الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » ظن الظنون فبات غير موسد

عدد الابيات : 48

طباعة

ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ

حَيْرَانَ يَكْلأ مُسْتَنِيرَ الْفَرْقَدِ

تُلْوِي بِهِ الذُّكُراتُ حَتَّى إِنَّهُ

لَيَظَلُّ مُلْقَى بَيْنَ أَيْدِي الْعُوَّدِ

طَوْراً يَهُمُّ بِأَن يَزِلَّ بِنَفْسِهِ

سَرَفاً وتَاراتٍ يَمِيلُ عَلَى الْيَدِ

فَكَأَنَّمَا افْتَرَسَتْ بِطَائِرِ حِلْمِهِ

مَشْمُولَةٌ أَوْ سَاغَ سُمَّ الأَسْوَدِ

قالُوا غَداً يَوْمُ الرَّحِيلِ وَمَنْ لَهُمْ

خَوْفَ التَّفَرُّقِ أَنْ أَعِيشَ إِلَى غَدِ

هِيَ مُهْجَةٌ ذَهَبَ الْهَوَى بِشَغَافِهَا

مَعْمُودَةٌ إِنْ لَمْ تَمُتْ فَكَأَنْ قَدِ

يَا أَهْلَ ذا الْبَيْتِ الرَّفِيعِ مَنَارُهُ

أَدْعُوكُمُ يَا قَوْمُ دَعْوَةَ مُقْصَدِ

إِنِّي فَقَدْتُ الْيَوْمَ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ

عَقْلِي فَرُدُّوهُ عَلَيَّ لأَهْتَدِي

أَوْ فَاسْتَقِيدُونِي بِبَعْضِ قِيَانِكُمْ

حَتَّى ترُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي أَوْ تَدِي

بَلْ يَا أَخَا السَّيْفِ الطَّوِيلِ نِجَادُهُ

إِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِ النَّزِيلَ فَأَغْمِدِ

هَذِي لِحَاظُ الْغِيدِ بَيْنَ شِعَابِكُمْ

فَتَكَتْ بِنَا خَلْساً بِغَيْرِ مُهَنَّدِ

مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الصِّبَا بَدَوِيَّةٍ

رَيَّا الشَّبابِ سَلِيمَةِ الْمُتَجَرّدِ

هَيْفَاءَ إِنْ خَطَرَتْ سَبَتْ وإِذَا رَنَتْ

سَلَبَتْ فُؤَادَ الْعَابِدِ الْمُتَشَدِّدِ

يَخْفِضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ تَخَتُّلاً

لِلنَّفْسِ فِعْلَ الْقَانِتَاتِ الْعُبَّدِ

فَإِذَا أَصَبْنَ أَخَا الشَّبَابِ سَلَبْنَهُ

وَرَمَيْنَ مُهْجَتَهُ بِطَرْفٍ أَصْيَدِ

وَإِذَا لَمَحْنَ أَخَا الْمَشِيبِ قَلَيْنَهُ

وَسَتَرْنَ ضَاحِيَةَ الْمَحَاسِنِ بِالْيَدِ

فَلَئِنْ غَدَوْتُ دَرِيئَةً لعُيُونِهَا

فَلَقدْ أَفُلُّ زَعَارَةَ الْمُتَمَرِّدِ

وَلَقَدْ شَهِدْتُ الْحَرْبَ في إِبَّانِهَا

وَلَبِئْسَ رَاعِي الْحَيِّ إِنْ لَمْ أَشْهَدِ

تَتَقَصَّفُ الْمُرَّانُ فِي حَجَراتِهَا

وَيَعُودُ فِيها السَّيْفُ مِثْلَ الأَدْرَدِ

عَصَفَتْ بها رِيحُ الرَّدَى فَتَدَفَّقَتْ

بِدَمِ الْفَوَارِسِ كَالأَتِيِّ الْمزْبِدِ

مَا زِلْتُ أَطْعَنُ بَيْنَها حَتَّى انْثَنَتْ

عَنْ مِثْلِ حَاشِيَةِ الرَّدَاءِ الْمُجْسَدِ

وَلَقَدْ هَبَطْتُ الْغَيْثَ يَلْمَعُ نَوْرُهُ

فِي كُلِّ وَضَّاحِ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ

تَجْرِي بِهِ الآرَامُ بَيْنَ مَنَاهِلٍ

طَابَتْ مَوَارِدُهَا وَظِلٍّ أَبْرَدِ

بِمُضَمَّرٍ أَرِنٍ كَأَنَّ سَرَاتَهُ

بَعْدَ الْحَمِيمِ سَبِيكَةٌ مِنْ عَسْجَدِ

خَلَصَتْ لَهُ الْيُمْنَى وَعَمَّ ثَلاثَةً

مِنْهُ الْبَيَاضُ إِلَى وَظِيفٍ أَجْرَدِ

فَكَأَنَّمَا انْتَزعَ الأَصِيلَ رِدَاءَهُ

سَلَباً وَخَاضَ مِنَ الضُّحَى فِي مَوْرِدِ

زَجِلٌ يُرَدِّدُ فِي اللَّهَاةِ صَهِيلَهُ

رَفْعاً كَزَمْزَمَةِ الْحَبِيِّ الْمُرْعِدِ

مُتَلَفِّتَاً عَنْ جَانِبَيهِ يَهُزُّهُ

مَرَحُ الصِّبَا كَالشَّارِبِ الْمُتَغَرِِّد

فإِذَا ثَنَيْتَ لَهُ الْعِنَانَ وَجَدْتَهُ

يَمْطُو كَسِيدِ الرَّدْهَةِ الْمُتَوَرِّدِ

وإِذَا أَطَعْتَ لَهُ الْعِنَانَ رَأَيْتَهُ

يَطْوِي الْمَهَامِهَ فَدْفَداً فِي فَدْفَدِ

يَكْفِيكَ مِنْهُ إِذَا أَحَسَّ بِنَبْأَةٍ

شَدُّ كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ الْمُوقَدِ

صُلْبُ السَّنابِكِ لا يَمُرُّ بِجَلْمَدٍ

فِي الشَّدِّ إِلَّا رَضَّ فِيهِ بِجَلْمَدِ

نِعْمَ الْعَتَادُ إِذَا الشِّفَاهُ تَقَلَّصَتْ

يومَ الْكَرِيهَةِ في الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ

وَلَقَدْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ بَيْنَ غَطارِفٍ

شُمِّ الْمَعَاطِسِ كَالْغُصُونِ الْمُيَّدِ

يَتَلاعَبُونَ عَلَى الْكُؤوسِ إِذَا جَرَتْ

لَعِباً يَرُوحُ الْجِدُّ فِيهِ وَيَغْتَدِي

لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ ما أَمَرَ الْهَوَى

فَكَلامُهُمْ كَالرَّوْضِ مَصْقُولٌ نَدِي

مِنْ كُلِّ وَضَّاحِ الْجَبينِ كَأَنَّهُ

قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ

بَلْ رُبَّ غَانِيَةٍ طَرَقْتُ خِبَاءَهَا

وَالنَّجْمُ يَطْرِفُ عَنْ لَواحِظِ أَرْمَدِ

قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيَّ فَضَحْتَنِي

فَارْجِعْ لِشَأْنِكَ فَالرِّجَالُ بِمَرْصَدِ

فَخَلَبْتُهَا بِالْقَولِ حَتَّى رُضْتُها

وَطَوَيْتُهَا طَيَّ الْحَبِيرَةِ بِالْيَدِ

مَا زِلْتُ أَمْنَعُهَا الْمَنامَ غَوايَةً

حَتَّى لَقَدْ بِتْنَا بِلَيْلِ الأَنْقَدِ

رَوْعَاءُ تَفْزَعُ مِنْ عَصَافِيرِ الضُّحَى

تَرَفاً وَتَجْزَعُ مِنْ صِيَاحِ الْهُدْهُدِ

حَتَّى إِذا نَمَّ الصَّبَا وَتَتَابَعَتْ

زِيَمُ الْكَواكِبِ كَالْمَهَا الْمُتَبَدِّدِ

قَالَتْ دَخَلْتَ وَمَا إِخَالُكَ بَارِحاً

إِلَّا وَقَدْ أَبْقَيْتَ عَارَ الْمُسْنَدِ

فَمَسَحْتُهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ فُؤَادُها

وَنَفَيْتُ رَوْعَتَهَا بِرَأْيٍ مُحْصَدِ

وَخَرَجْتُ أَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ مِنَ الْعِدَا

مُتَلَثِّمَاً وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ فِي يَدِي

فَلَنِعْمَ ذَاكَ الْعَيْشُ لَوْ لَمْ يَنْقَضِ

وَلَنِعْمَ هَذَا الْعَيْشُ إِنْ لَمْ يَنْفَدِ

يَرْجُو الْفَتَى فِي الدَّهْرِ طُولَ حَيَاتِهِ

وَنَعِيمِهِ وَالْمَرْءُ غَيْرُ مُخَلَّدِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1687

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة