الديوان » العصر الايوبي » ابن جبير الشاطبي » رأى الحزن ما عندي من الحزن والكرب

عدد الابيات : 50

طباعة

رأى الحُزنُ مَا عِندِي مِنَ الحزنِ والكَربِ

فَرُوِّعَ مِن حَالِي فَلم يَستَطِع قُربِي

وأظهَرَ عَجزاً عَن مُقَاوَمَة الأسَى

وأيقن أنَّ الخَطبَ أعظَمُ مِن خَطبي

وقال التَمِس غَيرِي لِنَفسِكَ صَاحِبا

وَقُل لِلرَّدى حَسبي بَلغت المَدى حسبي

فَقُلتُ وَهَل يَكفِينيَ الوَجدُ صَاحِبا

وكَيفَ وَمَا بي قَد تَعَدَّى إِلى صَحبي

فَلمّا انتَهَت بي شِدَّتي في مُصِيبَتي

وَبَرَّحَ بِي يَأسي رَجَعتُ إِلى رَبِّي

فاستَنشِقن رَوحَ الرِّضَى بِقضَائِهِ

فَنَادَيتُ يَا بَردَ النَّسِيمِ عَلى قلبِي

إِلى الله أشكُو بِالرَّزَايَا وَفِعلِها

فَقَدُ كَدَّرَت شِربِي وقَد رَوَّعَت سِربِي

سَلِ اللَّيلَ عَنِّي هَل أمِنتُ إِلى الكَرَى

فَكَيفَ وَأجفَانِي مَعَ النَّومِ في حَربِ

وَقَد رَقَّ لِي حَتَّى تَفَرّى أديمُهُ

وَأَقبَلَ يَبكِيني بأنجُمِهِ الشُّهبِ

لِحَالِي أبدَى الرَّعدُ أنَّةَ موجَعٍ

ولي البَرقُ شَعَّ في التَّرامي مَعَ السُّحب

وَلِي لبسَ الجوُّ الحِدَادَ بِدُجنَةٍ

وَأسبَلَ دَمعَ القَطرِ سَكباً عَلى سَكبِ

وَمِن أجلِ مَا بِي أبدَتِ الشَّمسُ بِالضُّحَى

شُحُوب ضَنًى قَبلَ الجُنوحِ إِلى الحَجبِ

عَلى وَاحِدٍ قَد كَانَ لي فَفَقَدتُهُ

عَلى غِرَّةٍ فَقدَ الجَوانِحِ لِلقَلبِ

فَحُزني عَليهِ جَاوَزَ الحَدَّ قَدرُهُ

وَلاَ حُزنَ يَعقُوبٍ وَيوسُف في الجُبِّ

وَأكثَرُ إشفاقي لأمٍّ حَزِينَةٍ

مُقسَّمَةٍ بَينَ الأسَى فِيهِ وَالحُبُّ

وأذهلَهَا عَن حَالِهَا فَرطُ وَجدِهَا

عَليهِ وَقَد يُستَسهَلُ الصَّعبُ لِلصَّعبِ

بُنَيَّ أجِبهَا فَهيَ تَدعوكَ حَسرَةً

وَأدمُعُهَا تَنهَلُّ غَرباً عَلى غَربِ

بُنَيَّ أحَقّاً صِرتَ رَهنَ يَدِ البِلى

وَنَهبَ الثَّرَى أمسيتَ يَأ لك مِن نَهبِ

بُنَيَّ عَساهَا نَومَةٌ فانتَباهَةٌ

فَكَم ذا أنادي العَينَ طالَ الكَرى تَعبي

بُنَيّ أعِرني مِن مَنامِكَ خِلسَةً

لعَلِّي أن ألقى مُنايَ مِنَ الغَيبِ

بُنَيَّ أرِحنِي بالإِجابَةِ مُخبِراً

فَقَد كُنتَ ذا رَأيٍ فَما لكَ لا تُنبي

بُنَيَّ وَفِي طَيِّ الحَشَا كُنتَ ثَاوِياً

فَكَيفَ سَخَت نَفسِي بدَفنِك في التُّربِ

فَلا غَروَ أن أضحى لكَ الغَربُ مَدفَناً

فَإنَّ مَغِيبَ الشَّمسِ وَالبَدرِ فِي الغَربِ

لقَد هَصَرَت كَفُّ المَنُونِ إِلى البِلى

قَضيبَ شَبابٍ كانَ مِن أنضَرِ القُضبِ

فَيَا غُصُناً حَقَّت أزَاهِرُ حُسنِهِ

تُحَلِّيكَ أجفَانِي بشلُؤلُؤِهَا الرَّطبِ

وَيَا أحمَدُ المَحمودُ قَد كُنتَ مُشبِهاً

بِطِيبِ الخلالِ الحُلوِ وَالبَارِدِ العَذبِ

لآلِ جُبَيرٍ فيكَ أيُّ فَجيعَةٍ

فَمَا مِنهُم مَن يَستَفِيقُ مِن الكَربِ

وَقَد كُنتَ وُسطى العِقدِ فيهم فَرُبَّما

نَقَضتَ فَصارَ العِقدُ مُنتَثِرَ الحَبِّ

وَكَم خالةٍ أمسَت عَليكَ بحالةٍ

مِنِ الحُزنِ ما تَنفَكُّ ذاهِلةَ اللُّبِّ

وَأبنَاءِ خالاتٍ تُسقِّيِهِمُ الأسَى

كُؤُوساً وَهُم حَتَّى إِلى الآن فِي الشَّربِ

وَصَاحِبَةٍ قَد كُنتَ صَبًّا بِذِكرِهَا

وَكُنتَ لهَا حِبّاً وَنَاهِيكَ مِن حِبٍّ

فَأنَّت وَهامَت فِيكِ بِالوَجدِ والأسَى

وَحُقَّ لهَا فالصَّبُّ يُفجَعُ بالصَّبِّ

وَرَاحَت بأثوَابِ الحِدَادِ وَطَالما

لها كُنتَ تَستَخفي الحَريرَ مَعَ العَصبِ

وَكَم أجنَبِيٍّ فِيك قَد بَاتَ ساهِراً

تُقَلِّبُهُ الأفكَارُ جَنباً إِلى جَنبِ

رُزِقتَ قَبُولاَ ما سَمِعتُ بِمِثلِهِ

فَهذَا عَلى هَذا بإشفاقِه يُربي

وكُنتَ وَصُولاً لِلقَرَابَةِ جَارِياً

لِمَرضَاتهِم بَراً بَرِيئاً مِنَ العُجبِ

مُجِداً إِذا كُلِّفتَ أمر مُلِمَّةٍ

مَضَيتَ مَضَاءَ السَّهمِ وَالصَّارِمِ العَضبِ

حَريصاً عَلى نَيلِ المَعالي بِهِمَّةٍ

كَسَبتَ بِها مِن ذُخرِها أفضَلَ الكَسبِ

وَكَانَت لَك الآدابُ رَوضَةَ نُزهَة

وَكُنتَ مُحِبًّا فِي مُطالَعةِ الكُتبِ

تُفَتِّقُ زَهرَ النَّثرِ في الطَّرسِ يَافِعاً

وَتَنظِمُ دُرَّ الشِّعرِ نَظماً بِلا تَعبِ

وَمَا زِلتَ بالهدِي الجَميلِ وَبِالحجا

مُعِزَّا لأهلٍ في البِعَادِ وفي القُربِ

وَزَادَ على العِشرينَ سِنُّكَ أَربَعاً

فَعَاجَلكَ الحَينُ المُقَدَّرُ بِالذَّنبِ

شَهيداً بِطاعونٍ أصابَك بَغتَةً

كَمِثلِ شَهيدِ الطَّعنِ في ساحَةِ الضَّربِ

وَكُنتَ غَرِيباً فاستَزَدتَ شَهَادةً

لأُخرَى كَبُشرَى سَيِّدِ العُجمِ وَالعُربِ

أطلتَ مَغيباً ثُمَّ جِئتَ مُوَدِّعاً

إِلى سَفَرٍ يَدنُو مُدِلاً عَلى الرَّكبِ

وَلَم أشفِ مِن لُقياكَ قَلبي فَليتَني

لِبَرحِ اشتِيَاقِي لو قَضَيتُ بِهِ نَحبِي

وَعُقبَاكَ بَعدِي كُنتُ أرجُو بَقَاءَهَا

زَمَاناً لِيَبقى مِن بَنِيكَ بِهَا عَقبِي

رَضِيتُ بِحُكمش اللهِ فينا فَإِنَّمَا

نُقِلت لِحِزبِ اللهِ بُورِكَ مِن حِزبِ

وَإنِّي لرَاضٍ عَنكَ فَابشِر وبالرِّضَا

أَرَجِّي لكَ الزُّلفَى وَمَغفِرَةَ الذَّنبِ

فَجَادَت عَلى مَثواكَ مُزنَة رَحمَةٍ

وَبَوَّاكَ الرَّحمانُ فِي المَنزِلِ الرَّحبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن جبير الشاطبي

avatar

ابن جبير الشاطبي حساب موثق

العصر الايوبي

poet-ibn-jubair-shaatibi@

98

قصيدة

2

الاقتباسات

49

متابعين

محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي، أبو الحسين. رحالة أديب. ولد في بلنسية ونزل بشاطبة. وبرع في الأدب، ونظم الشعر الرقيق، وحذق الإقراء. وأولع بالترحل والتنقل، فزار المشرق ثلاث ...

المزيد عن ابن جبير الشاطبي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة