أَيَا طَيفَ ذِكرَاكَ احْتَوَانِي بِسِحْرِهِ
فَأَوْقَدَ فِي قَلْبِي لَهِيبَ المَشَاعِرِ
إِذَا مَا تَنَفَّسَتِ الرُّبَا ذِكرَ اسمِهَا
تَرَاقَصَ فِي صَدرِي صَدَى كُلِّ شَاعِرِ
سَقَانِي الهَوَى كَأْسًا مُمَزَّقَةَ الرُّؤَى
فَذُبتُ وَلَم أَدرِ السَّبِيلَ لِمَسعَرِ
تَخَطَّيتُ آلَامِي وَكَم مِن جِرَاحِهَا
تُحَاكِينِي بِالآنَّاتِ بَينَ الضُّلُوعِ العَسَارِ
أَحِنُّ إِلَى وَجهٍ بَدَا مِثلَ قَمَرٍ
يُضِيءُ دُرُوبَ العَاشِقِينَ بِأَسرَارِ
إِذَا غِبتِ عَن قَلبِي تَكَسَّرَ نَبضُهُ
كَقِيثَارَةٍ عافَتْ أَوتَارَ أَوتَارِ
فَأَنتِ حَيَاةُ الرُّوحِ يَا مَن وَهَبتِهَا
بَرِيقًا يُجَلِّي فِي اللَّيَالِي المَغَامِرِ
وَعَهدُكِ مِيثَاقِي الَّذِي لَن أَنقُضَهُ
وَإِن غَابَ عَنِّي كُلُّ صَحبٍ وَعَاشِرِ
تَحَدَّثْتُ لِلدُّنيَا فَصَدَّتْ صَمُوتَهَا
وَلَم يَستَجِبْ غَيرُ الحَنِينِ النَّوَاطِرِ
أَعُودُ إِلَى ذِكرَاكِ عِندَ سُكُونِهَا
كَطِفلٍ إِلَى أُمٍّ تُعَانِقُ خَاطِرِ
تَخَاصَمَتِ الأَيَّامُ فِي بَوحِ سِرِّهَا
فَلَم يَبقَ غَيرُ الحُبِّ أَصدَقَ خَابِرِ
إِذَا مَا التَقَتْ عَيْنَاكِ صِرتُ أَسِيرًا
كَأَنِّي بِبَابِ السِّحرِ عَبدٌ مُكَبَّرِ
أَهِيمُ بِلَا دَربٍ وَأَنتِ دَلِيلِي
فَأَنتِ ضِيَاءُ اللَّيلِ فِي كُلِّ سَاتِرِ
وَتَسقِينَ عَطشَانًا بِفَيضِ مَوَدَّةٍ
كَغَيثٍ تَدَاعَى بِالرَّبِيعِ المَفَاخِرِ
فَيَا زَهرَةَ الأَحْلَامِ عُودِي قَرِيبَةً
لِكَي يَكتَسِي قَلبِي رِدَاءَ الأَزَاهِرِ
وَإِن جَارَتِ الأَقدَارُ فِي رَسمِ دَربِنَا
فَسَأَبقَى عَلَى العَهدِ الجَمِيلِ المُسَطَّرِ
أَرَاكِ وَإِن حَالَ الزَّمَانُ بِغَيبَةٍ
بِعَينِ خَيَالٍ لَا يُطِيقُ التَّحَاذُرِ
وَأَحمِلُ فِي صَدرِي كِتَابَكِ مُوقَفًا
تُسَطِّرُهُ الأَشوَاقُ فِي كُلِّ دَفتَرِ
أَنَا العَاشِقُ المَسكُونُ بِالوَجدِ كُلِّهِ
أَسِيرُكِ مَا دَامَ الفُؤَادُ بِمِحضَرِ
فَلَا تَسأَلِينِي عَن غَرَامٍ تَوَرَّدَتْ
بِهِ الرُّوحُ مَا بَينَ جَوًى وَمَشَاعِرِ
فَإِنْ غَابَ عَنِّي صُورَةً فَهُوَ حَاضِرٌ
بِقَلْبِي، وَمَحفُورٌ عَلَى مُهْجَةِ العُمْرِ
وَيَشْهَدُ دَمعِي أَنَّهُ كَانَ نُورَهُ
يُجَدِّدُ فِي أَيَّامِنَا بَهْجَةَ الدَّهرِ
فَإِنِّي إِذَا ذَكَّرْتُهُ هَاجَ وَجْدُنَا
وَأَطْرَبَنَا ذِكرٌ لَهُ عَاطِرُ العِطْرِ
كَأَنَّ هَوَاهُ الرُّوحُ فِي جَسَدٍ بَلَى
يُدَاوِي جُرُوحَ القَلبِ فِي مَوْقِدِ القَهرِ
فَمَا زَالَ حُبِّي لَهُ دَوحَةً سَنَتْ
غُصُونُهَا وَازْدَانَ بِالزَّهرِ وَالثَّمرِ
وَإِنْ رَاحَ عَنِّي بَاتَ فِي النَّفسِ سِرُّهُ
كَأَنَّ هَوَايَ الخَافِقَ الخَالِدَ الفِكرِ
فَأَنتَ الَّذِي أَحْيَيتَنِي بَعدَ مَيتَتِي
وَأَنتَ الَّذِي أَذكَيْتَ نُورًا عَلَى قَبرِي
وَإِنْ قِيلَ: مَا الحُبُّ المُقِيمُ بِمَهْجَةٍ؟
قُلتُ: هُوَ أَنتَ الخَالِدُ الخَالِدُ الذِّكرِ
وَإِنْ كَانَتِ الدُّنيَا تُبَاعُ بِمَالِهَا
فَحُبُّكَ عِندِي لَا يُقَايَمُ بِالفِكرِ
تَغَيَّبْتَ عَنِّي غَيرَ أَنَّكَ ثَابِتٌ
كَأَنَّكَ فِي عَينِي وَقَدْ غِبتَ عَن بَصْرِي
فَإِنِّي وَإِن طَالَتْ بِنَا العُمرُ، مَا انقَضَى
هَوَاكَ، وَمَا عَاشَ الغَرَامُ عَلَى العُسرِ
فَهَذَا هُوَ العَهدُ الَّذِي لَا يَزُولُ عَن
قُلُوبٍ غَدَتْ لِلحُبِّ مِرآةَ ذِي الأَمرِ
1557
قصيدة