ سوى جراحِ الغادِرِ

هو لحنُ أنثى أرهَقَتْها لوعةٌ

ورمتْ هواها في جَوانبِ سافِرِ

هو في ابتسامةِ أمِّنا حينَ انبرى

فجرُ الوليدِ على يديها الطاهِرِ

هو في العيونِ إذا أضاءَ نُضوجُها

وجهَ الزمانِ بوهْجِها المتناثِرِ

يا مَنْ يُقوِّمُ بالحروفِ كيانَهُ

ويشُدُّ أوتارَ الحياةِ مثابرِ

لا تجعلوا الشعرَ العظيمَ مسافةً

بينَ الشعورِ وحضرةِ المتفاخِرِ

الشعرُ إنْ لم يَحْمِلِ الإنسانَ في

شوقِ الطفولةِ فهوَ وهمُ الساهِرِ

أنا لا أُقَدِّسُ كلَّ مَنْ قد قالَهُ

لكنْ أُجِلُّ صدًى أتى من صادِرِ

مَنْ قالَ شِعرًا طاهِرًا متألِّقًا

فكأنَّهُ قد أشرَقَتْهُ منابِرِ

وكأنَّهُ في مَسجدٍ يبكي بهِ

قلبُ المصلّي بينَ ذِلٍّ حاضِرِ

وكأنَّهُ نورُ الكتابِ وسطرهِ

في ليلِنا تمضي كدربٍ ناضِرِ

الشعرُ ليسَ ترفَّهُ المتفيهِقِ الـ

غارقِ الأنا والمظهرِ المتكابِرِ

بل إنّهُ كفٌّ تَلُمُّ جراحَنا

وتضمُّنا في حضنِ صوتٍ هادِرِ

هوَ سيرةُ الإنسانِ حينَ يقوله

وحكايةُ المسحوقِ بينَ القاسِرِ

هوَ منبرُ الصدقِ العميقِ إذا بَدا

زيفُ الشعوبِ بمشهدٍ متغايرِ

هوَ عاصفٌ إنْ شاءَ يَكْشِفُ زورَهم

أو ناصحٌ في حضرةِ المتفاكِرِ

هوَ وردةٌ إنْ شاءَ يُزهِرُ ثغرَنا

أو دَمعَةٌ تَبكي جراحَ الخاسِرِ

يا مَن تظنُّ الشعرَ لَهْوًا عابرًا

اقرأْ دموعَ الحرفِ لا بالظاهِرِ

إنّي كتبتُ الشعرَ من وجدانِنا

لا من غرورِ الجاهل  المتناظِرِ

فإذا انتهى قولي، فشعري شاهدٌ

أنّي رضعتُ الصدقَ دونَ تفاخرِ