عدد الابيات : 27
جَاءَتْ كَأَنَّ اللَّيْلَ يَلْبَسُ بُرْدَةً
مِنْ وَشْيِ أَفْلَاكٍ تَسَامَتْ بِالسَّرَابِ
تَبْكِي النُّجُومُ، وَفِي خُطَاهَا رَجْفَةٌ
أَبْكَتْ جُمُودَ الصَّخْرِ فِي قَلْبِ الْغِيَابِ
يَا فَاتِنَاتِ الْحُسْنِ، كَيْفَ تَجَرَّدَتْ
مِنْكِ الْحُرُوفُ كَأَنَّهَا سِحْرُ الْعُبَابِ
لُغَتِي عَلَى شَفَتَيْكِ أَشْهَى فَاكِهَةٍ
تُغْرِي الْبَيَانَ، وَتَنْهَبُ الرُّوحَ الْمُهَابِ
أَبْنِي صُرُوحَ الْعِشْقِ فِي أَهْدَابِهَا
وَأَهِيمُ بَيْنَ ظِلَالِهَا رَغْمَ الصِّعَابِ
إِنْ قُلْتِ: "مُتْ!" خَضَعْتُ عَرْشًا بِالْهَوَى
أَوْ قُلْتِ: "عِشْ!" عِشْتُ الْمُنَى دُونَ هَيَّابِ
فَأَنَا الَّذِي خَاضَ الْعُصُورَ مُلَثَّمًا
خَدَّ الْجَمَالِ، وَأَلْهَبَ الْحُبَّ الْمُغَابِ
لَا تَسْأَلِينِي عَنْ شَقَاءِ مُتَيَّمٍ
يَرْعَى الْعَذَابَ كَأَنَّهُ لَحْنُ السَّحَابِ
أَنَا سَلِيلُ الرَّمْلِ، لَيْلٌ قَاتِمٌ
يَشْكُو انْكِسَارَ النُّورِ فِي عَيْنِ التُّرَابِ
أَصْرُخُ بِعِشْقِكِ، ثُمَّ أُخَبِّئُ لَوْعَةً
فِيهَا احْتِرَاقُ الْكَوْنِ مِنْ نَارِ الْغِيَابِ
لَا تُنْكِرِي وَجْدِي، فَفِي كَفَّيْكِ لِي
عُمْرٌ جَدِيدٌ، لَمْ يَزُرْ أَرْضَ الْخَرَابِ
يَا غَائِبَةَ الْأَسْمَاءِ، يَا سِرًّا بَدَا
أَعْلَامُهُ نُورًا بِمِنْدِيلِ الرَّحَابِ
أَنْتِ السَّمَا، وَأَنْتِ فَوْقَ مَدَى الْهَوَى
لَمْ تَبْلُغِ الْأُفُقَ الْبَعِيدَ يَدُ الْكِتَابِ
يَا مَنْ تَقُودِينَ الْجَمَالَ مُجَنَّحًا
وَيُطِيحُ فِي نَحْرِي بِرُمْحٍ مِنْ شِهَابِ
هَذِي الْقَصَائِدُ، كَيْفَ أَحْمِلُ عِبْأَهَا؟
وَهِيَ الْجِبَالُ تُعَانِقُ السَّحْبَ الْعِذَابِ
جُودِي عَلَيَّ، فَفِي رُبَاكِ مَطَارِحِي
وَهُنَاكَ أُفْنِي فِي رُؤَاكِ كُلَّ صِحَابِ
جُودِي عَلَيَّ، فَفِي ثَنَاكِ قِبْلَتِي
وَضَاعَ فِيهَا صَدَاكِ بَقَايَا شَبَابِ
يَا مَنْ إِذَا مَا كُنْتِ غَيْرِي جَنَّتِي
فَأَنَا الْجَحِيمُ، وَأَنْتِ شَمْسُ الِاكْتِئَابِ
أَهْوَاكِ، آهَاتِي كِتَابٌ نَاطِقٌ
فِيهِ الْهُمُومُ، وَحُبُّ قَلْبِي كَالضَّبَابِ
يَا رَبَّةَ الْأَلْحَانِ، قُولِي مَا أَرَى
هَلْ كَانَ عِشْقٌ فِي دَرْبِ هُدًى أَحْبَابِ
لَا تَتْرُكِينِي كَالْغَرِيبِ مُشَتَّتًا
فِي أَرْضِ عِشْقٍ لَمْ أَجِدْ فِيهَا جَوَابِ
مَا زَالَ طَيْفُكِ بِي يُلْهِبُ الْمُنَى
وَيُعِيدُ عَرْشَ الْعِشْقِ فَوْقَ التُّرَابِ
يَا مَنْ تُرْجِعِينَ السُّرَى مِثْلَ الْقَضَا
يَرْمِي الْفُؤَادَ كَأَسْهُمٍ قَدْ أَصَابِ
جُودِي عَلَى قَلْبٍ أَضَاعَ سِحْرَ عِشْقٍ
وَأَتَى إِلَيْكِ، لِعِزَّةٍ فَوْقَ الْعِتَابِ
فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حَدِيثِكِ نَغْمَةٌ
تَرْوِي السِّنِينَ كَأَنَّهَا دَمْعُ الشَّبَابِ
إِنْ كُنْتُ أَكْتُبُ فِي رِضَاكِ قَصِيدَتِي
فَأَنَا نَبِيُّ الْعِشْقِ فِي دَارِ الْحُبَابِ
جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي؟ بَلِ الْحُبُّ جَاءَ بِهَا
تُهْدِي السَّمَاءَ قَصِيدَتِي تَاجَ الشِّهَابِ
1280
قصيدة