الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » هم منعوا منا الخيال الذي يسري

عدد الابيات : 54

طباعة

هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري

فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ

فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى

ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر

أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ

وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر

وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً

وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر

وغادَر في خَدَّيَّ غُدْراً من البُكا

تَولُّعُ ربِّاتِ الغدائرِ بالغَدر

لقد أصبَحَتْ سمراءَ والسُّمْرُ بيننا

فماذا لَقِينا من سَمِيّاتِها السُّمر

ولم أنْسَها يومَ الرَّحيلِ وقد لَوتْ

بتَسليمةِ التّوديع حاشيةَ السِّتر

وقلبي مع الرَكْبِ اليمانينَ رائحٌ

لقىً بين أيدي العيسِ في البلَدِ القَفر

أقولُ وإلْفي للوداعِ مُعانِقي

ولى دَمعةٌ غَيّضْتُها فهْي في نَحْري

أدِرْ لي كؤوسَ اللَّثْمِ صِرْفاً لعلّه

تَسيرُ المطايا عند سُكْري ولا أدْري

فلي عَبراتٌ إن أحسَّتْ بِبَيْنِكم

إذنْ تَركَتْ بحراً لكم جانبَ البَرّ

أأحبابَنا هَبْكمْ عُذِرْتُم على النَّوى

فهل لصُدودِ الطَّيْفِ باللّيلِ من عُذر

وما لِسَمائي بعدكمْ حار بَدْرُها

ألم يتَعلَّمْ سرعةَ السَّيْرِ من بَدري

ولِمْ ثَقُلَتْ ريحُ الصَّبا مُذْ رحلْتُم

وكانتْ برَدْعِ المِسْكِ طَيِّيةَ النَّشر

رَحلتُمْ فقرَّبتُمْ مشيبي من الصِّبا

هموماً وباعدتُمْ عِشائي منَ الفَجر

فبينَ بياضَيْ عارضِي لَمْعُ بارقٍ

وبين بياضَيْ ليلتي مَوعِدُ الحَشر

فهل من نَقيبٍ للّيالي مُوكَّلٍ

بأنْ يَنفِيَ النّومَ الدَّعِيَّ من العَصر

فيأخذُ مُذْ بِنتُمْ ليالِيَّ قاطِعاً

ذَوائبَها لم يَنتسِبْنَ إلى عُمري

فأيُّ فتىً جلّى الغداةَ شِكايتي

جلَوتُ لِما يوليهِ عند الرِّضا شُكرى

لدى مَلكٍ في الشُّمِّ من آلِ هاشمٍ

نَدي الوجْهِ سامي الطّرفِ مرتَهنِ البِشر

مَهيبٌ لدى النّادي مُرجَّى لدى النّدى

فيُمناهُ من يُمْنٍ ويُسراهُ من يُسر

تُشيرُ إليه هاشمٌ بأكُفِّها

إشارةَ أيدي النّاظرينَ إلى البَدر

وتأْوي إليه إن ألمّتْ مُلِمّةٌ

ويأْوي جَناحُ الطّيْرِ ليلاً إلى الوَكْر

يُظاهِرُ بينَ الرَّأْيِ والسّيفِ دونهمْ

كما شَيّعَ ابْنُ الغابةِ النّابَ بالظُّفر

تكاد الرّماحُ السُّمْرُ وهْي ذَوابلٌ

تَعودُ بكَفّيهِ إلى الوَرَقِ الخُضر

ويُعطي عِنانَ البرقِ ضمْنَ سحائبٍ

إذا هَزَّ عِطْفَ الأعوجِيّةِ بالحُضر

وما ثار ذو شِبلَيْنِ من دونِ غِيلِه

بعَينَيْنِ كالمَقْدودَتَينِ منَ الجَمر

كإذْكائه دونَ الخلافةِ طَرْفَه

مُدِلاًّ برأْيٍ يَقرُنُ النَّصْلَ بالنَّصر

ومَن مثْلُ ذي الفَخْرَينِ فَخْرٍ بنفسه

وفَخرٍ بمَنْ أبقَوا له غايةَ الفَخر

حلَلْتَ من العّباسِ جَدِّك يا ابنَهُ

بحيثُ يُرىَ العبَاسُ مِن جَدِّه عَمْرو

فتىً كلُّ حُبِّ المجدِ غُرّةُ وجههِ

فوشّحه بِيضاً بأيّامِه الغُرّ

فيُقْمِرُ هذا اللّيلُ بالبدرِ وَحْدَه

ولكنّه بَدْرٌ معَ الأنجُمِ الزُّهر

ملوكٌ تَسامَوا للعُلا وأَئمّةٌ

أُولو العزْمِ في أزمانهمْ وأُولو الأَمر

تَبدَّى اللَّيالي في تَتابُعِ مُلكِهمْ

كما يتَبدَّى السّلْكُ من خَلَلِ الدُّرّ

ولم يُرَ كالعبّاسِ قِدْماً وهاشمٍ

شَبيهانِ مَجْداً في مُلوك بني النّضر

فهذا الّذي تُغْنِي عنِ القَطْرِ كَفُّه

وهذا الذي يَأْتي مُحَيّاهُ بالقَطر

فدَتْكَ نظامَ الحَضرتَيْنِ منَ الوَرى

أكفُّ رجالٍ لا تَريشُ ولا تَبْري

وما حِليةُ الأَشرافِ إلاّ مآثرٌ

وهل حِلْيةٌ للمشرفيِّ سوى الأثر

ويا ذِروةَ الخُطّابِ عزّاً وقد سعَتْ

إليك هوىً فاطْرَبْ لغانيةٍ بِكْر

فما تَرتضِي إلاّ علاءكَ بَعْلَها

وما تَبتغِي إلاّ العنايةَ من مَهر

وأنّى تَرى كُفْوءاً كريماً من الوَرى

إذا عدَلَتْ بالوُدِّ عنك ابنةُ الفِكر

ولي خاطرٌ يُغْري بِوأْدِ بناتِه

على حُسْنِها من فَقْدِه كرَمَ الصِّهر

ولكنْ تَجلّى وجْهُ عَلياكَ طالعاً

فلم تَبْقَ منه اليومَ حسناءُ في خِدر

ولم أُهدِ للدّنيا ثنائي ولا أرَى

ولائي لكم إلاّ لآخِرتي ذُخري

وكم جُدْتُ بالنّفْسِ العزيزةِ فيكمُ

كجودِ أخي الإحسانِ للوَفْدِ بالوَفر

ولن أَكبُتَ الحُسّادَ إلاّ بنَظْرةٍ

من المَوقفِ الأَسْمَى الإماميِّ في أَمري

فصِلْني بهِ يا ابنَ الأكارمِ مُدنِياً

فما أنت إلاّ الباعُ من ذلكَ الصَّدر

وعشْ شَرفاً للدِّينِ ما حَنَّ شارِفٌ

ودُمْ ما تَروَّى الروَّضُ من دِيَمٍ غُزر

وخُذْ ليمينِ الدّولةِ السّمْحِ كَفُّه

سِرارَ مَعانٍ صيغَ من خالصِ الشِّعر

إليك اقتباساً يَنْتهِي كُلُّ فاضلٍ

كما مَجَّ أفواهُ الشِّعابِ إلى البَحر

فيا فاضِلاً يُولي الفواضلَ للورَى

ويا عارِفاً يَروِي العوارِفَ للحُرّ

إذا ما درَى الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى

فتَحسَبُه قد عاشَ في أوَّلِ الدَّهر

وتَحسَبُه قد عاش آخِرَ دَهْرِه

إلى الحشْرِ إن أبقَى الجميلَ من الذِّكر

فقد عاش كُلَّ الدَّهرِ مَن عاش بَعضَهُ

كريماً حليماً فاغتَنِمْ أَطْولَ العُمر

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

103

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة