الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » قلب المشوق بأن يساعد أجدر

عدد الابيات : 90

طباعة

قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ

فإذا عَصاهُ فالأحِبّةُ أعذرُ

لا طالَبَ اللّهُ الأحِبّةَ إنّهم

نامُوا عن الصّبِّ الكئيب وأسهَروا

هجَروا وقدَ وصَّوا بهَجْري طيفهم

يا طيفُ حتّى أنت مِمَّنْ يَهْجُر

دونَ الخَيالِ ودونَ مَن تَشتاقُه

ليلٌ يطولُ على جفونٍ تَقْصُر

وَمُخيِّمون معَ القطيعة إن دَنوا

هَجَروا وإن راحوا إلينا هَجَّروا

طاروا إلى شُعَبٍ وهم من قَبْلها

كانوا إذا سَمِعوا الرَّحيلَ تَطَيّروا

قَصروا الزّمانَ على صُدودٍ أو نوىً

والعُمْرُ من هذا وذلكَ أَقْصَر

أرأيتَ يومَ الجِزعِ ما صنعوا بنا

والحَيُّ منهم مُنجِدٌ ومُغَوِّر

سَفَروا فلما عارضَ القومُ اتَّقوا

بمعاصمٍ وكأنّهم لم يَسفِروا

وغَدوا ومن عيني لهن منيحةٌ

تُمْرَي ومن قلبي وَطيسٌ يُسعَر

أعقيلةَ الحيِّ المُطنَّب بيتُها

حيث القَنا من دُونها تَتكَسَّر

كَالبْدرِ إلاّ أنّها لا تُجتلَى

والظّبْيِ إلاّ أنّها لا تُذعَر

أخْفَى إذا فارقتُ وجْهَكِ من ضنىً

فأدِقُّ عن دَرْكِ العيونِ وأَصغُر

وأرى بنورِكِ كلّما أدنَيْتنِي

وكذا السّها ببناتِ نَعْشٍ يُبصَر

مَن زائري واللّيلُ أدهمُ صافِنٌ

ومُودّعي والفجرُ أَشقَرُ مُحضِر

خطَرتْ إليَّ فزادَني طرَبا لها

أنْ لم تكن بالبال مِمّا يَخْطُر

وغَدت مُودِّعةً فقلبٌ يلْتظي

حتّى تَعودَ ومُقلةٌ تَستَعْبِر

فكأنّما تَركتْ بخَدِّي عِقْدَها

ليكونَ تَذكِرةً بها يُتذَكَّر

يَلْقَى الحسودُ تجلُّدي فيَسوؤهُ

أَنّي على رَيْبِ الحوادثِ أَصبِر

مالي وما لعِصابةٍ مُغتابةٍ

هل فيَّ إلاّ أن سَعيْتُ وقَصَّروا

إنّي لأُصبِحُ للفضيلةِ ساتراً

مِنّي كَمَنْ هو للنّقيصةِ يَستُر

وأرى أَمامي ما ورائي دائماً

مثْلَ الذي هو في مِراةٍ يَنظُر

لا تضطربْ عند الخطوبِ فإنّما

يَصفو إذا ما أُمِهلَ المُتكَدَّر

وإذا تَولّى مَعشَرٌ كَرمُوا فلا

تَهلِكْ أسىً حتّى يُوافيَ مَعشَر

فصحيفةُ الدّنيا الطّويلةُ لم تَزَلْ

يُطوى لها طَرَفٌ وآخَرُ يُنشَر

ما زالتِ الأيّامُ حتّى أَعقبَتْ

يوماً ذُنوبُ الدَّهرِ فيه تُغفَر

يومٌ أَغرَّ مُشهَّر في صَدرِه

أَحيا الوَرى صَدْرٌ أَغرُّ مُشَهَّر

بِوزارةٍ راحتْ وكُل يشتكي

من دَهْره وغدتْ وكلُّ يَشكُر

فكأنَّ آمالَ الخلائقِ كُلَّها

رِممٌ مُفرَّقةٌ أتاها المحْشَر

حتّى إذا غَصَّ الفضاءُ بمَوكِبٍ

من وَطْئهِ كَبِدُ الحَسودِ تَفطَّر

والأرضُ من ضيقِ المسالكِ تَشتكي

والجَوُّ في نَسْج السَّنابِك يَعثُر

وعلى النّظامِ ابنِ النّظامِ مَهابةٌ

تَنْهَى عيونَ النّاظرِينِ وتَأْمُر

مشَتِ الملوكُ الصِيّدُ حولَ رِكابهِ

رَجْلَي وكان لهم بذاكَ المَفْخَر

وتَبسّمَتْ خِلَعٌ عليه كأنّها

رَوضٌ تَقمّصها غمامٌ مُمطِرِ

ومُرصَّعاتٌ يأتلقْنَ وراءه

تَشكو السّواعدُ حَمْلَها والأظْهُر

وأمامَه جُرْدٌ يُقَدْنَ جَنائباً

مَرْحَى تَخِفُّ بها الخُطا فتَوقَّر

يَظْلَلْنَ في بحرِ النُّضارِ سَوابِحاً

والجَوُّ من عَكْسِ الأشِعّة أحمَر

وبدا الجوادُ على الجوادِ كأنّه

طَوْدٌ أظَلَّ عليه نَجْمٌ أزهر

وأتَى به واليُمْنُ منه أيمَنٌ

مُتَكِنّفاً واليُسْرُ منه أيسر

حتّى ثنَى عنه لِيَنْزلَ عِطْفَهُ

في مَوْقفٍ فيه الجِباهُ تُعفَّر

فالجوُّ طولَ اليومِ تبرٌ ماطرٌ

والتُربُ طولَ العام مِسْكٌ أذْفَر

ولَقلّتِ الأرواحُ لو نَثَروا له

لو كانتِ الأرواحُ مِمّا يُنثَر

لأغرَّ يَعتذِرُ الزّمانُ بوَجْهِه

عمّا جناهُ من الذُّنوبِ فيُعْذَر

ويُريكَ منه إذا بدا لك منظراً

ما فوقَهُ في الحُسْنِ إلاّ المَخْبَر

وعليه من سِيما أبيهِ شواهدٌ

ودلائلٌ تَبدو عليهِ وتَظْهَر

ولئن تأَخَّرَ في الوِزارةِ عَصرُه

فلكُلِّ أمرٍ غايةٌ تَتأخّر

كانتْ تنقَّلُ في الرّجال كأنّها

سارٍ يُنَوَّخُ تارةً ويُثَوَّر

حتّى انتهتْ شوقاً إليه وإنّه

ما مِن وراء نهايةٍ مُتنَظَّر

اليومَ عَزَّ حِمَى الرّعيّةِ أنْ غَدا

يَرعاهُمُ حَدِبٌ يُنيمُ ويَسْهَر

فالعدْلُ ثَغْرُ الدَّهرِ منه ضاحِكٌ

والأمنُ غصْنُ العيشِ فيه أخْضَر

وافَى فقيلَ أواحدٌ أم جَحفَلٌ

وسخا فقيل أَنمُلٌ أم أبحُر

وتَيمّنَ السّلطانُ منه بصاحبٍ

نَدْبٍ يَهُمُّ بما يَرومُ فَيظْفَر

لمّا رأى فَتْحَ الدَّواةِ بكَفّهِ

وافاه فَتْحُ القلعةِ المُتَعذّرِ

فتفاخَرَ الفَتْحانِ حتّى لم يَبِنْ

للنّاسِ أيُّهما أجَلُّ وأكبَر

للهِ أيةَ ليلةٍ في صُبحِها

تَبِعَ اللّواءَ إلى الجهادِ العَسكَر

سَمتِ الجنودُ إليهمُ حتّى إذا

طلَعوا الثّنِيّةَ بالبنُودِ وَكبّروا

ما كان إلاّ من نهارٍ ساعةً

حتّى جَرَتْ مِمّا أرَاقوا أنْهُر

مَطَروا عليهم بالسِّهامِ ولم تكُن

من قبلِ نهضِتهمْ سماءٌ تَمطُر

من كلِّ أزرقَ ذي جناحٍ طائرٍ

غَرثانَ عن حَبِّ القلوبِ يُنَقِّر

يُطعِمْنَ قَتْلاها النُّسورَ جَوازياً

إذ كُنّ طِرْنَ بما كسَتْهُ الأَنسُر

حتّى انثنَوا والبِيضُ في أيمانِهم

حُمْرٌ تُقَطِّرُ بالغُواةِ وتَقطُر

وغدا عدوُّ اللّهِ طَوْعَ أَكفِّهم

يَجْري مُقلَّدَ رِبْقةً ويُجَرَّر

مثْلَ البعيرِ تَقودُه بسِبالِه

فيَخِفُّ وهْو من الجهالةِ مُوقَر

وكأنّ لِحْيتَهُ هشيمٌ ماحِلٌ

وكأنّ أيدي القوم رِيحٌ صَرْصَر

ولَوَ انّه تَرَكَ الخبيثَ هُنَيْهةً

لتَصافنوا دمَهُ الذي هو أَقذَر

قد قَدَّروا للمسلمينَ عجائباً

واللّهُ غيَّر كلَّ ما قد قَدَّروا

كم خَوَّفوا سَنةَ القِرانِ وخَيّلُوا

أنّا سنَخْرُجُ عندَ ذاكَ ونَظْهَر

أرواحُهم خرجَتْ وهم لم يَخْرُجوا

وهَناتُهم ظهَرتْ وهم لم يَظْهَروا

تاللّهِ ما فَتَحوا البلادَ وإنّما

فتَحوا العيونَ فأَبصَروا ما أبصَروا

تلك الأكاذيبُ المُلفَّقةُ التي

غَرُّوا بها شِيَعَ الضَّلالِ وغَرّروا

بلغَتْ بهم سَلْخَ الجُلودِ كما رَأَوا

والسَّلْخُ عِندَهُمُ البَلاغُ الأكبَر

فاسأَلْ بني العّباسِ عمّا شاهَدوا

زمَنَ البَساسيريِّ هل يُتذَكَّر

لم يُكْفَ قائِمُهم إذا ما قايَسوا

ما قد كُفِي في هذه المُستَظهِر

كلاّ ولا ارتجَعَ الخِلافةَ طُغْرِلٌ

مِثْلَ ارْتجاعِ مُحمّدٍ لو فَكَّروا

بيَمينهِ آلَى يميناً سَيْفُه

ألا يُغادِرَ بالهُدَى مَن يَغْدِر

فعِداهُ إن طلَبوا القَرارَ تَعَجَّلوا

حتْفاً وإنْ طلَبوا الفِرارَ تَحَيَّروا

يُمسُونَ أمّاليلُهم فيُريهِمُ

قَتْلاً وأمّا صُبحُهم فَيُفَسّر

يا ماجداً رَوِيَتْ بسَجْلِ نَوالِه

كلُّ الورى باديهمُ والحُضَّر

يَكِفي الممالكَ أن يُديرَ بكَفّهِ

قَلماً له الفَلكُ المُدارُ مُسَخّر

يُمِلي وأيدِي القَطْرِ تَنْسَخُ جودَه

ولَما يفوتُكِ يا قِطارُ الأكثَر

فِفداءُ كفِّكَ وهْي بحرُ سماحةٍ

قومٌ إذا ورَد العُفاةُ استَحْجَروا

قَدَروا وما سَدُّوا لِحُرٍّ خَلّةً

بصنيعةِ فكأنّهم لم يَقْدِروا

وتَصدَّروا من غيرِ فضْلِ عطيّةٍ

والصّدْرُ مَنْ مِنْه العطايا تَصدُر

إن يَشْكُرِ السّلطانُ غُرَّ فَضائلٍ

وشمائلٍ لك فالرّعيّةُ أشكَر

أو كان مُلْكُ محمّد بكَ عامِراً

فافْخَرْ فديِنُ مُحمّدٍ بك أعَمَر

جاءتْكَ مِثْلَ العِقْدِ وهْو مُفَصَّلٌ

حُسْناً ومثْلَ البُردِ وهْو مُحَبَّر

أنا غَرْسُ بيتِكمُ الكريمِ بجودكم

يُسقَى وبالمِدَح الغرائبِ يُثْمِر

فإنِ ارتضَوا حُكْمِي فغيرُ بديعةٍ

من مثْلِ ذاكَ البحرِ هذا الجوهر

فاسْلَمْ لنا ما انجابَ لَيْلٌ مُظلِمٌ

عن ناظرٍ وانتابَ صُبْحٌ مُسْفِر

وبَقِيتَ بينَ بني أبيكَ كما بدا

بَدْرٌ تَحُفُّ بهِ نُجومٌ تَزْهَر

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

104

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة