الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » قالت سمعت أن حرا ضاعا

عدد الابيات : 108

طباعة

قالت سَمعت أَن حُراً ضاعا

في بَلدة حَل بِها وَجاعا

فَظَل أَياماً حَليف مسجد

لَم يَرَ في جيرانِهِ مِن مسعد

حَتَّى إِذا كادَ يَموت جوعا

وَهَجر القَرار وَالهُجوعا

قالَت لَهُ وَعنفته نَفسه

عَجز الفَتى عَن الحَياة نَحسه

اطلب حطاماً يحفظ الحياتا

إِنَّ الشقي فاعلمن مَن ماتا

اخرج فَسَل فذلة السؤال

خَير مِن المَوت بِكُل حال

قالَ لَها بَل الحَمام أَحلى

مِن السُؤال مَورِداً وَأغلى

فَإِن قَيس بن زُهير طَلَبا

وَهوَ كَبير السن لَما سَغبا

فَرده القَوم وَما أَعطوه

قوتاً وَفَروا مِنهُ إِذ رَأوه

فَقالَ نَفس رَضيت بِالذل

وَخَضَعت طالِبَة لِلأَكل

جَديرة بِأَن تَموت جوعا

فَلَم يَذُق مِن مَطعَم أسبوعا

وَماتَ جوعاً وَرثته النائِحة

وَذَكرت ما كانَ مِنهُ شارِحه

لكنني سَأَبتَغي وَأطلب

وَطافَ في الطرق وَكانَ المَغرب

فَجاءَ باب رَجل بقال

لُه ثَراء ظاهر ذو مال

فَقالَ للقوم عموا مَساء

من طَلَب القوت فَما أَساء

ضَيف غَريب ما لَهُ عَشاء

قَد حشيت بِجوعه الأَحشاء

وَصاحب الدار عَلى الطعام

وَكانَ ذاكَ لَيلة الصيام

فَأَخَذَت زَوجته رَغيفا

وَبادَرَت لِتُطعم الضعيفا

فَغضب الزوج عَلَيها وَوَثب

بِالسوط وَاِشتاطَ وَقالَ في الغَضَب

جَزاؤكَ الطلاق عَن ذا الفعل

فَلَست لي مِن بَعد ذا باهل

فأنكر المسكين باب الدار

وَعادَ في ذُل وَفي انكِسار

يَقول لم طلقت الظعينه

بِسَببي وَباتَت المسكينه

وَباتَ في مَسجده وَقَد عَزم

عَلى الردى جوعاً وَلِلعَيش حسم

فَاِجتَمع الجيران للصلاة

وَذَكَروا مَصارف الزكاة

وَقالَ كُل إِن عِندي حَقا

للَّه حَسبي منع ذاكَ فسقا

قالَ الإِمام إِنَّ هَذا الرجُلا

أَحَق بِالحَق فَخلوا العللا

فَجَمَعوا مِن الزكاة أَلفا

فَجاءهُ الشَّيخ بِها وَخَفا

فَباتَ بَعد البُؤس وَالضرَّاء

ذا ثَروة في الخَصب وَالرخاء

حَتَّى إِذا الحَول عَلَيهِ حالا

تَضاعف المال لَهُ أَموالا

وَباكر السوق وَعادَ تاجِرا

وَلَم يَكُن بَينَ التجار خاسِرا

وَصارَ في مَشايخ التجار

مُقَدما في الباعة الكِبار

قالَ لَهُ شَيخ مِن الجِيران

هَل لَكَ في خود مِن النسوان

صبية فائِقة الجَمال

كَالبَدر وَالقَضيب وَالغَزال

حَتّى إِذا ما أهديت إلَيهِ

وَنَفَضَت مِن حُسنِها عَلَيه

وَجَلَسا يَوماً عَلى الطعام

وَاِستَظهَرا في الشُرب للمدام

جاءَ إِلى الباب فَقير يَسأَل

قالَت لَهُ الزوجة ما لا يجمل

اللَّهُ يُعطيكَ فَلَيسَ عِندي

لِكُل مَن يَسأل غَير الرَد

فَغَضب الزَّوج عَلَيها وَوثب

يوسعها مِن قَولِها ضَرباً وَسَب

وَناول المسكين ما فَوقَ الطبَق

جَميعه مِن العِراق وَالمَرَق

وَقالَ ما عُذرك يا رَقيعه

في هَذِهِ المَقالة الشَّنيعه

قالَت لَهُ إِني أَنلت سائِلا

ما لَم يَكُن إِذا اِعتَبَرت طائِلا

وَكانَ لي بَعل سِواك فَغضب

وَعادَ حبل الوَصل مِنهُ مُنقَضب

قالَ لَها وَعرفَ الحَديثا

لا تَذكُري لي السفله الخَبيثا

قالَت لَقَد ماتَ وَأَنتَ سالم

وَإِنَّهُ مِن وَقتِهِ لَنادم

فَسَجَدَ الزوج وَقالَ شُكراً

لَيسَ يَجُر النكر إِلا النكرا

هَل تَعرِفين ذَلِكَ الفَقيرا

لما أَتاكُم بائِساً ضَريرا

إِني أَنا ذاك الفَقير البائس

وَلَيسَ مِن لُطف الإِله يائس

الحَمدُ للَّه الَّذي أَعطاني

مَكانه وَبالغنى حَباني

وَدارَهُ وَعُرسه وماله

فَخافَ لَما سَمع المَقاله

فَجاءَني الديك وَقالَ ما الَّذي

تَشكو وَماذا تَشتَهي وَتَغتَدي

قُلت لَهُ إِني عَليل ضمن

ملقى بِلا ريش أَسير زَمَن

قالَ وَمَن ذا نالَ منكَ قُل لي

وَاصدق إِذا حَدثتَني في الكُل

فَحينَ أَوضَحت جَميع أَمري

نَحا إِليَّ جاهِداً بالنقر

يَضرِبُني ضَرب مغيظ محنق

إِن الشقاء نازِل عَلى الشقي

وَقالَ شلت يَده لم تَرَكك

تَباً لَهُ ما بالهُ ما أَهلكك

فَالقَتل عِندي بَعض ما تستَوجب

تركك يا فاسق لا يَستصوب

وَالآن قَد جئت إِلى حريمي

أَخرج إِلى العَذاب وَالجَحيم

وَجر رجلي بَعدَ ما أَوجَعَني

ضَرباً وَمَكروه الأَذى أسمَعني

فَقمت لا أَعرف أَين أَذهب

حَيران في مَقاصِدي مذبذب

ثُم لَقيت في طَريقي ثَعلَبا

فَحدت عَن طَريقه لأهربا

فَمَن لي مِن خَلفي اِبن آوى

وَأكلب ضارية تعاوى

فَقُلتُ مَن لي بِالخَلاص وَالهَرَب

ثُم دَعَوت اللَّه كَشاف الكرب

فَهوَ لَطيف بِالوَرى مُجيب

عِندَ القُنوط الفَرج القَريب

فَقَصَدت أَخذي وَشدت كلها

وَلطف رَبي وَحده يغلها

حَتَّى إِذا يَئست مِن حَياتي

وَلَم يَبن لي سَبب النجاة

فَاِختَصَمت في أَيُّها يَصيدني

وَقَد أَتَت وَكُلها تريدني

فَاِنسبتُ لَما شُغلوا في أجمه

حُلَفاؤُها مطبقة مُرتَكمه

وَظلت فيها مُدة حَتّى نبت

ريش جَناحي بَعدَ ما كانَ انسلت

فَذاكَ مِن كُل عَجيب أَعجَب

وَلَيسَ في الأَيام ما يستَغرب

فَهات حدثني عَن أَموركا

وَاظهر المَكنون مِن تاموركا

فَقالَ لي سرحت أَبغي الرعيا

وَلَم أَكُن بِمَطلَب لأَعيا

فَاِضطرني الليل إِلى ناووس

فبت ضَيف البوم ذي النحوس

فَقدم الطعام وَالشرابا

وَأظهر الإكرام وَالإعجابا

وَقصَّ ما لاقى مِن العَظائم

وَقالَ حدثني غَير آثم

حَتّى إِذا نامَ وَقَد أَسكَرتهُ

قَتلت فرخيه وَما شَكرته

وَما علمت أنَّهُ يريدني

بِذَلك القَول وَلا يَكيدني

وَنمت سُكراً وَالعَجوز قائله

لا تَرقُدن قُلت اسكتي يا جاهله

قالَت قَبيح نَوم رَب المَوضع

وَضيفه مُستَيقظ لَم يهجَع

وَغَلب السكر فنمت فوثب

إِلى فِراخي فَلَقوا مِنهُ العطب

قالَ لَهُ الطاووس بئس ما صَنَع

وَإِن ما حَكيته مِن البَدع

وَلَيسَ ذا مِن عادة الكِرام

الغَدر بَعدَ الود وَالطعام

وَما عَرَفنا مثله في جنسنا

عُقولنا أَولى بِنا مِن حسنا

لَعله صاحب يَوماً صاحِباً

علمه الفسوق وَالمعايبا

فَصحبة الأَشرار داء يعدي

مثل السجايا عَن أَب وَجد

فَسمه وَانسبه إِن عَرفته

لعله يَعرف إِن وَصفته

فَقالَ سمى نَفسه صَبيحا

وَقالَ يُدعى وَالدي مَليحا

وَكانَ يُكنى بِأَبي قماش

مؤتمن الطير عَلى الأَعشاش

وَمَنزلي جَزيرة الصقالبه

مَشهورة في بَلَد المَغارِبَه

فَكُنتُ رَب نعمة وَمال

وَثَروة جار عَلَيها الوَالي

لأَن حُسادي إِلَيها دَبوا

وَالمال عندَ الفُقَراء ذَنب

فَاِجتَهَدوا جَميعهُم في قَلعِها

فَبَلغوا ما طَلَبوا مِن نَزعِها

وَكانَ حُسادي بِها صنفين

كِلاهُما مُجتَهد في حيني

وَبَعضهُم أَفسَده الإكرام

وَبِالجَميل تُفسد اللئام

لأَنني قَدمتهُم لِجَهلي

لِشَهوَةٍ وَشُبهَةٍ بَدَت لي

آثرتهُم عَلى جَميع الطير

حَتَّى إِذا خَصصتهم بِالخَير

بَغوا وَظَنوا ذاكَ بَعض حَقهم

وَإِنّهُ فَرض لَهم بِرزقهم

لأَحمد لي فيهِ عَليهم يَجب

إِذ هُو رزق للأنام يغلب

كَذاكَ مَن يَصطَنع الجهالا

وَيُؤثر الأَرذال وَالأنذالا

وَبَعضهُم أَقصيته بِالظن

وَكَثرَة الإِفساد بِالتجني

لأَن طَبعي كانَ يَنبو عَنهُم

سَجية وَيَشمَئز مِنهُم

وَلَم أَكُن أحبهُم بِالطبع

فَلَم أَزَل أَخصهم بِالمَنع

وَمِنهُم أفاضل كِرام

لَهُم عُقول وَلَهُم أَحلام

فَاحفَظتهم جَفوَتي فَغَضِبوا

إِن الجَفاء لِلتعادي سَبب

لا سِيما وَقَد رَأوا تَقريبي

من لَيسَ بِالحر وَلا الأَديب

فَإِنَّهُ لَن يُفسد الأَحوالا

وَيوحش الأَحرار وَالرِّجالا

شَيء كَتَفضيل الدنيء الناقص

وَالبر للشهوة لا الخَصائص

وَإِن من يَمنعُ الغَريبا

وَيَحفظُ البعيدَ والقَريبا

يَستَوجب التعنيف وَالملامة

وَفعله مثل أَبي نعامه

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

79

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة