الديوان » العصر المملوكي » ابن الزقاق » بيني وبين الحادثات خصام

عدد الابيات : 65

طباعة

بيني وبينَ الحادثاتِ خصامُ

فيما جَنَتْهُ على العلا الأيَّام

كسفت هلالَ سمائِها من بعد ما

وافاهُ من كَرَمِ الجلالِ تمام

ورمتْ قضيبَ رياضها بتقصفٍ

غضَّاً سقاه من الشباب غمام

فاليومَ بستانُ المكارمِ ماحِلٌ

واليومَ نورُ المعلُواتِ ظلام

رامت صروفُ الحادثاتِ فأدركت

مَنْ كان لم يبعدْ عليه مرام

أودت بمهجته الليالي بعد ما

فخرت به الأسياف والأقلام

وغدا وراح المجد ذا ثقة به

أن يردعَ الأحداثَ وهي جسام

وبدتْ عليه من حلاهُ شمائلٌ

لا تهتدي لنعوتها الأوهام

كالروضِ لما دبّجتُهُ غمامة

والمسكِ لما فُضَّ عنه ختام

ناحتْ عليه الشهبُ وهي عرائسٌ

وبكى عليه الغيمُ وهوَ جهام

وانجابَ ظلُّ الأنسِ فهو مقلَّصٌ

وامتدَّ ليلُ الخطب فهو تمام

واربدَّ ضوءُ الشمسِ في رأد الضحى

حتى استوى الإشراقُ والإظلام

ما للمدامعِ لا يُطَلُّ بها الثرى

والسادةُ الكبراء فيه نيام

أَكذا يُبادُ حلاحلٌ ومهذَّبٌ

أَكذا يُنالُ مُسَوَّدٌ وهمام

تَعِسَ الزمان فإنَّما أيامه

ومقامنا في ظلِّها أحلام

لنرى الديارَ وهنَّ بعد أنيسها

دُرُسُ المعالمِ والجسومِ رِمام

والنسرُ مقتَنصٌ بأشراكِ الرَّدى

وبناتُ نعشٍ في الدجى أيتام

بأبي قتيلٌ قاتلٌ حُسْنَ العزا

مذ أَقصدته من المنونِ سهام

غدرتْ به أُمُّ اللهيمِ وطالما

فلَّ الخميسَ المجرَ وهو لُهام

وأبى له إلاَّ الشهادةَ ربُّهُ

ومضاؤُهُ والبأسُ والإقدام

فتك الردى بأبي شجاعٍ فتكةً

زلَّت لها رضوى وخرَّ شمام

فُقِدَتْ لها الألبابُ والأحسابُ وال

آداب والإسراج والإلجام

ندبته أبكارُ الحروبِ وعونها

وبكاهُ حزبُ الله والإسلام

أيُّ السيوفِ قضى عليه وبينه

قِدْماً وبين ظبا السيوفِ ذِمام

وبأيِّ لحدٍ أودعوه وإنَّه

ما قَطُّ في الضريحِ حسام

ما كان إلاَّ التبرَ أُخلِصَ سبكُهُ

فاسْتَرْجَعَتْهُ تربةٌ ورغام

يا حامليه قِفوا عليه وقفةً

يَشْفَى بها قبل الوداع هُيام

رُدُّوا وليَّ الله حتى يُشْتَفى

من أروعٍ شُفِيَتْ به الآلام

ردُّوا الشهيد نُسَقِّهِ من أَدمع

إنْ أَخلفتْ مُزْنٌ بهنَّ رهام

لا تسلموه إلى الثرى فلسيفِهِ

مذ كان من أعدائه استسلام

ولتدفنوه في الجوانحِ والحشا

إن كان يُرضيه هناك مَقام

واستنشقوا لثنائِهِ عَرْفَاً به

ينحطُّ عن نفسِ الصباح لثام

ما ضمَّهُ بطنُ الثرى إلا وقد

ضمَّتْه في دارِ النعيمِ خيام

صلى عليه الله ما ثنت الصبا

غصناً وما غنَّتْ عليه حمام

يا عينُ شأنك والمدامعَ فاسمحي

ولتعلمي أن الهجوعَ حرام

إن الذي كان الرجاءُ مشيّداً

بوفائِهِ غدرتْ به الأيام

أَعززْ عليَّ بضيغمٍ ذي سطوةٍ

أَجماته بعد الرماحِ رِجام

اعززْ عليَّ بزهرةٍ مطلولةٍ

أمست ولا غيرَ الضريحِ كِمام

اعززْ عليَّ بمنْ يعزُّ على العلا

إن غيل قَسْوَرُ غيلها الضرغام

إن كان أفنتْهُ الحروبُ فشدَّ ما

فنيت بِمُنْصُلِهِ الطلى والهام

أو راح مهجورَ الفِناءِ فطالما

هَجَرَتْ به أرواحَها الأجسام

أمضرَّجٌ بدمائه هي ميتة

وَقْفٌ عليها السيد القمقام

البأسُ والإقدام أوردكَ الردى

إن كان أنجى غيرَك الإحجام

قد كنتَ في ذاك المقام مخيَّراً

لكن ثبتَّ وزلَّتِ الأقدام

لم يُلْفَ فيه سوى الفرارِ أو الردى

فاخترتَ صَرْفَ الموتِ وهو زؤام

وأبتْ لك الذمَّ المكارمُ والعلا

والسمهريُّ اللدنُ والصمصام

الليلُ بعدك سرمدٌ لا ينقضي

فكأنما ساعاتُهُ أعوام

والأنْسُ غمٌّ والسرورُ كآبةٌ

والنومُ سُهْدٌ والحياةُ حمام

لمن اطَّرحَت المجد وهو كأنه

طَلَلٌ تعفّيه صباً وغمام

ولمن تركتَ الصافناتِ كأنَّها

موسومةٌ باللؤمِ وهي كرام

زَفَرَتْ لموتِ أبي شجاعٍ زفرةً

لم يبقَ ساعَتَها لهنَّ حزام

عمَّتْ رزيَّتُهُ القلوبَ فكلُّها

كاسٌ وأنواعُ المدامِ حمام

كَثُرَ العويلُ عليه بعد نعيِّه

حتى كأنَّ العالمين حمام

وحكتْ دموعَ الغانياتِ عقودُها

لو لم يكن لعقودهنَّ نظام

يا حاملينَ النعشَ أين جيادُهُ

يا ملبسيه التربَ أين اللام

أينَ السماحةُ والفصاحةُ والنهى

منه وأين الجودُ والإكرام

أضحى لعمرُ الله دونَ جلاله

سترٌ من الأجداث ليس يرام

أأبا شجاعٍ إنْ حُجِبْتَ بربوةٍ

فالزهرُ منبتهُ رُبىً وأَكام

قم تبصرِ الخفراتِ حولك حُسَّراً

لو كان يمكنُهُ الغداةَ قيام

واسمعْ عويلَ بكائها فلقد بكتْ

لبكائها الأصواء والأعلام

ضجَّتْ لمصرعكَ النوادبُ ضجَّةً

سدَّت مسامعَها لها الأيام

ولقد عهدتُك كوكباً أَبراجه

جُرْدُ المذاكي والسماءُ قتام

وعهدتُ سيفك جدولاً في وِردِهِ

يومَ الكريهة للنفوسِ هيام

فابشرْ فدارُ الخلد منكَ بموعدٍ

واهنأ ففيها غبطةٌ ودوام

مرَّ الغمامُ على ثراك محيِّياً

فعلى الغمامِ تحيَّةٌ وسلام

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الزقاق

avatar

ابن الزقاق حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Ibn-al-Zaqqaq@

151

قصيدة

1

الاقتباسات

35

متابعين

علي بن عطية بن مطرف، أبو الحسن، اللخمي البلنسي، ويعرف بابن الزقاق. شاعر، له غزل وقيق ومدائح اشتهر بها. عاش أقل من أربعين عاماً. وشعره أو بعضه في (ديوان - ...

المزيد عن ابن الزقاق

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة