الديوان » العصر العثماني » نيقولاوس الصائغ » قد زارنا الرحمن واتضح الهدى

عدد الابيات : 92

طباعة

قد زارَنا الرَحمنُ واتضحَ الهُدَى

وانثالتِ الأوثانِ وافتضحَ العِدَى

وحَظِي الأَنامُ بنِعمةٍ قُدسيَّةٍ

أَضحَى بها نَهجُ الخَلاصِ مُمَّهدا

هُوَذا الإِلهُ نراهُ مبتدئاً لنا

من مَولِدٍ وَهوَ القديمُ بلا ابتدا

وافَى بثوبِ الإِنسِ متَّشِحاً وقد

ملأَ العُفاةَ جَداً وفضلاً يُجتَدَى

مُتَدثِّراً ناسُوتَنا وَهُوَ الذي

مازالَ متَّشِحَ الضِياءِ كما الردا

عِقدَ الحيوةِ أناطَ في جِيدِ الوَرَى

وأَماطَ عنا وقرَ أَغلالِ الرَدَى

مَن لم يَزَل في عرشِ عِزِّ عَلائهِ

قد شاءَ في ذُلِّ الوِلادةِ مِذوَدا

هُوَ ذا العليُّ على البسيطةِ راقدٌ

وَهُوَ الذي في عرشِهِ لن يَرقُدا

في بيتِ لحمٍ حيثُ دارَ سوامُها

ثمَّ الإلهُ الابنُ مارسَ مَولِدا

عجبٌ عظيمٌيشدهُ الألبابَ إذ

ظهرَ الإلهُ برفدهِ مُتَجسِّدا

مُتنازِلاً مُتعالياً مُتذلِّلاً

مُتَشرِّفاً مُتَخضِّعاً مُتَمجِّدا

مُتَواضِعاً مُتَأَلِّما مُستَحقَراً

مُتَعاظِماً مُتَنعِّماً مُتَأَيِدا

بُشراكِ يا حَوّاءُ اصلَ بَلائِنا

كُفِّي النُواحَ فقد تَمَلَّكتِ الفِدَى

اليومَ أَصواتُ الملائكِ شُرَّعٌ

يَنحُونَ بالتمجيدِ رباً أَمجدا

يومٌ قَدِ اصطَحَمَت بهِ ثُوَبُ العَلا

يَحبُونَ تهليلاً يسوعَ السيِّدا

اليومَ حانَ من الضَلالِ نَجازُهُ

حَقاً وآنَ لنارهِ أَن تَخمَدا

اليومَ قد نُظِمَت عُقودُ فِدائِنا

وقدِ اغتَدَى عِقدُ الضَلالِ مُبدَّدا

اليومَ بُشِّرَتِ الرُعاةُ وقد أَتَوا

لِيُحقِّقوا العَجَبَ الفريدَ الأَوحَدا

ربٌّ أَتَى مُتَجسِّداً من بِكرِهِ

وخِتامُها باقٍ كما منها بدا

إِنَّ المُلوكَ الفارسيَّةَ أَشخَصوا عن

أَرضِهِم لمَّا لَهم نَجمٌ بدا

مَلكُونُ كِسبارُ السَرِيُّ وبَختَصا

لُ طَوَوا بعَسفِهِمِ السريعِ الفَدفَدا

نَجمٌ تَقَدَّمَهم يسيرُ تُجاهَهم

من مَشرِقٍ حتى استَبانُوا المِذوَدا

فَتَحوا كُنوزَهُمُ وقد أَهدَوا لَهُ

مُرّاً وذاكيةَ اللُبانِ وعَسجَدا

في بيتِ لحمٍ شاهَدُوا رَبّاً أَرَى

طِفلاً وضيعاً بالقِماطِ مُشدَّدا

داودُ تاقَ إلى وُرودِ مِياهِها

وشَكا اللُغوبَ وهل لذاك تقصَّدا

فأَراقَهُ لمَّا أَتَوهُ بهِ وما

إِن راقَهُ إذ لم يُرِدهُ تَعَمُّدا

ليُبِينَ توقاً لم يَكُن لوُرودِها

بل لِلَّذي سيَكُونُ أَفضَلَها يدا

رمزاً إلى ماءِ الحيوةِ ومَنبَعِ ال

حَسَناتِ رِيِّ الذائِبِينَ من الصَدَى

بحرِ المراحمِ والمكارمِ والغِنَى

كَنزِ المغانمِ والعظائِمِ والجَدا

أَعني بهِ الفادي مَعِينَ خَلاصِنا

عينَ المَفاخِرِ والمآثرِ والنَدَى

هِيرُودُسُ الخَثَّارُ ساءَ بقتلِهِ

أَطفالَ أَفراثاً وأَسرَفَ واعتَدَى

لمَّا رأَى المُغتالُ سُخرِيَةَ المَجو

سِ بهِ تَضرَّمَ قلبُهُ وتوقَّدا

قَتَلَ الصِغارَ منِ ابنِ ذي عامَينِ أو

ما دُونَ ذلكَ عاتباً مُتَمرِّدا

قد أَولَغَ الظُلَّامَ في حُكمٍ فأو

لغَ في حَشَى الأَطفالِ بالظُلمِ المُدَى

خَشِيَ استِلابَ المُلكِ منهُ لأَنَّهُ

يبغي الجَهُولُ بأَن يعيشَ مُخلَّدا

وأَرادَ أَن يُردِي بامرٍ رادَهُ

من قد تَنزَّهَ بالبَقاءِ عن الرَدَى

لم يَدرِ إِذ فَقَدَ الصَوابَ بانَّهُ

رَبُّ الممالك فَهوَ يَملِكُ سَرمَدا

وبهِ سيَفنَى كلُّ مُلكٍ زائِل

ويدومُ في المُلكِ العزيزِ مُؤَيَّدا

فاليهِ ثابَ الفهمُ لكن بعدَما

رشقَ السهامَ ومدَّ للبُؤسَى يَدا

راحيلُ طالَ نحيبُها وزفيرُها

ثكلاءُ قد أَبَت العزاءَ على المَدَى

تغضِي الجُفونَ من السُهادِ على القَذَى

من مَدمَعٍ في خَدِّها قد خَدَّدا

جَفنٌ نَبا فأَبَى يُلِمُّ غِرارُهُ

مُتَرقِّباً زُهر الدُجَى مُتَسهِّدا

ملأَت نواحيَ رامةٍ نَوحاً على

أَطفالِها وأَسىً يُذِيبُ الأَكبُدا

أَمرَ الإِلهُ الآبُ يُوسُفَ في الكَرَى

خُذ مريماً والطِفلَ واهرُب مُبعِدا

والبَث مُقِيماً في حِمَى مِصرٍ إلى

زَمَنٍ يعودُ العَودُ فيهِ أحمدا

لمَّا ثَوَوا في أرضِ مِصرٍ غادَروا

أَصنامَها دكاً ومرآها سُدَى

فغَدَت رُبَى الطِغيانِ رسماً دارساً

فيها ورُكنُ الدِينِ عادَ مُشيَّدا

وغدا اليقينُ مسوَّماً والحقُّ سا

رَ مُقوَّماً والكُفرُ ظلَّ مبدَّدا

أَمسَى طريقُ الخوفِ مسدوداً ونَهجُ

الأَمنِ من كلِّ الجِهاتِ مُسدَّدا

وغدا سبيلُ اللَه مفتوحاً لَمن

يَبغِي السُلوكَ بهِ وكانَ مُوصَّدا

هذا هُوَ الحقُّ الصُراحُ وإِنَّني

ما زِلتَ فيهِ مُبرهِناً ومُقلِّدا

جَمَدَت بِحارُ الغَيِّ من آياتِهِ ال

فُضلَى وكادَت قبلُ أَن لا تَجمُدا

لم يَتَّقِ ابنُ اللَهِ إِمرةَ غادرٍ

فيما تَهدَّد ظالماً وتَوَعَّدا

إِلَّا لنُوغِلَ يالتَنائي حينما

تَقَعُ الحوادثُ والبَلاءُ ونَحفِدا

عَتَقَ الأَنامُ من الخَطاءِ بآدَمٍ

لكن بمِيلادِ المسيحِ تجدَّدا

ولقد حُبي حُسنَ التَخَلُّصِ من ضَلا

لتهِ وعادَ بمريمٍ مسترشِدا

بكرٌ سَمَت شأوَ المعالي مُذ عَلَت

أَقدامُها مَتنَ السُهَى والفَرقَدا

وَلَدَت وقد لَبِثَت بتولاً مِثلَما

كانت ومازالت على طُولِ المَدَى

كم قد هَدَت ضُلاً إلى دِينِ ابنِها

آياتُها فمُخَضرَماً ومُولَّدا

وَلَجُوا بدِينِ اللَهِ أَفواجاً فإِن

مُتَمجِّساً قد كانَ أو مُتَهوِّدا

أنذرت ذاتي وقف حب كمالها

وجمالها أمسي ويومي بل غدا

ما نَسمةٌ سَحَريَّةٌ قد أَوَّدَت

بهُبوبِها قَدَّ الأَراكِ الأَملَدا

والغُصنُ لمَّا صَفَّقَت راحاتُهُ

غنَّى لهُ الطَيرُ الأَغَنُّ وغَرَّدا

والروضُ يزهو نَورُهُ بكِمامِهِ

حتى غدا للبَسطِ أَشرَفَ مُنتدَى

والزُهرُ تُجلَى والأَزاهرُ تنجلي

والعُودُ إِن أَهدَى الشَذا وان شَدا

بأَجَلَّ من إِنعامِ مريمَ مَن بها

بالفضل حقاً قد يُؤَمُّ ويُقتدَي

نَفِدَ المِدادُ وكلَّ عن أوصافها

لُسُنُ الوَرَى ونُعوتُها لن تَنفَذا

يا تَيمَن اللَهِ التي منها أَتَى

قَمَرُ المَشارقِ مَن بهِ الضالُ اهتدى

يا بنتَ داودَ التي لاحت لهُ

جبلاً تَفرَّدَ بالعُلى وتَوحَّدا

يا جَرَّةً قد ضُمِنَّت مَنَّ الحيو

ة وجِزَّةً قَبِلَت مَنَ الرُوحِ النَدَى

ما شاهَدَ الآياتِ منكِ مُوفَّقٌ

إِلَّا ودانَ لصِدقِها وتَشهَّدا

كَلَّا ولم يُبصِر مَراحِمَكِ امرُؤٌ

إِلَّا وعادَ مُكبِّراً ومُوحِدا

ردي طريداً خائفاً مستأنساً

أجَمَ المعاصي عن حماكِ مُشرَّدا

وأقضي بنوركِ ظلمتي وظلامتي

كرماً فزندُ الرُشدِ مني أَضلدا

ولقد غَدَوتُ بلا اكتفاء فارمُقِي

رَمَقي فاني قد رَجَوتُكِ ما عَدا

يا خيرَ عالِمةٍ بما أَحتاجُهُ

دُونَ الهُتافِ فلا احتِياجَ إلى النِدا

إِن كُنتِ عَوني يا بقولةُ في الوَرَى

لم أَخشَ من كَبدِ العَدُوِّ ولو عَدا

يا مَن غَزَت كيدَ العَدُوِّ بسطوةٍ

ما مارسَت فيها قَناً ومُهنَّدا

تاللَهِ إني لا أُصِيحُ لعاذلِ

فيها وحاشا ان أُطِيعَ مُفنِّدا

يا حاسدُ اقصِر فالمَحَبَّةُ شِيمتي

ومَحَبَتَّي لا تستطيعُ الحُسَّدا

أنا لا أُداري الحاسدينَ فكُلَّما

داريتُ أَخلاقَ اللئيم تَمرَّدا

أَنعِش فُؤَادي يا سميرُ بمدحِها

وذرَنَّ إِسحقَ النديمَ ومعبَدا

وانثُر على سَمعي نِظامَ قريضِها

وَدَعِ الفَرَزدَقَ يستهيمُ واحمدا

ما جادَ فِكري في مدائحِ جُودها

إِلَّا وكانَ بهِ المديحُ مُجوَّدا

يَترَنَّمُ الحادي بهِ فتَمُدُّ بال

آذانِ والسيرِ المَطِيُّ إذا حَدا

طُوباكِ يا غَوثَ الوَرَى طُولَ المَدَى

ما دامَ فضلُكِ للخلائقِ مُرفِدا

طُوباكِ ما أحيىَ الظلامَ مُجاهدٌ

بِعبادةِ ابنكِ جاثماً مُتَهجِّدا

وعليكِ من ربّي التحيةُ والرضى

ما حنَّ إِلفٌ للقاءِ تودُدا

وزَهَت بسُندُيِها الرياضُ وقد سقى

عَذَباتها صَوب العِهادِ تَعَهُّدا

وسرى النسيمُ مصافِحاً زَهرَ الرُبى

سَحَراً وغنَّى العندليبُ وغرَّدا

وغدا نِظامُ المدحِ فيكِ لآلئاً

كَرُمَت فباهت جوهراً وزَبَرجَدا

حُمِدَت مبادئُهُ فكانَ خِتامُهُ

مسكاً يزِينُ المُنتهى والمُبتَدا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نيقولاوس الصائغ

avatar

نيقولاوس الصائغ حساب موثق

العصر العثماني

poet-nicolaos al-sayegh@

342

قصيدة

28

متابعين

نيقولا (أو نيقولاوس) الصائغ الحلبي. شاعر. كان الرئيس العام للرهبان الفاسيليين القانونيين المنتسبين إلى دير مار يوحنا الشوير. وكان من تلاميذ جرمانوس فرحات بحلب. له (ديوان شعر - ط) وفي ...

المزيد عن نيقولاوس الصائغ

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة