الديوان » مصر » أحمد محرم » ردوا غمراتها في الواردينا

عدد الابيات : 588

طباعة

ردوا غمراتِها في الواردينا

وسيروا في الممالكِ فاتحينا

لكم ما اسْتَعمرَ الأعداءُ منها

وما استلبتْ أكُفُّ الغاصبينا

وما مُلْكُ الهلالِ بِمُستباحٍ

وإن غَفَتِ القواضبُ عنه حينا

لها خُلُقُ الصَّواعقِ حين تُغْفِي

فما يُمْسَكْنَ حتّى يَرتمِينا

تَبيتُ على مَضاجِعها المنايا

مُولَّهةً تظنُّ بها الظنونا

تقرُّ فتفزعُ الدّنيا وتأبى

ممالِكُها الهَوادةَ والسُّكونا

وتبعثُها الوغَى فيسيلُ منها

عُبابُ الموتِ يطوي المعتدينا

يُطوِّحُ بالكتائبِ والسّرايا

ويلتهمُ المعاقلَ والحصونا

سلِ اليونانَ كيف طغَى عليهم

أما كانوا الطُّغاةَ القاهرينا

إذا طلبوا النّجاةَ تلقّفَتْهم

يدا عزريلَ في المُتلقِّفينا

يشقُّ الموجَ إن فَزِعوا إليهم

ويُزجِي من مخالبهِ سفينا

خُطوبٌ زُلزِلتْ أزميرُ منها

وزالت عن مَواقِعها أثينا

إذا ما ساقَ قُسطنطينُ جيشاً

رَمى الغازي فساق له المَنونا

وما بجنودِ قسطنطينَ نُكرٌ

إذا كرَّ الغُزاةُ مُكبِّرينا

يَردُّونَ السّيوفَ بِلا قتالٍ

ويَلْوُونَ الأعِنَّةَ مُعرِضينا

إذا نَظموا الهزائمَ أَحْسَنوها

وزَفُّوها روائعَ يزدهينا

وما تخفى فُنونُ الحربِ يوماً

على الشَّعبِ الذي وَرِثَ الفُنونا

تولَّوْا كالرّياحِ تَهُبُّ نُكْباً

وطاروا كالنَّعامِ مُشرَّدينا

تكاد الأرضُ تُنْكِرُهم إذا ما

تَولَّوْا في الأباطحِ مُدبرينا

تكاد بلادُها ترتابُ فيهم

إذا مَرُّوا بهنَّ مُدمِّرينا

فذلك بأسُهم والبأسُ عَجْزٌ

إذا رَحِمَ الضِّعافَ العاجزينا

وتِلكَ سَبِيلُهم لا عَيْبَ فيها

وإن زَهقتْ نُفوسُ اللّائمينا

ومَن زَعمَ المذابحَ مُنكَراتٍ

فقد زَعمَ الملائكَ مُجرِمينا

أَلَمْ تَسَلِ المدائنَ كيف بادت

ألم تبكِ المنازلَ إذ بُلينا

كساهُنَّ الشُّحوبَ بلىً عَبوسٌ

وكان الحُسْنُ ممّا يكتسينا

سَلِ الأطلالَ من سُفْعٍ وسُودٍ

أهنَّ إلى النَّواعِبَ ينتمينا

أُتِيحَ لهنّ من ظُلمٍ طِلاءٌ

كَلَوْنِ القارِ هُنَّ بهِ طُلينا

ديارَ عُمومتي وبلادَ قومي

متى دَرستْ رسومُكِ خبِّرينا

أثارَ عليكِ من فِيزوفَ سُخطٌ

أمِ اخترمتكِ أيدي السّاخطينا

تَفجَّر فيكِ طُوفانٌ جحيمٌ

هَوَى بكِ موجُه في المُغْرَقينا

لَئِنْ جاش العُبابُ فَذُبْتِ فيه

لقد ذَابتْ نُفوسُ السّاكنينا

جَرَيْنَ على غَوارِبه حَيارَى

دوائبَ يفترِقنَ ويلتقينا

تظلُّ النّارُ تأكلُهم أُلوفاً

وليسوا بالعُصاةِ المُذنبينا

تُصيبُ المُذعِنينَ فتحتويهمْ

وتعصِفُ في وُجوهِ الجافلينا

وتغشَى كُلَّ منزلةٍ وَمَثْوَىً

فيذهبُ كيدُها باللّاجئينا

إذا مالَ السَّبيلُ بها فَحارتْ

هَدتْها صَيْحةُ المُسْتَصرِخْينا

وناعِمةِ الشّبيبةِ ذاتِ طفلٍ

يُضيءُ وسامةً ويَرفُّ لِينا

تَلوذُ بِمهدهِ وتضمُّ مِنهُ

رياحينَ الرّياضِ إذا نَدينا

دَهاها الخطبُ أحمرَ في نُفوسٍ

لَبسْنَ الموتَ أسودَ إذ دُهينا

فعادَ الثَّدْيُ في فمهِ لهيباً

وعاد المَهْدُ في يدِها أَتونا

تثورُ فلا تُريدُ سِوَى طعامٍ

ولا يَفْنَى القِرَى في المُطعميا

تَسيلُ أكفُّهم كَرَماً وبرّاً

إذاجمدتْ أكفُّ الباخلينا

تَبارَوْا في السَّماحِ فجاوَزوهُ

وفاتوا فيه شأوَ السّابقينا

بني الإِغريقِ سُدْتُم كلَّ قومٍ

وزِدتُمْ في الكرامِ المُنعمينا

ترامى ذِكركم في كلِّ أرضٍ

فجابَ سهولَها وطوى الحَزونا

ذهبتُمْ بالصّنائعِ والأيادِي

وجاءَ الأدعياءُ مقلِّدينا

تظلُّ النارُ مِلءَ الأُفقِ تعلو

وتَقذِفُ بالحيارى الذّاهلينا

تُريد حِمَى النُّسورِ فتتَّقِيها

وتطلبُ في السَّحابِ لها وكُونا

فلولا الجوُّ يَمنعُ جانبَيْهِ

ملائكةُ السّماءِ مُرفرفينا

هَوَى القمرانِ من فَزَعٍ وألقى

حِمَى المِرِّيخِ بالمُستضعَفينا

هِضابٌ قُمْنَ من لَهَبٍ عليها

دُخانٌ كالجبالِ إذا رُئينا

بقايا الظُّلمِ من حُمْرٍ وسُودٍ

يُفارِقْنَ البلادَ وينقضينا

تَطلَّعتِ السَّماواتُ ارتْياعاً

وألقتْ نَظرةً تَصِفُ الشُّجونا

ترى الأرضينَ كيف عَنا بنوها

لآلهةٍ عليها قائمينا

فتلك قيامةُ الأحياءِ قامت

ولمّا يأتِ وعدُ السّالفينا

وتلك النّارُ تُلقِي الناسَ فيها

بأرضِ التُّركِ أيدي المُضرِمينا

رَأَوْا أن يُطفِئوا ناراً بنارٍ

فَهلْ بِرَدَتْ قلوبُ الحاقدينا

أبادت قومَنا إلا بقايا

أقاموا بالعَراءِ معذَّبينا

نُفوسٌ ما سُقِينَ به شراباً

سِوَى الأسفِ المُذيبِ ولا غُذينا

نَظَرْنَ الموتَ ثم نظرن أخرى

أَتُدركهنَّ أيدي الرّاحمينا

تضِجُّ الأُمّهاتُ مُفجَّعاتٍ

وينتحبُ البنونَ مُفجَّعينا

حنانَكَ ربَّنا ماذا لَقِينا

أَيُجزَى الصّالحونَ كما جُزِينا

أقاموها لأنفسهم شِفاءً

فما صَدقوا ولا شَفَتِ الجُنونا

لئن ظَنُّوا بجالينوسَ شرّاً

لقد عَرفوا النَّطاسيَّ الأمينا

متى يلمسْ مكانَ السُّوءِ منهم

يُمِتْهُ وينزعِ الدّاءَ الدّفينا

مَسِيحٌ من بني عُثمانَ سَمْحٌ

يُرينا الحقَّ أسطعَ واليقينا

أعزَّ اللهُ دَوْلَتَهُ وأحيا

بهِ أُممَ المشارقِ أجمعينا

وهدَّ ببأسِه أُممَاً شِداداً

نُهِيبُ بها وتأبَى أن تلينا

بَنَى هامانُها للبَغْيِ صرَحاً

تَهابُ قُواهُ أيدي الهادمينا

رمى الغازِي فَزلزلَ جانِبيْهِ

ودَمّرَ رُكنَهُ الضّخمَ المكينا

تطيرُ العاصفاتُ به شَعاعاً

وتنفضُه على الدُّنيا طحينا

ترى هَبَواتِه في كلِّ أفُقٍ

يَرُحْنَ على الجِواءِ ويغتدينا

يَرُعْنَ مسابحَ العِقبانِ فيه

ويُفزِعْنَ الغياهِبَ والدُّجونا

حَوالِكَ لو جُمِعْنَ لكُنَّ ليلاً

يخَافُ صباحُه أن يستبينا

إذا ما الظُّلمُ ذُو الزَّلزالِ أمسى

يَهُزُّ الأرضَ بالمستضعفينا

فَحسْبُ المؤمنين دِفاعُ رامٍ

يَداهُ يدا أميرِ المؤمنينا

تطلَّع والهلالُ يَميلُ غرباً

وأعلامُ الخلافةِ ينطوينا

فأشرفَ يستقيمُ على يَديْهِ

وعُدْنَ به خوافِقَ يعتلينا

يُضلِّلنَ الممالكَ شاخصاتٍ

يَصِلْنَ به الجوانحَ والعيونا

يَرُفُّ رجاؤُهنَّ على رجاء

يُناشِدُ يثربَ العهدَ المصونا

إلى الحرَميْنِ مَفزعُه وفيه

حِمَى الدُّنيا ومحيا العالمينا

بني عثمانَ مَن يَكُ ذا امتراءٍ

فإنّ نُفوسَنا لا يَمترينا

ومَن يَرْعَ الذِّمامَ لكم فَيصْدُقْ

فإنّ اللهَ مَوْلى الصَّادقينا

نَصونُ العهدَ إلا ما نسينا

وكيف يَضيعُ حقُّ اللهِ فينا

أَفي عِرض الخلافةِ وهو بَسْلٌ

تَجولُ مطامعُ المتألِّبينا

ومن أبطالِها وَهُمُ الضّواري

تَنالُ مخالبُ المُتنمِّرينا

رموا بجنودِهم من كلِّ فجٍّ

وجاءوا بالسَّفائنِ مُهطِعينا

وضجّوا بالوعيدِ دماً وناراً

وما يُغنِي ضجيجُ المُوعدينا

هو البأسُ المُصمِّمُ لا نُكوصٌ

ولو ملأوا الفِجاجَ مُناجزينا

نسوا بالدردنيلِ لهم قُبوراً

تفيضُ لها دُموعُ الذّاكرينا

ترى الأسطولَ يَفزعُ حين يمشِي

بساحتِها ويخشعُ مُستكينا

وما وادي الجحيمِ بِمُستطاعٍ

وإن عَزُبَتْ حُلومُ الغافلينا

لئن جَحدوا المصارعَ دامياتٍ

لقد شهِدتْ منايا الهالكينا

لبئس القومُ كالقُطعانِ سِيقوا

إليه وبئسَ مَرْعَى المُصطَلينا

أطاعوا الآمرين فأنزلوهم

بأرضٍ لا تُحبُّ النّازلينا

تدورُ بهم جوانبُها وتهوي

وتَصعدُ في مطارِ الصَّاعدينا

تُطارِدُهم إذا ذَهبوا شِمالاً

وتطلُبُهم إذا انقلبوا يمينا

تثور فتملأ الآفاقَ رُعباً

إذا ملأوا الفضاءَ مُحلِّقينا

إذا انطوتِ الجُنودُ بها رَمَتْها

فراعنةُ الشُّعوبِ بآخرينا

كأنّ بها إلى المُهجاتِ يَمْضِي

بها عزريلُ شوقاً أو حنينا

فما تضعُ السِّلاح وإن تشكَّى

ولا تَدَعُ النُّفوسَ وإن عَيينا

عُبابُ دَمٍ يَقِلُّ سِنينَ حُمراً

طوَى الأجيالَ فيها والقُرونا

هَوَى صَرحُ الدُّهورِ فذاب فيه

كما ذابتْ جُهودُ المُبتَنِينا

وما فَضْلُ الشُّعوبِ إذا أضاعتْ

أواخرُها تُراثَ الأوّلينا

رموا باسمِ الصّليبِ فما أصابوا

ولا وجدوا الصَّليبَ لهم مُعينا

وما يرضَى المسيحُ إذا استباحت

دمَ الضُّعفاءِ أيدي الآثمينا

ولا العذراءُ حين ترى العذارَى

جَوازعَ يَنْتَحِيْنَ ويشتكينا

رأت جللاً من الأحداثِ نُكراً

هَراقَ العينَ واعتصرَ الجبينا

رأت حُورَ الجِنانِ مُصرَّعاتٍ

يُقرِّبْن النُّفوسَ ويفتدينا

يَقُلْنَ لها حَنانَكِ أدركينا

فقد أزرى بنا ما تعلمينا

أَقَومُكِ أم ذِئابٌ عادياتٌ

وأمرُ يسوعَ أم ما تأمرينا

أقاموها على الخُلَطاءِ حرباً

تدكُّ مزاعمَ المتحضِّرينا

جنوها ظالمينَ وغاب عنها

أعزُّ أولي الحفيظةِ غائبينا

فما هابوا الفتى والشيخَ فيها

ولا رَحمِوا الرَّضيعَ ولا الجنينا

ولا تركوا بناتِكِ ناجياتٍ

ولا خَفروا ذمامَكِ مُجمِلينا

إذا ضجّ الدّمُ المُهراقُ ضَجَّتْ

شعوبُكِ رحمةً للمُهرِقينا

وتأخذنا الخطوبُ فإن صبرنا

تداعَوْا في الكنائسِ جازعينا

رمونا بالتعصُّبِ فاشْهديه

وكوني حُجّةَ المُتعصِّبينا

ذَريهم إذ عَصَوْكِ ولم يثوبوا

إلى الوَحْيِ المنزَّلِ أو ذرينا

همو جعلوا الصّليبَ أذىً وبغياً

عليكِ صلاةُ ربّكِ أنصفينا

أقلّي الهمّ واتّئدِي فإنّا

سَيُدرِكُنا غِياثُ المُنجدينا

سما الغازِي المجاهدُ في جنودٍ

لربّكِ ما لهم من غالبينا

وجاء الفتحُ أسطعَ ما يُوارَى

وطار الذُّعرُ بالمُتقهقِرينا

تمرُّ الخيلُ بالأبطالِ رَهْواً

وتمضِي في مواكبها ثَبينا

يُردِّدْنَ الصّهيلَ مُبشِّراتٍ

ويتلون الكتابَ مُبشِّرينا

مشَى جبريلُ يدعو القومَ شتّى

فَلَبُّوهُ وخَرّوا ساجدينا

ونادى القائدُ الأعلى فجاءوا

إليه مكبِّرينَ مُهلِّلينا

وهبَّ الشّعبُ ملءَ الأرضِ يجزي

يدَ الغازي ويلقى الوافدينا

مواكبُ من يَغِبْ في الدّهرِ عنها

فما شهِدَ الملوكَ مُتوَّجينا

ولا عَرفَ الهلالَ يسير فخماً

ولا نظر السُّهى يمشِي رصينا

مَشاهدُ خانتِ الأنباءُ فيها

وضاقَ بها بيانُ الواصفينا

يظلُّ الكاتبُ العربيُّ فيها

يَجورُ به لسانُ الأعجمينا

قَنعنا بالرّوايةِ وانكفأنا

نُهيبُ بقومِنا في القاعدينا

يُهيّجُنا الحديثُ وتعترينا

خيالاتٌ يَلُحنَ ويختفينا

رُبَى أزميرَ ماذا تنظرينا

وأيَّ عَطاءِ ربّكِ تشكرينا

صبرتِ على الأذى فجزاكِ نصراً

وساق إليكِ عُقبى الصّابرينا

وردَّ عليكِ قومَكِ بعد يأسٍ

فَمِنْ غادين فيكِ ورائحينا

أَتَوكِ مُسلِّمينَ فما شجاهم

سوى خَبَبِ العِداةِ مُودّعينا

تودُّ سُيوفُهم أن لو أقاموا

وإن أخذوا الأعِنَّةَ زاهدينا

بقيّةُ مُفسدينَ عَتَوْا فأمسوا

حَصيداً في المصارعِ خامدينا

رمت أيدي التَّبابِ بهم فبانوا

وما تأبَى البقيّةُ أن تَبينا

أتَوْا أزميرَ يَسْتَعلُونَ عِزَّاً

ويستبقونها مُتخايلينا

يَهُزّون السُّيوفَ بها اغتراراً

ويُزجون الجِيادَ مخدَّعينا

نَشاوَى يَحسَبون الأُسْدَ تُغضي

إذا أجَماتُها يوماً غُشينا

وأقربُ ما يكونُ الذّئبُ حَتْفاً

إذا هاجَ الضَّراغمَ مُستَهِينا

نزوها نزوةً لم يعرفوها

وكانوا قبل ذلك جاهلينا

أشادوا بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ

وصاحوا صَيْحةَ المُتَبجِّحينا

فكان حُماتُهم حرباً عليهم

وكانوا الفاتحين الكاذبينا

أتوا غَرِقينَ في صَلَفٍ وكِبرٍ

وعادوا بالهوانِ مُخيَّبينا

ألا بَعُدتْ ديارُ الظّاعنينا

ولا عطفوا الركائبَ راجعينا

تظلُّ الأرضُ تَقذِفُهم سِراعاً

فما ندري أخَلقاً أم كرينا

تطايرَ جمعُهم فَرَقاً وزالوا

عصائبَ كالجرادِ مُطرَّدينا

إذا بلغوا الدّيارَ تَجهَّمَتهُم

فساروا في البلادِ مُباعدينا

خلائقُ ما يُقاربُها حِسابٌ

وإن بَعُدَ المدى بالحاسبينا

ترامَوْا في السّفائنِ واستمرّوا

يَجوبونَ البِقاعَ مُولَّهينا

فضجَّ البحرُ من فَزَعٍ بُكاءً

وماج البَرُّ من جَزَعٍ أنينا

جنايةُ معشرٍ طلبوا مُحالاً

فَهمُّوا بالشّعوبِ مُغرِّرينا

أبادوا النّاسَ شعباً بعد شعبٍ

وقاموا في المآتمِ ساخرينا

تنفّستِ المشارقُ حين صاحوا

بأبطالِ الخلافةِ بارزينا

لَتِلكَ أحبُّ ما تَهَبُ الأمانِي

من النُّعْمَى وأبهجُ ما تُرينا

إلى أيّامنا في الدهرِ بيضاً

نَخوضُ غياهبَ الأحداثِ جُونا

وما للقومِ كالهيجاءِ وِردٌ

إذا وردوا الحُتوفَ مُسالمينا

وما في الأرضِ أعدلُ من حُسامٍ

إذا جَمحَ الهوى بالحاكمينا

وما حقُّ الحياةِ لنا بحقِّ

إذا خِفنا وعيدَ المُبطلينا

ولولا البأسُ ما وَفَتِ الأماني

ولا نَهضتْ جُدودُ العاثرينا

أَمَنْ جَعلَ الهَوانَ له حليفاً

كمن جَعلَ العَنانَ له قرينا

ولولا النّقعُ ينهضُ مُكفَهِرّاً

لما نَهضتْ عروشُ المالكينا

بني عثمانَ مَنْ يضربْ بسيفٍ

فما زلتم سُيوفَ الضّاربينا

ومن يَعبثْ به نَزَقُ الأماني

تُعِدْهُ سيوفُكم ثَبْتاً رزينا

وما لذوي الجهالةِ من عذيرٍ

إذا ركبوا الحُتوفَ مُجرِّبينا

إذا ما النُّصحُ لم يكُ ذا غناءٍ

فإنّ السّيفَ خيرُ النّاصحينا

خُلِقْتُم للجِلادِ وأرضعتكم

ثُدِيُّ الأُمّهاتِ مُدرَّبينا

وما للقومِ في الهيجاءِ كُفءٌ

إذا وُلدوا فوارسَ مُعلَمينا

سَمَوْتُم في الشُّعوبِ بِمُنجباتٍ

يَفِئْنَ إلى غَطارِفَ مُنجبينا

مُطهّرةِ البطونِ مُبارَكاتٍ

يُربِّينَ الرّجالَ مُبارَكينا

نَمْتهُنَّ المنابتُ مُمرعاتٍ

يطيبُ بها غِراسُ المُنبِتينا

فإن يَجهلْ بني عُثمانَ قومٌ

فما عرفوا الأُبوّةَ والبنينا

أولئك أفضلُ الأقوامِ خُلقاً

وأصدقُ أمّةِ الفُرقانِ دينا

يَحلّون الكِتابَ حِمَى نفوسٍ

حَلَلْنَ من السّماءِ بحيث شِينا

أهاب بهم رسولُ اللهِ هُبُّوا

فَهَبّوا بالسُّيوفِ مُجاهدينا

يُنادون الخلافةَ لا تُراعي

فلن نَرْضَى لِتاجكِ أن يهونا

إذا بات العَرينُ بغير حامٍ

ورِيعَ حِمَى الخلائفِ فاذكرينا

لكِ المهجاتُ نَبذلُها فِداءً

ولسنا في الفداءِ بمُسرِفينا

أمانةُ ربّنا صِينَتْ لدينا

وكنّا للأمانةِ حافظينا

دَعَوْتِ فأقسمَ الجيشُ اليمينا

وحسبُكِ أن يُبيدَ الظالمينا

نُجاهِدُ وَحدَنا ونراه حقّاً

وإن نكَصتْ شُعوبُ المسلمينا

ونحن القومُ لا نَخْشَى المنايا

ولا نتهيَّبُ الحربَ الزَبونا

علينا أن نُجيبَ إذا دُعينا

ونَصدُقَ في الوغى مَن يبتلينا

نذمُّ القائلين ولا حياةٌ

لمن يأبَى سبيلَ العاملينا

إذا الخطباءُ للتعليم هَبُّوا

خَطبنا بالسّيوفِ مُعلِّمينا

ونكتبُ في الملاحمِ ما أَردنا

إذا التحمتْ صُفوفُ الكاتبينا

وأضعفَ ما يكونُ القومُ جُنداً

إذا حَشدوا الصّحائفَ صائحينا

تُجادلُ بيّناتُ البأسِ عنّا

إذا ضجَّ الرّجالُ مُجادلينا

لنا الحُجَجُ التي لا رَيْبَ فيها

إذا ارتابتْ قُلوبُ المُنكِرينا

لِنصرِكَ ربَّنا خُضْنا المنايا

وفيكَ وفي رسولِكَ ما لَقينا

دَعَوْتَ إلى الجهادِ ونحن صرعَى

فما أبَتِ السُّيوفُ ولا عَصينا

نهضنا تَخذُلُ الأوصالَ منّا

مناكبُ يَسْتَقِمْنَ ويلتوينا

نَنُوءُ من الجِراحِ بما حملنا

ونمشِي للكفاحِ مُصفَّدينا

نضِجُّ مُكبِّرين إذا رَمَيْنا

ونستبِقُ الجِنانَ إذا رُمِينا

إذا لم نملأ الدُّنيا سلاماً

فلسنا للسُّيوفِ بِمُغْمِدينا

نُقاذِفُ عن ذوي الأرحامِ طُرّاً

ويقذفنا العِدى ببني أبينا

ونعلمُ أنّهم قومٌ ضِعافٌ

شَقُوا بالغاصِبينَ كما شَقِينا

يُسامُونَ الهوانَ أذىً وبغياً

ويأتون الدَنِيَّةَ صاغرينا

إذا انبعثتْ قذائفُهم غَضِبْنا

فإن بعثوا القُلوبَ لنا رضينا

تَبيتُ صُفوفُهم تهفو إلينا

وإن مَضَتِ الطّلائعُ تَتَّقِينا

يُريدونَ الحياةَ ككلِّ شعبٍ

وتقتلُهم قُوى المُستعبِدينا

أولئك قومُنا اللهمَّ فافتحْ

لنا ولقومِنا الفتحَ المُبينا

أروني سيفَ خالدةٍ وعُدُّوا

مناقبَها العُلىَ للمُعْجَبينا

أَروهُ ممالكَ الدُّنيا وقُصّوا

على الأممِ الحديثَ مُفاخِرينا

لئن جَهِلَ التفوُّقَ مُدَّعوهُ

فتلك مَراتبُ المتفوِّقينا

وما للعبقريَّةِ في سواكم

سوى الذّكرى ودعوى المُرجفينا

عَهِدنا الغِيدَ يُؤثِرن الحَشايا

ويُغْلِينَ القلائدَ والبُرينا

فما بالُ التي جَعلتْ حُلاها

حَديدَ الهندِ في المُتلَبِّبينا

رمت بالسّابحاتِ تَسُحُّ ركضاً

إلى الغَمَراتِ تَلْقَى الدَّارِعينا

تَحُطُّ قِناعَها وتخوضُ فيها

فوارسَ بالحديدِ مُقَنَّعينا

وتَلْبَسُ من دَمِ الأبطالِ مِرطاً

تَفيضُ له نُفوسُ اللّابسينا

تَزينُ جُفونَها بالنّقعِ فَرحى

إذا ما زَيَّنَ الكُحلُ الجفونا

وما تَضَعُ السّلاحَ بناتُ قومي

ولا تَدَعُ الحِمَى للواغِلينا

حرائرُ ما شُغِلْنَ بِمُستَحَبٍّ

سِوَى الشَّرفِ الرفيعِ ولا عُنينا

نَمتْهُنَّ المَناسبُ مُشرِقاتٍ

سُلِلْنَ من القواضبِ وانْتُضينا

إذا ما الخيلُ سِرْنَ نَفَرن بيضاً

يُبادرنَ الرَّعال ويَنْبرينا

يُغِرْنَ فَيَسْتلِبْنَ الجيشَ ضخماً

إذا اسْتُلِبَ العقائلُ أو سُبيِنا

فمن يَشهدْ حُماةَ الملكِ يَشهدْ

خِلالَ النّقعِ آساداً وعِينا

يُعاجِلْنَ الصُّفوفَ مُغامِراتٍ

ويغشَوْنَ الحُتوفَ مُغامِرينا

فيا لكَ سُؤْدُداً وطِرازَ مجدٍ

يَروعُ جلالُه المتأنِّقينا

تدفّقَ رَوْنَقُ الإسلامِ يسقي

جوانِبَه ويستسقِي المُتونا

وجال الوحيُ ذو الإشراقِ فيه

فسالَ على أكفِّ القابسينا

أكنتم أمةً خُلِقتْ سُيوفاً

تعالى اللهُ خيرُ الخالقينا

تَخوضُ الحربَ شُبّاناً وشِيباً

وتغشى القتلَ أبكاراً وعونا

لكم نورُ الفتوحِ يُضيءُ فيها

إذا هَزّتْهُ أيدي المِصْلَتينا

سنا عُثمانَ ذِي النُّورَيْنِ فيه

وسِرُّ اللهِ للمتوسِّمينا

طوى الأجيالَ ما واراهُ غِمدٌ

ولا عَرفَ الصياقلَ والقيونا

تجلّتْ غمرةُ اليَونانِ عنكم

وجاءت غَمرةُ المُتحالِفينا

بني عثمانَ أَعْنَقَتِ المطايا

وجَدَّ الجدُّ بالمُتردِّدينا

خُذُوا سُبلَ العُلىَ ركضاً وسيروا

مَيامينَ الرِّكابِ موفَّقينا

لَعمرُ الجامحِينَ لقد أردتم

فأَلْقوا بالأعِنَّةِ مُذعِنينا

إذا خَفضوا الجناحَ لكم رَضيتم

أعزّاءَ المعاطِسِ كابرينا

وإن طلبوا العَوانَ بعثتموها

وسِرتم باللّواءِ مُظفَّرينا

تُحبّون الهَوادةَ ما اسْتقاموا

ولستُمْ للقتالِ بكارهينا

حُماةَ المُلكِ هل للملكِ ذُخرٌ

سِوَى بأسِ الحُماةِ الباسلينا

وما تنأى فَروقُ إذا هممتم

ولا تأبى أدرنةُ أن تدينا

قبورُ الفاتحينَ تَرفُّ شوقاً

وتسألُ ما وقوفُ القادمينا

مضاجعُ للخلائفِ شيّقاتٌ

تحنُّ إلى نوازَع شيِّقينا

لكم مَقْدُونيَا شرقاً وغرباً

فَزُوروا داركم وصِلُوا القطينا

صِلوا إخوانَكم وبني أبيكم

وإن كَرِهَتْ نُفُوسُ الكاشحينا

أقاموا بالديارِ مروَّعاتٍ

يُنادون الحُماةَ مُروّعينا

ديارُ هوىً هلكن أسىً فلمّا

أَتاهُنَّ البشيرُ ضُحىً حيينا

يَكَدْنَ من الحنينِ يجِئنَ رَكباً

يُحيِّين اللواءَ ويحتفينا

مَلَلتُمْ ما يَمَضُّ الحُرَّ منهم

وما مَلّوا الدُّعابةَ والمُجونا

تَواصَوْا بالهَوادةِ وهي زُورٌ

ونادوا بالسّلامِ مُضلِّلينا

رأوا عزماً يَطُمُّ على العوادي

ويَغمرُ حِدَّةَ المُتمرِّدينا

فَباءُوا بالتي لا ظُلمَ فيها

وجاءوا بالقُضاةِ مُحكِّمينا

فما اسْطاعوا لِحُكمِ اللّيثِ رَدّاً

ولا وَجدوا لهم من ناصرينا

رَضُوا بعد التوثُّبِ واستكانوا

لأَغلبَ يَصرعُ المتوثِّبينا

تُحبّون الهَوادةَ ما اسْتقاموا

ولستُمْ للقتالِ بكارهينا

حُماةَ المُلكِ هل للملكِ ذُخرٌ

سِوَى بأسِ الحُماةِ الباسلينا

وما تنأى فَروقُ إذا هممتم

ولا تأبى أدرنةُ أن تدينا

قبورُ الفاتحينَ تَرفُّ شوقاً

وتسألُ ما وقوفُ القادمينا

مضاجعُ للخلائفِ شيّقاتٌ

تحنُّ إلى نوازَع شيِّقينا

لكم مَقْدُونيَا شرقاً وغرباً

فَزُوروا داركم وصِلُوا القطينا

صِلوا إخوانَكم وبني أبيكم

وإن كَرِهَتْ نُفُوسُ الكاشحينا

أقاموا بالديارِ مروَّعاتٍ

يُنادون الحُماةَ مُروّعينا

ديارُ هوىً هلكن أسىً فلمّا

أَتاهُنَّ البشيرُ ضُحىً حيينا

يَكَدْنَ من الحنينِ يجِئنَ رَكباً

يُحيِّين اللواءَ ويحتفينا

مَلَلتُمْ ما يَمَضُّ الحُرَّ منهم

وما مَلّوا الدُّعابةَ والمُجونا

تَواصَوْا بالهَوادةِ وهي زُورٌ

ونادوا بالسّلامِ مُضلِّلينا

رأوا عزماً يَطُمُّ على العوادي

ويَغمرُ حِدَّةَ المُتمرِّدينا

فَباءُوا بالتي لا ظُلمَ فيها

وجاءوا بالقُضاةِ مُحكِّمينا

فما اسْطاعوا لِحُكمِ اللّيثِ رَدّاً

ولا وَجدوا لهم من ناصرينا

رَضُوا بعد التوثُّبِ واستكانوا

لأَغلبَ يَصرعُ المتوثِّبينا

إذا نَفَر الحِفاظُ به تناهَوْا

يَغُضُّونَ النّواظرَ خاشعينا

يَضِنُّ بحقِّهِ والحقُّ عِرضٌ

إذا انْتهكتْهُ أيدي الطّامعينا

أصمُّ العَزْمِ ما وَجدوهُ إلا

كَرُكنِ الطَّودِ مُمتنِعاً ركينا

يُريدُ الأمرَ لا يَبغِي كفيلاً

سِوَى البأسِ الشّديدِ ولا ضمينا

أرادوا ظُلْمَنا فأبَى عليهم

وعلّمهم سجايا الأكرمينا

فعادوا بالمهانةِ في ذَويهم

وعُدنا بالكرامةِ في ذوينا

يُشاوِرُ سَيْفَه والسّيفُ أجدى

إذا لم يُجْدِ لَغْوُ القائلينا

يردُّ الذّاهلين إلى نُهاهم

ويكشِفُ حَيرْةَ المُتعسِّفينا

دَعوا أُسطولَهم فاهتاجَ ذُعراً

وبات جُنودُهم مُتفزِّعينا

لئن أخذوا السَّبيلَ إلى فَروقٍ

لقد أخذوا سبيلَ الذّاهبينا

وإن شَقُّوا الخنادِقَ في جِناقٍ

فقد شَقُّوا القُبورَ مُموِّهينا

تهلّلتِ الخلافةُ إذ نَعَوها

وجاءوها بسيفرَ وارثينا

تولَّوْا عن مغانِمها خَزَايا

وعادوا بالحقائبِ مُخْفِقينا

وما لِعُهودِ سيفَرَ من بقاءٍ

إذا دَلَفَ الكُماةُ مدجَّجينا

وما خُطَطُ الدُّهاةِ بِمُغنياتٍ

إذا خُطَطٌ بأنقرةٍ قضينا

مهبُّ الحادثاتِ إذا ترامَتْ

بها الأقدارُ حُمراً يلتظينا

يَدعْنَ رواكدَ الأقطارِ وَلْهى

وما يَدرِينَ ماذا ينتوينا

إذا بلغ المطارُ بهنّ أرضاً

بلغن من العِدَى ما يشتهينا

يَزُرْنَ مَساقِطَ الآجالِ هِيماً

يَرِدْنَ بها النّجيعَ فيرتوينا

منازل فتيةٍ فزعوا إليها

بآمالِ العُناةِ المُرهَقينا

يعدُّون الخُطى يَنْقُصْنَ حيناً

ويستوفونها مُتلفِّتينا

يخافون الكلامَ فإن تَناجَوْا

تَناجَوْا بينهم مُتخافتينا

أصابوا غِرّةً فمشوا دَبيباً

وساروا خِفيةً مُتسلِّلينا

يُهالُ الغيبُ ذو الأهوالِ منهم

بِمُستخفين فيهِ وساربينا

رأوها نكبةً هَوْجاءَ تأتِي

زَلازِلُها على المُستسلِمينا

ورُوِّعَتِ الخلافةُ في حماها

وضجَّ بنو الخلافةِ نادبينا

فباعوا اللهَ أنفسَهم وهبُّوا

كأصحابِ النبيِّ مُهاجرينا

همُ ابتدروا العَرِينَ فأنقذوهُ

وهم كانوا الحُماةَ المانعينا

سيوفُ اللهِ ليس له سواه

وراياتُ الهُداةِ المُلهَمينا

ترى القُوّادَ والوزراءَ صَرْعَى

على عاري الصَّعيدِ مُجَنْدَلينا

يُلاقون الحُتوفَ وما أساءوا

ولا كانوا الجُناةَ الخائنينا

وما من حيلةٍ في التُّركِ تُجدِي

إذا ذَعروا المقانبَ مُقدِمينا

وهل في طاقةِ القُوّادِ شيءٌ

إذا دهموا الجُيوشَ مُطوِّقينا

همُ امتلكوا النُّفوسَ فأخضعوها

وجاءوا بعد ذلك خاضعينا

وَهُمْ ساقوا الكتائبَ ثم سِيقوا

كأمثالِ العقائرِ مُوثَقينا

أَلحَّ الأُسْرُبُ المسمومُ يَفْري

جَماجِمَهم فخرُّوا هامدينا

يشقُّ لهم عُيونَ الصِّدقِ تمحو

حقائقُها ظُنونَ الزّاعمينا

ترى عُقْبَى الأذى فتفيضُ غَمّاً

وتَقذِفُ بالنُّفوسِ دَماً سخينا

تَتابعَ من يدِ الغازي عليهم

وإن قذفته أيدي القاتلينا

مُثقِّبُ كُلِّ مُعْتَصمٍ وحصنٍ

رماهم في القُبورِ مُثَقَّبينا

كذلك وَعْدُ ربِّكَ حين يأتي

ومن ذا يَعصِمُ المُسْتَهتِرينا

تَظلُّ دموعُ قُسطنطينَ تَهمِي

لِقَتلىَ بالدّماءِ مضرَّجينا

تَولَّى خَوْفَ مصرعِهِ حثيثاً

وخابتْ حِيلةُ المُتربِّصينا

يَذمُّ العرشَ والتّاجَ المُحلَّى

ويلعنُ قومَه في اللّاعنينا

يَعيبون الفِرارَ عليه ظُلماً

وأيُّ النّاسِ يُرضي العائبينا

أما كانوا حديثَ الدهرِ لولا

شرائعُه العُلىَ للهاربينا

يَجودُ بِعرضِه ويَصونُ منهم

بقايا العارِ للمُستهزئينا

لئن جَحدوا مناقِبَهُ وكانوا

يُقيمون المواكبَ شاكرينا

فما جحدت بلاريسا الرَّوابِي

ولا الشُّمُّ الفوارعُ من ملونا

إذا جَدَّ النِّزالُ ارْتَدَّ يعدو

وأقبلَ بالفوارسِ راكضينا

فجاءوا بالنُّفوسِ مُحصَّناتٍ

وقَرُّوا في البُيوتِ مُعسكرينا

فوارسُ لا يَروْنَ الجُبنَ عاراً

إذا غنِموا النُّفوسَ مُتارِكينا

فما تَجنيِ هزائمهُم عليهم

وإن زانتْ سُيوفَ الهازمينا

ولا تمضي مَغانمُهم إذا ما

مَضتْ أسلابُهم في الغانمينا

أقُسطنطينُ مُتَّ وما أرانا

على حُبِّ البقاءِ بخالدينا

كفى بالموتِ صَحْواً للسُّكارَى

وشكراً للصُّحاةِ المُدركينا

لعلّكَ كُنتَ تَطمعُ في حياةٍ

يَسرُّكَ طولُها في المُنظَرينا

ولو أُوتِيتَ سؤلكَ لم تَنَلْها

مطامعَ تصرعُ المُتطاولينا

بنو عثمانَ أحداثُ الليالي

ومُلْكُ التُّركِ دَهرُ الدّاهرينا

يَزولُ القومُ بعدكَ من مَوالٍ

وأحلافٍ وليسوا زائلينا

فإن تكُ قد سَبَقْتَ ذَوِيكَ فَرداً

فموعدُهم غداً في اللّاحقينا

حُماةَ الشّرقِ بُورِكَتِ المواضِي

وطُوبَى للحُماةِ الذّائدينا

أقمتم للأُلى ظلموا وجاروا

مآتِمَ تملأُ الدُّنيا رَنينا

وصُنْتُم مَجدَكم عن كلِّ عادٍ

بكلِّ غَضَنْفَرٍ يحمِي العَرينا

أرادوا شَأوَهُ العالي فكنتم

مَوالِيَهم وكانوا الأسفلينا

لكم نَصرُ الأُلى في يومِ بدرٍ

أُمِدُّوا بالملائكِ مُردِفينا

مَضَى الحكمُ الذي قضتِ المواضي

فَتِلكَ مَصارعُ المُتجبِّرينا

سَلوا أممَ المشارقِ ما دَهاها

وكونوا للمشارقِ مُنقِذينا

تُؤَمِّلُ أن يُصانَ بكم حِماها

ويُوشِكُ ما تُؤمِّلُ أن يكونا

هو الميثاقُ ذُو الحُرُماتِ لَسْتُمْ

طِوالَ الدّهر عنه بحائدينا

تنزَّلَ من بقايا الوَحْيِ نُوراً

يُضيءُ النَّهجَ للمُترسِّمينا

وما نَفَعَ النُّفوسَ ولا هَداها

كنُورِ الله خيرِ المُنزِلينا

أَرونا البطشةَ الكبرى سِراعاً

فإنّ لكم لَبطشُ القادرينا

هُمُ اتخذوا الشُّعوبَ لهم عَبيداً

وعاثوا في الممالكِ مُفسِدينا

أقيموا الحقَّ ليس له سواكم

وَسُوسوا النَّاسَ أجمعَ والشُّؤونا

فذلك عَهدُكم للهِ فيهِ

وللمختارِ عَهْدُ الرّاشدينا

قَضيتُمْ بالكِتابِ فهل رأيتم

كآيات الكتابِ حِمىً حصينا

وهل نَفذتْ قُوى الطَّاغين فيه

ونالت منه أيدي الماكرينا

أَحِصْنَ اللهِ يُوعِدُ كلُّ رامٍ

ويطمعُ أن يكونَ له مُهينا

وما زَجرَ الحُصونَ الشُّمَّ إلا

حَففْنَ به يَطُفْنَ ويحتمينا

سبيلُ المجدِ إيمانٌ وحقٌّ

وسَيْفٌ يَردعُ المُتهجِّمينا

يَعِفُّ عن المظالمِ والدَّنايا

ويرفُقُ بالضِّعافِ الوادعينا

ويَجتنبُ المناهِلَ مُتْرعاتٍ

تَطيبُ نِطافُها للنّاهلينا

يرى حَرَّ الغليلِ وإن تمادَى

أحبَّ مَواردِ المُتعَفِّفينا

تَهيَّبَ رَبَّهُ فازدادَ مجداً

وكان بكلِّ مَكْرُمةٍ قمينا

يُشيرُ فتفزعُ الغَبراءُ منه

ويَفزعُ من شَكاةِ العاتبينا

ويُوهِنُ حادثاتِ الدَّهرِ رُعباً

ويخشَى أن يُصيبَ الواهنينا

سِلاحُ الحقِّ يقطعُ كلَّ عَضْبٍ

ويَصدعُ قُوّةَ المُتهوِّرينا

وما الإِيمانُ للأقوامِ إلا

سبيلُ اللهِ يَهدي السّالكينا

إذا لم يَرْفَعِ البُنيانَ عدلٌ

هَوَتْ جَنبَاتُه بالرّافعينا

وإن ضاعَ التعاونُ في أُناسٍ

عَفتْ آثارُهم في الضّائعينا

بني عثمانَ رَدَّ اللهُ فيكم

خلائفَه وأحيا التّابعينا

فذلك عهدهم لا الأمرُ فَوْضَى

ولا الدُّنيا بأيدي اللّاعبينا

وتلك شرائعُ الإسلامِ عادت

تجبُّ شرائعَ المُسْتَعمرينا

رَفعتُمْ من حضارتِهِ مَناراً

يَفيضُ شُعاعُه للمُدْلجِينا

فأين السُّبلُ بالرُّكبانِ حَيْرَى

وأين حَضارةُ المتوحِّشينا

أبالتاجِ المُعظَّمِ كلَّ يومٍ

يُراءون الممالكَ مُقسِمينا

وما للتّاجِ في الدُّنيا قَرارٌ

إذا صَدقَ الأُلى عقدوا اليمينا

يُكفِّرُ من كبائِرهم ويعفو

وإن أبَوا الإِنابةَ عامدينا

يرى المُستغفرِينَ أشدَّ ذنباً

ويجعلُ رِجزَهُ للتّائبينا

هو الإلحادُ إن جنحوا إليه

فقد علموا جَزاءَ المُلحِدينا

ولن ترضى الجلالةُ عن أناسٍ

تراهم في الضّلالةِ سادرينا

تهين الأَنبياءَ إذا استباحوا

محارمَها وتنفِي المُرسَلينا

لها في كلِّ مملكةٍ وشعبٍ

شرائعُ تُعجب المتعبِّدينا

إذا حُمِلَتْ إليها الشّمسُ غُنماً

فلا طَلعتْ على المتذمِّرينا

ترى الدُّنيا لها مُلكاً مُباحاً

ومن فيها عِباداً طائعينا

عُروشُ الأرضِ إرثٌ في يَدَيها

وتيجانُ الملوكِ الأقدمينا

تَروعُ بعرشِ عُثمانَ الدَّراري

وتستهوِي الشُّموس بتاجِ مينا

كذلك تَخدعُ القومَ الأماني

وتكذبُ تُرّهاتِ المدّعينا

أرادوا بالخلافةِ ما أرادوا

ورَدُّوا المُسلمينَ مُمزَّقينا

يُقيمون الممالكَ واهياتٍ

يَمِلْنَ مع الرّياحِ ويَنْثَنينا

بَنوها أربعاً ولوِ استطاعوا

لشقّوها ممالكَ أربعينا

يَدبُّون الضَراءَ لنا وما هم

وإن خَدعوا الصِّغارَ بضائرينا

إذا دَأبَ القضاءُ يُريد أمراً

تقاصرَ عنه سَعْيُ الدّائبينا

تكشّفتِ الأُمورُ لنا فلسنا

عن السّنَنِ السَّوِيِّ بناكبينا

وفي لوزانَ إذ فَزعوا إليها

وجاءوا بالوُفودِ مُكاثرينا

رأوا ناراً يَطيرُ لها شُواظٌ

تطيرُ له نُفوسُ المُوقِدينا

إذا هاجوا الأسودَ فأفزعوهم

أهابوا بالممالكِ غاضبينا

وقالوا أُمّةٌ سَكْرَى وشعبٌ

يُريد بنا الهَوانَ ويزدرينا

يرى الدُّنيا العريضةَ في يَدَيْهِ

ويَعتدُّ الشُّعوبَ له قطينا

لَعمرُ الكاشِحينَ لقد رَجَعنا

على الأمرِ المدبَّرِ مُجمِعينا

فيا لكِ صخرةً صمّاءَ تأبى

جَوانبُها على المُتمَرِّسينا

تَمادَوْا في الوعيد وسيَّروها

دَعاوَى تُضحِكُ المتأمِّلينا

فما سَمِعَ الأُسودُ لهم عُواءً

ولا خافَ الذُّبابُ لهم طنينا

يَسدُّ وَقَارُ عِصْمَتَ مَسْمَعَيِهِ

إذا عَكَفوا عليه مُهوِّلينا

إذا ما الصَّمتُ أعجبه تولَّى

به صَلَفٌ يَهولُ السّائلينا

فلا صَيحاتُ فنزيلوس تُجدِي

ولا كِرزونُ يطمع أن يُبينا

أَتَوا مُتفائِلينَ لهم ضَجيجٌ

فَردَّ جموعَهم مُتطيِّرينا

إذا راضوه أعجزهم شِماسٌ

يُطيلُ ضَراعةَ المتكبِّرينا

أما والرّاقصاتِ لقد طربنا

لأنباءِ الحُماةِ الرّاقصينا

أساطينُ الممالكِ حيث كانوا

وساداتُ الشُّعوبِ البائسينا

شرائعُ للحضارةِ نَزدريها

وإن فُتِنَ الغُواةُ بها فُتونا

إذا شَرِبوا الكُؤوسَ رَمَى إليهم

بكأسٍ مُرَّةٍ للشّاربينا

وإن شَدَتِ القِيانُ أجال صوتاً

يشُقُّ مرائرَ المُتطرِّبينا

مَقاوِمُ تتركُ الألبابَ حَيْرَى

وتُعجِزُ حِيلةَ المُتحيِّلينا

تَبسّمَ ضاحكاً والأرضُ تعلو

وتَسفُلُ بالدُّهاةِ العابسينا

فقالوا حادثٌ جَللٌ وخطبٌ

يُنازِعنا القرارَ ويزدهينا

وطار البرقُ يُنبِئُ كلَّ شعبٍ

ويخشى أن يَزِلَّ وأن يَمينا

يَجوبُ الأرضَ مُرتاباً مَرُوعاً

ويلقى النّاسَ مُتَّهماً ظنينا

وحسُبك رَوْعَةً نظراتُ عينٍ

ترى عِزريلَ بين الضّاحكينا

سعوا بالرُّوسِ يلتمسون أمراً

ومَن ذا يتبع الرّأيَ الغبينا

أرادوا بالنّمائمِ أن يَؤُوبوا

بأسلابِ الضّراغمِ فائزينا

فما ملكوا لِعصمتَ من قِيادٍ

ولا مَلكَ الدُّهاةُ تشتشرينا

همُ الأحلافُ نَقبلُ ما رضوه

ونَنقمُ ما أبَوْا في النّاقمينا

تولّى مُلكُ قيصرَ والتقينا

على أطلالهِ مُتأنِّقينا

هي الدُّنيا الجديدةُ نرتضيها

على العهدِ الجديدِ وتَرتضينا

لكلٍّ من شُعوبِ الأرضِ حَقٌّ

فما بالُ الجُفاةِ الجاحدينا

سنحمي النّاسَ من عَنَتٍ وظُلمٍ

ونكفِي الأرضَ شرَّ العابثينا

أمَنْ يبغي السَّويَّةَ في بنيها

كمن يبغِي الشُّعوبَ مُسخَّرِينا

أقاموا عصبةَ الأُممِ احتيالاً

وجاءوا بالشُّعوب مُخاصمينا

حَلفتُ بمن أضاعَ العدلَ فيهم

لتلكَ عصابةُ المُتلَصِّصينا

لئن زعموا الأذى والبَغْيَ عدلاً

فما خَفِيَ الصوابُ ولا عَمينا

أخا الأُسطولِ ما للتُّركِ حقٌّ

ولا بك ريبةٌ في المُنصفينا

يُريدون الحياةَ عُلاً ومجداً

وتلك مطالبُ المُتطرِّفينا

حددتَ القومَ إذ وفدوا سكارى

وهمّوا بالوفودِ مُعربِدينا

فإنّ لكم لَعُقبى الخيرِ فيهم

وإنّ لهم لعُقبى الزّائغينا

تورّطتِ الممالكُ في الخطايا

ونِيطَ بكم جزاءُ الخاطئينا

أيكفرُ بعضُها فيفيضُ زَيْتاً

ويطغَى بعضُها ماءً وطيناً

دَعِ الأُسطولَ يَهْدِ الناسَ وابعثْ

جُنودَك في المشارقِ واعظينا

أخا الأُسطولِ بُورِكَ من مَسيحٍ

وبوركَ في ذويك الصّالحينا

كأنّ اللهَ ربَّكمُ اصطفاكم

وأنشأكم طَهارَى طيِّبينا

وأَفْسَح في السّماءِ لكم فكنتم

ملائكةً إليه مُقرَّبينا

وهبتم للمالك ما تمَّنتْ

وقُمُتمْ في الشُّعوبِ مُهذِّبينا

لكم أُممُ الزّمانِ دماً ومالاً

وأنتم سادة المُترفِّقينا

إذا التّيجانُ عاثَ الفقرُ فيها

أَتيتم أهلَها مُتصدِّقينا

ملكتم من عَطاءِ اللهِ فيهم

مَقاوِدَ تملك الشّعبَ الحَرونا

فَسُودوا في الممالكِ واستَبِدُّوا

بتيجانِ الملوكِ المُعوزِينا

بكم تحمِي الخلافةُ جانِبَيْها

وتدفعُ غارة المُتحفِّزينا

وميراثُ النبيِّ لكم وأنتم

وُلاةُ البيتِ غير مُكذَّبينا

خذوا آثارَهُ من غاصِبيها

ولا تَثِقُوا بقولِ المُفْترِينا

خُذوها للمتاحفِ واجعلوها

بلُنْدُنَ عُرضةً للنّاظرينا

لكم شَرَفُ المناسبِ في قُريشٍ

وإن جَهِلتْ ثِقاتُ النّاسبينا

وما ينسى أبو لهبٍ بنيهِ

ولا يأبى ذويه الأقربينا

سليلَ التّاج والدُّنيا جزاءٌ

وعُقبى الأمرِ للمُتدبِّرينا

وما تُبقِي الشُّعوبُ على مُلوكٍ

مَشائيمِ العهودِ مُبغَّضِينا

مصيرُكَ للنّفوسِ أجلُّ ذِكرَى

وخطُبكَ سُلوةٌ للمُؤْتَسينا

أكنتَ ترى الخلافةَ جُحرَ ضَبٍّ

غداة تُطيعُ أمرَ المُجحِرينا

تَذِلُّ وما على الغبراءِ عِزٌّ

كعزّكَ لو رأَوك به ضنينا

وتُذعِنُ للتحكُّمِ فوق عرشٍ

تَدين له قُوى المُتحكِّمينا

وتقضِي الأمرَ مفسدةً وشرّاً

ومثلُكَ لا يُطيعُ الآمرينا

أمن يحمي الخلافةَ خارجيٌّ

لَبِئسَ الحكمُ حكمُ القاسطينا

لَفنزيلوسُ إن صدقوا فتاها

ومولى حقِّها في الطَّالبينا

أعزُّ حُماتِها إن نابَ خطبٌ

وخيرُ كُفاتِها المُتخيَّرينا

وماذا للخوارجِ إن أقاموا

لها كيرزونُ أو هارِنْجتُونا

مضى بك خاطفُ القرصانِ يعدو

فلا رجعتك أيدي الخاطفينا

أَكُنتَ خليفةً أم كنتَ شاةً

تولّتْ تتبعُ الذّئبَ اللّعينا

نُسائلُ عارفاتِ الطير عنه

ألا أين الخليفةُ نبِّئينا

تَفيأَ ظلَّهم فمضوا سِراعاً

بظلِّ الله للمتفيِّئينا

فما خدعوا الخليفةَ بالأماني

ولكن غرّهم في الخادعينا

يعدّون الملوكَ لغير شيءٍ

ويُلقون الروايةَ هازلينا

أرادوا عندهم نفعاً وليسوا

ولو بلغوا المئينَ بنافعينا

لئن جَهِلَ الأُلى نكثوا وخانوا

لقد علموا جَزاءَ النّاكثينا

كأنّي بالصّوافنِ عادياتٍ

يَنَلْنَ حِمَى الملوكِ ويحتوينا

يَدُسْنَ مَعاقدَ التّيجانِ شتّى

وينزعن العصائب يحتذينا

ويطوينَ الجلالةَ في جِلالٍ

نُهين لها الجباهَ مُعظِّمينا

وما للمجرمين إذا رأوها

يثورُ غُبارُها مِن شافعينا

طريدَ اللهِ هل لك من مُجيرٍ

تلوذُ بركنِه في اللّائذينا

أَخَوْفٌ غَالَ نفسَكَ أم رجاءٌ

رمى بك في الفريقِ المُصْحِرينا

إذا ما جِئتَ مكّة فإنأَ عنها

مناسكَ لا تُحِبُّ الغادرينا

ولا تَزُرِ البَنِيَّةَ واجْتنِبْها

إذا ازدلَفتْ وُفودُ الزّائرينا

وَدَعْ طهَ بيثربَ لا تَرُعْها

وقوماً في البقيعِ مُوسَّدينا

ولا تَلْممْ بزمزمَ إنّ فيها

لكَ المُهلُ الذي يشوي البطونا

ولا تَلْمَسْ كتابَ اللهِ واخسَأْ

إذا رفعْتهُ أيدي اللّامسينا

وإن طَمحَ الرّجالُ إلى حياةٍ

فَغُضَّ الطَّرفَ بين الطّامحينا

وَحَسْبُكَ بالحُسَين خدينَ صدقٍ

إذا اسْتَصفَيْتَ في الدُّنيا خدينا

هَوَى الإسلامُ بينكما صريعاً

وطاحَ بَنوهُ حولكما عِزينا

رَماهُ بطعنةٍ صَدعَتْ قُواه

وجئتَ فنالَ مَقدمُك الطّعينا

يدٌ عَصفتْ بهامتهِ فمالت

وأُخرى اسْتأصلت منه الوتينا

عفا المهدُ الأنيقُ فصار لحداً

وغُودِرَ في غَيابتهِ رهينا

به انبرتِ القَوابلُ فَانْتَضته

وفيه طوته أيدي الدّافنينا

حَنانَك ربَّنا وهُداك إنّا

بَرِئنا من ذوينا الصَّابئينا

ديارَ الوحي يُزجِي الرُّوحُ منه

كصَوْبِ المُزْنِ مِدراراً هَتونا

يجود رُباكِ مُونِقَةً حساناً

ويجري فيكِ سَلسالاً مَعينا

تُضيءُ به الشِّعابُ إذا ادلهمَّتْ

وتكرعُه النُفوسُ إذا صَدينا

إذا لم يرتعِ الأقوامُ فيه

فما عرفوا ربيعَ المُسنِتينا

لَعبدُ اللاتِ أكرمُ فيكِ عهداً

وعبدُ يغوثَ ممّن تحملينا

وحيدَ الدّين ضجّ الدِّين منها

جرائرُ جاوزت منك المئينا

إذا ما الرأيُ ثابَ إليكَ فاذكر

ذُنوبَك وابْكِها في النّادمينا

ودَعْها فتنةً عمياءَ واصبِرْ

لِحُكْمِ اللهِ واعْصِ المُوعِزينا

أميرَ المُؤمِنينَ طَلعتَ يُمناً

وكنتَ الخيرَ لِلمُتَيَمِّنينا

وما بَلغَ الجَلالُ وإن تناهى

جَلالكَ في الهُداةِ الطالعينا

لو اَنّ البيتَ سار إلى إمامٍ

لجاءك بالوفودِ مُهنِّئينا

أتى جبريلُ يَشهدُ حين حيَّا

رسولُ اللهِ خيرُ الشّاهدينا

لعمرُ المُنكِرين لقد توالت

بِسُدَّتِكَ الملائكُ طائفينا

لئن جحدوا الذي لك من ولاءٍ

فقد بلغ الصَّفا وأتى الحُجونا

عقدنا العهدَ إيماناً ومجداً

كذلك عهدُنا في العاقدينا

نُطيعُ من الخليفةِ كلَّ أمرٍ

ونعمل للخلافةِ مُخلصينا

ولسنا ما دعا الدّاعِي لشيءٍ

سِوَى الحقِّ المُبينِ بمُؤثِرينا

يَضِجُّ المُسلمون بكلّ أرضٍ

يُحيّون الإمامَ مُبايعينا

وما عبدُ المجيدِ بذي خَفَاءٍ

ولا هو ريبةُ المتوهِّمينا

نَمتْهُ السّابقاتُ من الأيادي

وَجَرَّبه الثِّقاتُ مُبالغينا

فما وجدوه إلا الخيرَ مَحْضاً

ولا اخْتاروه إلا مُوقِنينا

أقَرُّوا المُلكَ فاستعلت ذُراه

وهمّوا بالخلافةِ ناهضينا

وسنُّوا للخلائفِ ما عَلِمنا

فَصِينَ الدِّينُ والدُّنيا وزِينا

سبيلُ مُحمَّدٍ وذَوي هُداهُ

حُماةِ الحقِّ خيرِ المُرشِدينا

تباعدَ عهدُهم فمشوا إليه

على نُورِ الكتابِ مُسدَّدينا

لِربِّك حُكمُه والأمرُ شُورى

وتلك حكومةُ المُتحفِّظينا

إذا طَغتِ السّياسةُ في بلادٍ

فتلك سياسةُ المُستأثِرينا

وإن زعموا لَحُكمِ الفردِ معنىً

فتلك خُرافةُ المُتألِّهينا

بني عُثمانَ أنتم إن دَعَوْنا

ذَوي الأرحامِ خيرُ العاطفينا

فويحي للأُسودِ إذا استباحت

حِمَى الحَرَميْن أيدي النّاهبينا

أعينوا مصرَ إنّ لمِصرَ فيكم

رجاءً تستعزُّ به متينا

نَقومُ بنصرِها ونكون فيها

لأنصارِ الحمايةِ خاذلينا

أضاعوا حقَّها وجنوا عليها

وساموها الهَوانَ مُساومينا

فيا لكِ خُطّةً شططاً ورأياً

يَقُضُّ مضاجِعَ المُتبصِّرينا

إذا جَعلوا العُقوقَ لها جزاءً

أَبَيْنا أن نَعُقَّ وأن نخونا

نخاف الواحدَ القهّارَ فيها

ونَرقُبُ وعدَه حتّى يحينا

ذكرتم مصرَ ما نَقَعتْ صَداها

بذكرٍ من بنيها النّاعقينا

أغيثوا أهلها وتداركوهم

تهزُّ حُماتَها المُستبسِلينا

أعيدوا النّيلَ سيرته وردّوا

إلى استقلالهِ الشّعبَ الحزينا

أمِن شَرَفِ الخلافةِ أن تَرَوهْ

أسيراً في الأداهم أو سجينا

هو الذُّخر الثمينُ ولن تُصيبوا

كمِصرَ وشعبِها ذُخراً ثمينا

إذا طرقتكمُ الأحداثُ بِتْنا

قِياماً في المضاجعِ مُشفِقينا

نُثبِّتُ مِن جوانِحنا وتهفو

بهنَّ زلازلٌ ما يَرْعَوينا

أهاب المُوعدون بنا رُويداً

فما نفعَ الوعيدُ ولا خَشينا

نُهين الناكثينَ ونجتويهم

ونرفضُ خُطّةَ المُتقَلِّبينا

إذا اسْتَعرَ التِّناحرُ وارتمينا

مَشَوا بين الصُّفوفِ مُذَبْذَبينا

تَدورُ قلوبُهم فإذا ظفرتم

تباروا بالأكفِّ مُصفِّقينا

وإن ينزل بكم خطبٌ تولَّوْا

يضجُّ عُواتُهم في الشّامتينا

أولئكَ مُستقَرُّ الدّاءِ منّا

متى تتلمّسوا الدّاءَ الكمينا

جعلنا حُبّكم نُسُكاً وزُلْفَى

وبعضُ الحبِّ زُلفَى النّاسكينا

ولسنا بالتِجارِ نُريدُ رِبْحاً

فيذهب سعيُنا في الخاسرينا

لنا الأخلاقُ نجعلها عَتاداً

نَقِيهِ من الغوائلِ ما يقينا

فما نخشى الخُطوبَ وإن ألحّتْ

ولا يفنَى العتادُ وإن فنينا

إذا عَمَرَ الخزائنَ أشعبيٌّ

فتلك خزائنُ المُتَوَرِّعينا

ونَكتُمُ ما نقولُ فإنْ فعلنا

فخيرُ بني الكنانةِ فاعلينا

وأبعدُهم نُفوساً عن رياءٍ

وأصبرُهم إذا ملّوا السِّنينا

يضجُّ الأكثرون إذا صَمَتْنا

وتلك خلائقُ المُتبرِّجينا

عَرَفْنا حقَّكم وطغَى أُناسٌ

فما عرفوا الحُقوقَ ولا الدُّيونا

ولا حَفِظوا لمِصرَ سِوَى نُفوسٍ

دَأَبْنَ على الأذَى ما يأتَلينا

يَرَيْنَ ذَهابَها خطباً يسيراً

إذا نِلْنَ السَّلامةَ أو بَقينا

وما قومٌ يكون الأمرُ فيهم

لِسادَةِ دُنشوايَ بسالمينا

سلوا شُهداءَكم وتذكّروها

مصارعَ تُفزعُ المُتذكِّرينا

سلوا أين الأُلى هتفوا لمصرٍ

أفي الأحياءِ أم في البائدينا

سلوا الأحياءَ والموتى جميعاً

سلوا الثّاوِينَ والمتغرِّبينا

سلوا الدُّنيا العريضةَ أو سلوهم

متى ساسوا الممالكَ مُصلِحينا

عَتَوْا في الأرضِ والتهموا بنيها

فكانوا وَحشَها الجَشِعَ البطينا

ولولا ما جنى السُّفهاءُ فيها

لما ملكوا الشُّعوبَ مُسَيْطرينا

إذا نَزلَ البرِيطانيُّ أرضاً

فقد نَزلَ الرَّدى بالآمنينا

لنا الميثاقُ نَحفظُه ونَمضي

على مِنهاجِه في النّاهجينا

رَضينا حُكمَه الأعلى فلسنا

إلى حُكمٍ سواهُ بنازِعينا

نُبِيدُ حوادثَ الأيّامِ صبراً

ونعصِفُ بالشّوامخِ ثابتينا

ونَأبى أن نُغيِّر ما عَقَدنا

إذا انقلبَ الدُّعاةُ مُغيِّرينا

نُراقِبُ حقَّ مِصرَ إذا أُمِرْنا

ونَصدُقها الوَلاءَ إذا نُهِينا

إذا وَجدتْ شِفاءَ الغيظِ فينا

فزادُ اللهِ غيظُ المُحنَقِينا

نَصونُ حِمَى البلادِ وإن أُصِبْنا

ونثبُتُ في الجهادِ وإن مُحينا

فذلك عهدُنا الأوفى لمِصرٍ

وتلك سبيلُنا للمُقْتَدينا

أهاب المؤمنون به دُعاءً

تلقَّتهُ الجموعُ مُؤمِّنينا

يضمُّ كتابُه دُنيا المعالي

ودينَ المجدِ للمُتَمَسِّكينا

يُثيرُ الهامِدينَ وهم رُفاتٌ

ويَنهضُ بالجُذوعِ الجامدينا

كأنّ الكيمياءَ تَسُلُّ منه

عجائبَ سرِّها للعارفينا

تَبورُ مَذاهبُ الزُّعماءِ إلا

إذا جاءوا الرّوائعَ مُعجِزينا

وإن وَهَنَ الحُماةُ أوِ اسْتكانوا

فليسوا في الجهادِ بِمُفلِحينا

ولن تلِدَ الحياةُ الخُلْدَ إلا

لِمَنْ وُلِدُوا نوابِغَ نابهينا

أَتوا لُوزانَ يلتمسون فيها

دُعاةَ الحقِّ في المتآمِرينا

فما رَأَوُا الدُّعاةَ أُولِي وَفاءٍ

ولا وَجَدُوا القُضاةَ بسامعينا

إذا جَدَّ النِّضالُ أَبَوْا عليهم

ومالوا بالمناكبِ هازلينا

أقاموا دَوْلةً للظُّلمِ أُخرى

وراحوا بالضِّعافِ مُوكَّلينا

فيا لكَ مَعْرِضاً ما فاز فيه

سوى كرزونَ شيخِ العارضينا

تناهت عبقريّتُه وتمّتْ

براعةُ قومِه المُتَفَنِّنينا

يضنُّ بحقِّ مصرَ على بنيها

وما ضنَّتْ على المُتطفِّلينا

ويغضبُ أن يكونَ لها لسانٌ

يُذيعُ شكَاتَها في المُشْتكينا

ويَعجَبُ أن يَرى منها رجالاً

يجوبون البلادَ مُناضِلينا

فريسةُ قومِه عَكفوا عليها

وصَدُّوا عن بنيها الصّارخينا

أما والمُوجَعِين لقد أصابوا

بأنقرةٍ شِفاءَ المُوجَعينا

تولَّوْا بالجراحِ تَفيضُ سُمّاً

وما شَعَرتْ نُفوسُ الجارحينا

يَؤُمُّون المثابةَ لو أقاموا

شعائرَها لساروا مُحرِمينا

مُقدَّسةَ المسالكِ والنَّواحي

تُضيءُ بِمُشرِقين مُقدَّسينا

تَولُّوا بالكرامةِ حِزبَ مصرٍ

وشُدُّوا أزرَها مُتَطوِّعينا

حفاوةُ قومِنا وقِرى ذَوينا

وعَطفُ الأُخوةِ المتودِّدينا

نَحُلُّ ديارَهم فنزورُ منهم

مَساميحَ النُّفوسِ مُحبَّبِينا

ونَنْأَى والقلوبُ هَوىً وشوقاً

قُلوبُ الجيرةِ المُتزاوِرينا

وحَسْبُكَ نَجدةً ودفاعَ خطبٍ

إذا عَقَدوا اليمينَ مُعاهِدينا

نَجيءُ ببيّناتِ الحقِّ تَتْرَى

ويأبى باطلُ المُتخرِّصينا

سَيعلَمُ قومُنا أنّا وَفَيْنا

وأنّا قد كَفَيْنا ما يَلينا

حَفِظنا العهدَ غيرَ مُذمَّمينا

وأدَّيْنا الأمانةَ مُحسِنينا

إذا استبقَ الرجالُ السُّبلَ شتَّى

فإنّ لنا سبيلَ المُهتَدينا

وَمن يَعملْ لأجرٍ يبتغيهِ

فعندَ اللهِ أجرُ المُتَّقينا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد محرم

avatar

أحمد محرم حساب موثق

مصر

poet-ahmad-muharram@

441

قصيدة

1

الاقتباسات

618

متابعين

أحمد محرم بن حسن عبد الله. شاعر مصري، حَسَن الرصف، نقيّ الديباجة. تركيّ الأصل أو شركسيّ. ولد في إبيا الحمراء، من قرى الدلنجات بمصر، في شهر (محرم) فسمى أحمد محرَّم. وتلقى ...

المزيد عن أحمد محرم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة