الديوان » العصر العباسي » السري الرفاء » أرى همة تختال بين الكواكب

عدد الابيات : 59

طباعة

أرى هِمَّةً تختالُ بينَ الكواكبِ

وطَوْداً من العلياء صعْبَ الجَوانبِ

ومَربِضَ آسادٍ ومَعدِنَ سُؤدُدٍ

ومَوئلَ مطلوبٍ وغايةَ طالبِ

عُلىً مَلَكَتْ لُبَّ الأميرِ وإنَّما

تَمَلَّكُ ألبابَ الكرامِ المَناجب

تَروحُ به بينَ الصَّوارمِ والقَنا

وتَغدو به بينَ اللُّهى والمَواهِبِ

فَتىً طالبيُّ الدِّينِ أصبحَ جُودُه

يُحَسِّنُ للطُلاَّبِ وجهَ المطالبِ

تَساهَمَ فيه العُربُ والعُجمُ فاحتوى

على المجدِ من أقيالِها والمرزابِ

وكَم ومَضَتْ أسيافُهُ بمشارقٍ

فراعَ العِدا إيماضُها بمَغاربِ

حُيِيتَ على رَغمِ الحسودِ بَجَنَّةٍ

حبَتْكَ بأنواعِ الثِّمارِ الأطايبِ

تَعَجَّلْتَ منها ما يُعَجَّلُ مثلُه

لكلِّ جَميلِ السَّعيِ عَفِّ المَذاهبِ

مَيادينُ رَيحانٍ كأنَّ نسيمَه

نَسيمُ الهَوى أيامَ وَصْلِ الحَبائبِ

كأنَّ سواقيه سلاسلُ فِضَّةٍ

إذا اطَّرَدَتْ بين الصَّبا والجَنائبِ

وروضٌ إذا ما راضَه الغيثُ أنشأتْ

حدائقُه وَشْياً كوَشْيِ السّبائبِ

وحاليةُ الأجيادِ من ثَمرَاتِها

مفُلَّكَةُ الأجسامِ خُضرُ الذَّوائبِ

خَرَقْنَ الثَّرى عن مائه الغمْرِ فارتَوتْ

أسافُلها من زاخرٍ غيرِ ناضبِ

إذا ما سَقْتَهُنَّ السَّحائبُ شُربةً

خلَطْنَ بماءِ البَحرِ ماءَ السَّحائبِ

تُقِلُّ شماريخَ الثِّمارِ كأنها

إذا طَلَعت حُمْراً أكفُّ الكَواعبِ

وجاعلةٌ دَرَّ السَّحابِ مُدامةً

إذا شَرِبَتْ دَرَّ السَّحاب الصوائبِ

لها كالئ يُذكي اللِّحاظَ خِلالَها

حَذاراً عليها من سِخاطِ النوائبِ

يرُدُّ إليها حيَّةَ الماءِ ما انكفَتْ

عن القصدِ أو صَدَّت صدودَ المُجانبِ

فقد لَبِسَت خُضْرَ الغَلائلِ وانثنَت

لها مُرجَحِنَّاتٌ بخُضْرِ الشَّواربِ

قُطوفٌ تساوى شِربُها وتبايَنت

تَبايُنَ مُسوَدِّ العِذارِ وشائبِ

فمن بَرَدٍ لم يَجلُ للشَّمسِ حاجباً

من الظلِّ إلا غازَلَتْه بحاجبِ

ومن سبج أجرت به الكرم سلكها

ولم يجر في منظومه سلك ثاقب

بدائعُ أضحَتْ في المذاقِ أقارباً

وإن كنَّ في الألوان غيرَ أقاربِ

ترى الماءَ شتَّى السُّبْلِ يَنسابُ بينَها

كما رِيعَتِ الحيّاتُ من كلِّ جانبِ

ومسترفِدٌ تيَّارَ دِجلةَ رافداً

سواحلَها من نازحٍ ومُقاربِ

يسيرُ وإن لم يبرَحِ الدهرَ خُطوةً

فليس بوقَّافٍ وليس بساربِ

مواصلُ إيجافٍ تكادُ تُجيبُه

إذا حنَّ ليلاً مُوجِفاتُ الرَّكائبِ

تَسيلُ خلالَ الرَّوْضِ من فَيْضِ دمعِه

قَواضبُ تُزري بالسيوفِ القَواضبِ

وممتنعٌ جِلْبابُه الغيمُ في الضُّحى

وحِلْيتُه في الليلِ زُهْرُ الكواكبِ

اضاءَ فلو أنَّ النجومَ تحيَّرتْ

ضَلالاً هَداها سُبْلَها في الغَياهبِ

له شَرَفاتٌ كالوذائلِ أشرَفَتْ

على نازحِ الأقطارِ نائي المناكِبِ

إذا لبِسَت وَرْسَ الأصيلِ حسِبْتَها

تُعَلُّ برَقراقٍ من التِّبرِ ذائبِ

مجاورُ بَرِّ ضاحكِ النَّوْرِ مُعْشبٍ

وبحرٍ طَموحِ المَوجِ عَذْبِ المشاربِ

إذا بَكَرَ القَنَّاصُ فيه وأعزَبَتْ

حبائلُه في صَيدِ تلك العوازِبِ

رأيْتَ بناتِ البحرِ مَوشِيَّةَ القَرَا

به وبناتِ البَرِّ بِيضَ التَّرائبِ

محاسنُ أرزاقٍ من النَّوْرِ والمَها

يُغِذُّ إليها طالبٌ غيرُ خائبِ

فَمِنْ سانحٍ بالخيرِ في إثْرِ سابحٍ

ومُختضِبِ الأطرافِ من دمِ خاضبِ

وآمنةٍ لا الوحشُ تَذْعَرُ سِربَها

ولا الطيرُ منها دامياتُ المخالبِ

هي الرَّوْضُ لم تَنْشَ الخَواملُ زَهْرَه

ولا اخضَلَّ عن دمعٍ من المُزْنِ ساكبِ

إذا انبعَثتْ بينَ الخمائلِ خِلْتَها

زرابيَّ كسرى بثَّها في الملاعبِ

وإن عُمْنَ في طامي المياهِ تَبسَّمَتْ

غرائِبُها ما بينَ تلك الغَرائبِ

ودُهْمٌ إذا ما الليلُ رَفَّعَ سِجْفَه

تكشَّفَ منها عن وجوهٍ شَواحبِ

وإن آنسَتْ شَخصاً من الإنسِ صَرْصَرَتْ

كما صَرصرَتْ في الطِّرسِ أقلامُ كاتبِ

جِبالٌ رسَتْ في لُجَّةٍ غيرَ أنها

تُحاذرُ أنفاسَ الرياحِ اللَّواعبِ

إذا عايَنتْ للماءِ وَفْداً رأيْتَها

تُودِّعُ نمه غائباً غيرَ آيبِ

يسيرُ إليها الرَّكبُ في لُجِّ زاخرٍ

وليسَ سوى أولادِها من مراكبِ

تَضُمُّ رجالاً أغربَ الشَّيبُ فيهِمُ

فمالَ على أَشْفَارِهِمْ والحواجبِ

فمن رَهَجٍ لا يُستثارُ بحافرٍ

لديهم وخيلٍ لا تَذِلُّ لراكبِ

عَجائبُ مُلْكٍ في فَنائلَ لم تَكُنْ

عجائبُ مُلْكٍ قبلَها بعجائب

هي الحرَمُ المحميُّ مِمَّن يرومُه

بكلِّ صَقيلِ المتْنِ عَضْبِ المَضاربِ

مواطنُ لم يَسحَبْ بها الغَيُّ ذيلَه

وَكَمْ للعوالي بينَها من مساحِبِ

أبا حَسَنٍ لا زالَ وُدُّكَ مَشرَبي

إذا بَعُدَت يوماً عليَّ مشاربي

نُهنِّيكَ بالبُرْءِ الذي قامَ فِعلُه

مقامَ الضُّحى والحِنْدِسِ المتراكبِ

أعادَ رياضَ الحمْدِ مُونَقَةَ الرُّبا

ورَدَّ رياحَ الجُودِ ريَّا المَشاربِ

فَصَدَّقَ مِنْ ظَنِّ الصديقِ وأكذَبتْ

مواقعُه ظَنَّ العدوِّ المُحاربِ

إذا كنتَ من صَرْفِ الحوادثِ مُعْتِبي

فلسْتُ عليها ما حَيِيتُ بعاتبِ

إليكَ القوافي الغُرَّ لا نَظْمَ سارقٍ

ولا فِكْرَ مَأْفُونٍ ولا لفْظَ حاطبِ

كتائبَ حَمْدٍ لو رَمَيْتَ بها العِدا

غَداةَ الوَغى قامتْ مَقامَ الكتائبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن السري الرفاء

avatar

السري الرفاء حساب موثق

العصر العباسي

poet-Al-Sari-al-Raffa@

559

قصيدة

2

الاقتباسات

98

متابعين

السري بن أحمد بن السري الكندي، أبو الحسن. شاعر، أديب من أهل الموصل. كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بها، فعرف بالرفاء. ولما جاد شعره ومهر في الأدب قصد ...

المزيد عن السري الرفاء

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة