الديوان » العصر الايوبي » ابن سناء الملك » باتت معانقتي ولكن في الكرى

عدد الابيات : 67

طباعة

باتَتْ مُعانِقَتِي ولكن في الكَرى

أَتُرى دَرَى ذاكَ الرَّقيبُ لما جَرى

ونَعم دَرى لَمَّا رأَى في بُردَتِي

ردعاً وشمَّ مِن الثِّيابِ العَنْبَرا

طيفٌ تخطَّى الهولَ حتَّى يَشْترِي

بيتَ الحَشَا وقد اشْتَرى وقد اجْتَرا

ما زارَ إِلاَّ في نَهارِ جَبينهِ

فأَقولُ سَار ولا أَقولُ له سَرى

يا عينُ صرتِ بمن حَوَيْتِ مَدينةً

ولكم مضَى زَمنٌ وأَنت من القُرى

بأَبي وأُمِّي من حَلَمْتُ بذكرها

لمّا انتبهتُ ومُذ رَقَدْتُ تَفَسَّرا

عُلِّقتها بيضاءَ سمراءَ الَّلمى

أَسمعتَ في الدُّنيا بأَبيضَ أَسْمَرا

ومِن الْعَجَائِب أَنَّ ماءَ رُضَابِها

حُلْوٌ ويخرجُ حين تبسم جَوْهَرَا

إِني لأَعْشَقُها وما أَبْصَرْتُها

فالشَّمسُ يمنعُ نورَها أَن تُبصرَا

ويَروعُني في كُلِّ وقتٍ دُرُّها

فإِذا اعتنقْنا خِفْتُ أَن يَتَنَثَّرا

أَشكو إِليها رِقَّتي لِترقَّ لِي

فتقول تطمعُ بي وأَنت كما تَرى

وإِذا بكيتُ دماً تقولُ شمتّ بِي

يومَ النَّوى فصبغتَ دمْعَك أَحْمَرا

من شاءَ يمنحها الغَرامَ فدونَه

هَذِي خَلائِقُها بتخيير الشَّرا

يا من سبى في الحسنِ عبلةَ عبدةً

رفْقاً عليَّ فليسَ قلبي عنترَا

غادَرْتَنِي والصَّيرُ مَشدودُ الوِكا

وغدرتَ بي والدَّمعُ محلولُ العُرا

وجعلتَ قلبي بالهمومِ مُزمَّلاً

إِذْ كان جَفْنُك بالفتورِ مُدثَّرا

وفتحتَ أَبواب السُّهادِ لناظري

وجعلتَ ليلي بالنجوم مُسمَّرا

فمتى أَقولُ جوانحي بك قد هَدت

فمدامِعي رجَعت عليك إِلى وَرا

لو شاءَ من ملك الشآم بسيفهِ

لأَراحَني منها بأَحسنَ مَنْظَرا

بسبيئةٍ سبت النفوسَ لأَنَّها

لم تُسبَ إِلاَّ من مَقاصِر قيصَرا

حَميتْ لها الهيجاءُ حتَّى استخرجَت

ظبياً يُدافِع عنه آسادُ الشَّرى

فإِذا انْثَنَتْ أَبصرتَ منها بانة

وإِذا رَنَت أَبصرتَ منها جُؤذُرا

وإِذا اختبرتَ فقد وجدت مؤَنثاً

وإِذا نَظرتَ فقد نَظَرت مُذكَّرَا

ويكاد يَجْحدُ خدُّها نسباً لها

إِذ لا يرى لا زال أحمر أصفر

ويعود قلبي بالمرة عامراً

إذ صَارَ قلبي بالملاَحةِ أَعْمَرَا

وأَفُكُّ عنها القيد وهو ذوائب

أعيت بكثرة شعرها أن تضفرا

وتعود في أَسرِ العِناق ومثلُها

ما كانَ إِلاَّ بالعِناق لِيُؤْسَرا

وتُبيحني مِنها الرُّضَابَ لأَنَّها

مِمَّن يدين بأَن يَحلَّ المُسْكِرَا

وأَقومُ من فَرط المسرَّة مُنِشِداً

شِعري وغَايَةُ عاشق أَن يُشعِرَا

آنستُ نارَ الخدِّ لا نارَ القِرى

وحَمِدتُ صُبحَ الثَّغرِ لا صُبحَ السُّرَى

ووصفتُ جودَ أَبي عليٍ وحده

وأَنفتُ أَن أَصِفَ الغمامَ المُمْطِرا

ذاك الكريمُ وإِن سمعت بغيرِه

خُذْ ما تراه وعَدِّ عمَّن لا تَرى

وإِذا سأَلْتَ مَنْ الكريمُ فإِنَّه

عبدُ الرَّحيم وإِنَّه مولى الوَرَى

يَخْتَارُ أَنْ يهبَ الخريدةَ كَاعِباً

والأَلْفَ أَلفاً والكلامَ مُجَوهَرا

فسوى مَنائِحه نوالٌ يُجْتَوى

وسوى مدائِحه حديثٌ يُفْتَرى

يَقرى الضيوفَ شعاعَ تبرٍ أَحمرٍ

فشعاعُ ذاك التبرِ نيرانُ القِرى

ولقد سمعتُ وما سمعتُ بواهبٍ

جلَّت مَواهبُ كَفِّه أَنْ تُشْكَرا

ولَقَد رَأَيْتُ وما رَأَيتُ كَقَادِرٍ

يسعى لخِدمَتهِ القضاءُ مُقَدَّرا

قمرٌ تُعدُّ له المَجَرَّةُ مورِداً

والأُفقُ داراً والكواكبُ معشراً

بلغ السماءَ معالياً ومكارِماً

ظهرت ويبلغُ فوق ذلك مَظْهرا

فضلَ الملوكَ فصار يُسمى فاضلاً

صَغُروا لديه فصارَ يُدعى الأَكْبَرا

ويحطُّ أَلويةَ الملوكِ وإِنَّه

متكبِّرٌ عن أَن يُرى مُتَبختِرا

فبقولِه حَدُّ الحسام مُفللاًّ

وبرأْيه خدُّ الهزَبْر مُعَفَّرا

الرأْيُ أَبيضُ واليراع مسوِّدٌ

فيقومُ في حربِ العَدوّ مُشَهَّرا

جَعلت براعتُه الكلامَ للفظه

عبداً ولكنَّا نراهُ محرَّراً

وسقى النَّدى من راحتيه يراعةً

فلِذاك أَزْهر بالبيانِ وأَثْمرا

كسر الصليبَ سميُّه من رَأيه

فَسلِ العِدى مَن كان أَصْلب مَكْسِرا

ولقد أَقرَّ اللهُ عينَ نبيِّه

بمطهِّر جعلَ الشآمَ مُطَهَّرا

ما زال أَو جعلَ الكنيسة جامِعاً

والأَنبلَ المخفوضَ مِنْها مِنْبَرا

فُتح الشآمُ به وقال زمانُه

إِن كنتَ فاتحه فلن يتَغَيَّر

الشامُ دارُك لو أَردتَ أَخَذْتَه

بالإِرْت عن آبائِكَ الشُّم الذُّرا

منه بزغْتَ فلا وكنت بدراً نيِّراً

وبه طلعتَ فكنتَ صُبحاً مُسفراً

وله ملكتَ فلا برحتَ مُملَّكاً

وبه ظَفِرتَ فلا بَرِحتَ مظفَّراً

من مُبلغٌ بَيْسان سيدةَ القرى

أَنَّ الهناءَ أَتَاكَ مِن أُمِّ القُرى

فلو استطاع البَيتُ أَرسلَ حِجرهُ

وفداً وأَرسلَ بالهناءِ المَشْعَرَا

ولقد أَعدتَ لعسقلانٍ رُوحه

ورَفَعْتَ شاهِقَه وكان مُدمَّرا

وأَدَمْتَ راحتَه فدُمْت مخلَّداً

وعمرت ساحَته فَعِشْت مُعمِّرا

كفر الشآمُ وعسقلانٌ مؤمنٌ

حاشاه وهو عرينُه أَنْ يَكْفُرا

ولكان مُؤمِنُ آلِ فرعون بهمْ

إِذْ كان يُضمر ضِدَّ ما قدْ أَظْهرا

فأَغَرْتَ مصرَ به وأَيسرُ حقِّها

أَن لا تغارَ وحقُّها أَن تَعْذِرا

فارقْتَ مصرَ وما استَحقَّت فُرقَةً

وهجرتَ مِصرَ ومثلُها لَن تُهجَرا

وتشوَّقَتْ فتذكَّرت ولقلَّما

يُغني عن المشتاقِ أَنْ يتَذَكَّرا

ما أَنتَ سيِّدُ أَهلِ مصرٍ وحدهم

بل أَنتَ سيِّدُ كلِّ من وَطِئ الثَّرى

حَسَدَت مَعالِيك الكرامُ بياسرٍ

ولطالَما حسدَ المُقِلُّ المُكْثِرا

راموا اللَّحاق به فمنهم من وَنَى

عجزاً ومنهم من جَرى فتعَثَّرا

من رام شَأْو عُلاك عاشَ مغصَّصاً

إِن عاشَ أَو إِن مات مات مُحسَّرا

الغيثُ أَنت وأَنتَ أَندى راحةً

والبدرُ أَنت وأَنتَ أَشرفُ عنصراً

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن سناء الملك

avatar

ابن سناء الملك حساب موثق

العصر الايوبي

poet-ibn-sanaa-almalk@

414

قصيدة

6

الاقتباسات

66

متابعين

هبة الله بن جعفر بن سناء الملك أبي عبد الله محمد بن هبة الله السعدي، أبو القاسم، القاضي السعيد. شاعر، من النبلاء. مصري المولد والوفاة. كان وافر الفضل، رحب النادي، ...

المزيد عن ابن سناء الملك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة