الديوان » العصر العباسي » صردر » لو كنت أشفق من خضيب بنان

عدد الابيات : 116

طباعة

لو كنتُ أُشفقُ من خضيبِ بنانِ

ما زرتُ حيَّكُمُ بغير أمانِ

يا صبوةً دبَّت إلىَّ خديعةً

كالخمر تسرِقُ يقظةَ النشوانِ

اُنظرْ قما غضُّ الجفون بنافع

قلبا يَرى مالا تَرى العينانِ

ولقد محا الشَّيبُ الشبابَ وما محا

عهدَ الهوى معه ولا أَنسانى

فعلمتُ أن الحبَّ فيه غَوايةٌ

مغتالةٌ للشَّيبِ والشُّبّانِ

ما فوق أعجازِ الركابِ رسالةٌ

تُلهى ففيمَ تَحيّةُ الرُّكبانِ

عذرا فلو علموا جواك لساءلوا

غِزلانَ وجرةَ عن غصون البانِ

قُولا لكُثبان العقيقِ تطاولِى

دون الحِمىَ أقدُرْك بالطَّمَحان

وليَنِسِفَنَّ الرملَ زَفرهُ مدنفٍ

إن لم يُعنْهُ الدمع بالهملانِ

عِجل الفريقُ وكلُّ طَرفٍ إِثرَهم

متعثِّر اللحظاتِ بالأظعانِ

وكأنما رُدْناىَ يومَ لقيتُها

بالدمع قد نُسِجا من الأجفان

كلِّفْ رُدْناىَ يومَ لقيتُها

بالدمع قد نُسِجا من ألأجفان

كلِّفْ تجلّدِىَ الذي يسطيعُهُ

هل فيَّ إلاّ قدرةُ الإنسانِ

ولئن فررتُ من الهوى بحُشاشتى

فالحبُّ شرُّ متالف الحيوانِ

يدرى الذي نضح الفؤاد بنَبْله

أن قد رمى كَشحيْهِ حينَ رمانى

لو لم تكن عينى على أطلالهم

عُقِرتْ لما سَفَحتْ بأحمرَ قانى

متأوّلين على الجفون تجنيِّا

فالدمع يُمطرُهم بذى ألوانِ

ولو أنه ماءٌ لقالوا دمعُهُ

رِيقٌ وجفنَا عينِه شَفَتانِ

ظمىء إلى ماء النُّقَيْبِ لأنَّه

وِرْدُ اللَّمَى ومناهلُ الأغصانِ

ولَنِعمَ هينمة النسيم محدّثا

عن طِيبِ ذاك الجيبِ والأردانِ

إن لم يكن سهلُ اللوى وحزونُهُ

وطنى فإنَّ أنيسَه خُلاَّنى

ولو أنهم حلُّوا زرودَ منحتُهُ

كَلَفى وقلتُ الدارُ بالجيرانِ

عُلَقٌ تَلاعبُ بي ورُبَّ لُبانةٍ

شاميَّةٍ شغَفتْ فؤادَ يماني

هل تبلِغنِّي دارَهُمْ مزْمومةٌ

بالشوقِ موقَرةٌ من ألأشجانِ

فعسى أميلُ إلى القِبابِ مناجيا

بضائمرِ ثقلُتْ على الكتمانِ

وأطاردُ المُقلَ اللواتي فتكُها

يُملى عليَّ مَقاتل الفُرسانِ

متجاذبين من الحديث طرائفا

يُصغِى سماعِها النِّضوانِ

كرِّرْ لحاظكَ في الحُدوجِ فبعدها

هيهات أن يتجاور الحيّانِ

من بعد ما أرغمتُ أنفَ رقبيهم

حَنَقا وخُضتُ حميَّة الغَيْرانِ

وطرقتُ أرضَهُمُ وتحتَ سمائها

عدَدَ النجومِ أسنةُ الخُرصانِ

أرضٌ جَداولُها السيوف وعُشبُها

نَبْعٌ وما ركزوا من المُرَّانِ

في معشرٍ عشِقوا الذُّحولَ وآثروا

شُربَ الدماءِ بها على الألبانِ

قومٌ إذا حيَّا الضيوفُ جِفانَهم

ردَّتْ عليهمْ ألسنُ النيرانِ

وإذَا شَواةُ الرأس صوَّحَ نبتُها

فعلى قضاءِ مآربٍ من شانِ

ولتَعَلَمنَّ البيدُ أنَّ جِباهَها

موسومةٌ بالنَّصِّ والوخَدانِ

يُزجَرْنَ أمثالَ القِداحِ ضَوامرا

ويُرَحْنَ أمثالَ القِسىِّ حوانى

أو ينتهينَ إلى جنابٍ ترتعى

فيه الوفودُ منابتَ الإحسانِ

ربُّ المآثرِ والمحامدِ ربُّه

وولىُّ بِكرِ صنيعةٍ وعَوانِ

تلقَى الجبابرةُ المصاعبُ وجهَهُ

بجماجمٍ تحنو على الأذقانِ

متهافتين على الصَّعيد كأنّهم

شِربوا بهيبتِهِ سُلافَ دِنانِ

وطِئُوا سَنابكَ خيله بشفاههم

قُبَلا وجلَّتْ عنهم القَدمانِ

حتى إذا صدَعوا السُّرادقَ أطرقت

تلك اللواحظُ من أغرَّ هِجانِ

قد أيقنتْ قِممُ الملوك بأنه

إن شاء طلَّقها من التيجانِ

خَطْراً أبا قَرْعَى الفِصال مُقاربا

إن القُروم أحقُّ بالخطَرانِ

فذروا الحمى يرعَى به متخمِّطٌ

تُخشَى بوادِرهُ على الأقرانِ

ما بين ساعده الهصورِ محرَّمٌ

فتعرَّضوا لفريسةِ السِّرحانِ

لا مَطعَمٌ لبُغاثِكم في مأزقٍ

حامت عليه كواسر العِقبانِ

للمْجلس الشرقىّ أبعدُ غاية

في يوم مَلحَمةٍ ويومِ رِهانِ

فركابُه ما تَنثنى بأزِمَّةٍ

وجيادُه ما ترعوىِ بِعنانِ

هِمَمٌ كما سرت البروقُ خواطفا

في حاصبٍ أو عارضٍ هتّانِ

وعزائمٌ رُبِيَتْ وأطرافَ القنا

وظُبا السيوفِ وارِضعت بلبانِ

إن الورى لما دعوْه جَمالَهم

حلُّوا من العلياءِ خيرَ مكانِ

وأتتْ به عدنانُ في أحسابها

حتى أقرّ بنو قَحطانِ

مجدٌ أطلَّ على الزمان وأهلِهِ

متقيِّلٌ في ظلِّه الثَّقَلانِ

ومفاخرٌ مشهودةٌ يَقضِى لها

يومَ النفار سواجِعُ الكُهّانِ

من ذا يجاذبه الفخارَ وقد لوى

أطنابَه في يَذبُلٍ وأبانِ

طَلاَّب ثأرِ المجد وهو مدفَّعٌ

بين اللئام مسَفَّه الأعوانِ

لم يرضَ ما سنّ الكرامُ أمامَه

حتى أتى بغرئبٍ ومَعانِ

نسخت فضائُله خِلالَهم التي

نجحوا بها في سالف الأزمانِ

فهي المناقبُ لو تقدّم ذكُرها

تُليتْ مَثانِيهن في القرآنِ

يعطيك ما حَرَم الجوادُ ودِينُه

أن الثراءَ وعُدْمَهُ سِيّانِ

وإذا رجالٌ حصَّنوا أموالَهم

جعَل المواهبَ أوثقَ الخُزّانِ

كم أزمةٍ ضحِكت بها أنواءُهُ

والغيثُ لا يلوِى على طمآنِ

من راحتيه نوافلٌ ومنائحٌ

ومن القلوب مطامعٌ وأماني

فحذارِ أن يطغىَ السؤالُ بطالبٍ

رفدّا فيركبَ غاربَ الطُّوفانِ

وأصَبْتُ قد يَحكى السحابُ نوالَه

لكنَّ ذا ناءٍ وهذا دانِ

وقرنتُه بالبحر يقذِفُ باللُّهَى

ونسيتُ ما فيه من الحَدْثَانِ

وذكرتُ ما في الليثِ من سَطَواتهِ

ولربّما وَلَّى عن الأقرانِ

لا تعدمَ الأزمانُ رأيَك إنه

في ليلها ونهارها القمرانِ

رأىٌ سقىَ اللهُ الخلافةَ صوبَهُ

ورمى بصاعقه ذوى الشَّنآنِ

نُجْحا بنى العباّس إن قناتَكم

هُزَّتْ بأحذقِ ساعدٍ بطعانِ

جَدٌّ أمدّ عديدكم من غِيله

بأشدَّ من أسَد العرين الجانى

يحمى ذمارَكُمُ بغير مساعدٍ

ويحوط سَرحكُمُ بلا أعوانِ

وثباتُه العزم الذليق إذا سطا

وزئيره حُكْمٌ وفصلُ بيانِ

مستلءمٍ بجَنانه وبنانِهِ

واسانهِ مِضرابةٍ مِطعانِ

لما رأى والحزمُ ينفعُ أهلَه

عَوْدَ الخلافةِ ضارباً بجرانِ

والسيفَ لو يَرْكُضْ بكفَّىْ ضاربٍ

والرمحَ لم يَطمحْ بعينِ سنانِ

داوَى عَياءَ الداءِ ساحرُ رفِقهِ

والنَّقْبُ يَشفيهِ هِنَاءُ الهانى

حتى إذا برح الخفاءُ وسفَّهتْ

حِلَم الحليمِ حفيظةُ الغضبانِ

ورأى الهَوادَة مَرَوةً مقروعةً

والسّلم مطعمةَ العدوّ الوانى

نادَى فلبَّاه صهيلُ سوابقٍ

وأطيطُ كلِّ حنِيَّةٍ مِرنانِ

وفوارسٌ يَصلَوْن نيرانَ الوغى

مما تُثيرُ جيادُهم بدخانِ

جنَبوا إلى الأعداءِ كلَّ طِمِرَّةٍ

بُنيت مفاصلُها على شَيطانِ

مثل المَراقبِ تحتهم وهُمُ على

صواتها كالهَضْب من ثَهلان

طلعوا طلوع الشمسِ يغمرُ ضوءُها

هامَ الرُّبَى ومغَابنَ الغِيطانِ

وكأنما سجدتْ قِسِيُّهمُ إلى

لألاء وجهك إذ أتتك حوانىِ

من بعد ما سدّوا الفضاءَ وحرَّموا

نَفَل الربيع به على الغِزلانِ

يتسابقون إلى المنون فكلُّهم

يغَشى الردَى ما عُدّ في الوِلدانِ

وإذا هُم عدِموا مَقاودَ خيلهم

فتلوا لهنَّ ذوائبَ الفُرسانِ

في كلِّ معترَك تُجيلُ كماتُهم

قِدْحا يفوز إذا التقَى الجمَعانِ

فاسئلْ جبالَ الروم لمَّا طوَّقوا

أعناقَها من جَمعهم برِعانِ

ترعَى بها زُهرَ النجوم جيادُهم

ومن السحاب يَرِدنَ في غُدرانِ

فكأنّهم يبغون في فَلك الذُّرَى

أن يأسروا العَيُّوقَ للدَّبَرانِ

تركوا المعاركَ كالمنَاحِرِ من مِنىً

وجماجمَ الأعداء كالقُربانِ

فكأنّما فرَشَ النجيعُ تِلاعَها

ووِهادَها بشقائق النُّعمانِ

فأتاك وفدُ بنى الأُصيفِرِ يرتمى

بهمُ جَناحَا ذِلّةٍ وهوانِ

جنحوا به مستسلمين وطالما

شمَخوا بدينهمُ على الأديانِ

بذلوا الإتاوة عن يدٍ فكأنّهم

عقدوا بذاك الغُرِم عَقْدَ ضَمانِ

في كلِّ يومٍ تستهلُّ منوزَهم

كرماً بعَشرِمِىءٍ من العِقيانِ

وبرزتَ في حُلل الوقارِ بهيبة

فقأتْ عيونَ الكفر بالإيمانِ

وكفاكَ أن قُدتَ الضلالة بالهدى

وجعلت دارَ الحرب دارَ أمانِ

هذا العراق قد انجلت شُبُهاتُه

وصَفا من الأقذاءِ والأدرانِ

إن مّسه نَصبُ الورودِ فإنه

سيُنيخُ من نعماك في أعطانِ

نفَّرت ذُؤبانَ الغضا عن شِربِهِ

فالأَمنُ يَسرحُهُ بلا رُعيانِ

ولَّى أَرَسْلانٌ يُمَسِّح في الحشا

قلبا يشير عليه بالطيرانِ

وهوت بنو أَسَدٍ تَسُلُّ لقاحَها

فتسيل بين الحَزْنِ فالصَّمّانِ

وجرى الغرابُ مع البوارحِ ضائحا

بالبين بين منازل الجَاوانِ

وطوتْ عقيلٌ عَرضَ كلِّ تَنوفَةٍ

بذميلِ ذِعلبةٍ وركِض حِصانِ

بالشام ألَّفَ خوفُ بإسك بينهم

وقلوبُهم شتَّى في الأضغانِ

هيهات لو رِكبوا النعائمَ في الدجى

وأردتَ لاقتنصاهُم النَّسرانِ

وكذا عدوُّك إن نجا جُثمانه

فالقلبُ في قِدِّ المخافةِ عانِ

ما بين مصرَ وبين عزِمك موعدٌ

متوِّقعٌ لوقائه الهرَمانِ

إن صانها بُعدُ المدَى فلمثلها

تقتادُ كلّ نجيبةٍ مِذاعانِ

ماءُ الجداولِ للأكفِّ وإنما

ماء القَليبِ يُنال بالأشطانِ

من كان شرقُ الأرض طوعَ زمامِهِ

لِمَ لا يصرِّف غَربَها بعِنانِ

والجيشُ مَجْرٌ والأوامرُ طاعةٌ

والنصر مرجوٌّ من الرحمنِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن صردر

avatar

صردر حساب موثق

العصر العباسي

poet-Sardar@

130

قصيدة

1

الاقتباسات

105

متابعين

علي بن الحسن بن علي بن الفضل البغدادي، أبو منصور. شاعر مجيد، من الكتاب. كان يقال لأبيه (صرّ بَعْر) لبخله، وانتقل إليه اللقب حتى قال له نظام الملك: أنت (صر ...

المزيد عن صردر

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة