الديوان » العصر العباسي » ابن نباتة السعدي » ألا من لقلب بالحياة يعذب

عدد الابيات : 60

طباعة

ألا مَن لقلبٍ بالحياةِ يُعَذَّبُ

وجسم بأسيافِ السّقام يُضَرَّبُ

وخطبٍ على خطبٍ لقِيتُ لو أنّهُ

أصابَ شَماماً كانَ في التُّربِ يُحْسَبُ

لِيَنْدَمَ من باعَ المذلّةَ عِرضَهُ

فَما العيشُ عندي بالمذلّةِ طَيِّبُ

إلى كم تُرى في العِزِّ أدأبُ جاهِداً

لدَهري ودَهري في امتهانيَ يَدْأَبُ

ولمّا أقُدْ يوماً أغَرَّ مُحَجَّلاً

تَجِدُّ به الخَيلُ العِتاقُ وتلعبُ

فَيا لهفَ نفسي بعدَ ذلكَ لهفةً

على قمرِ بينَ الجوانحِ يُحْجَبُ

يلومونَ في دمعٍ تصبّبَ أثْرَهُ

وقَلّ له منّي دَمٌ يتَصبّبُ

سَقى اللهُ وصلاً لم تُدنّسْهُ هَجْرَةٌ

ولم يَبتذِلها في حِماهُ المؤنَّبُ

ويومَ وقفنا للتّفرقِ وَقفةً

غَدا السِّحرُ من ألحاظِنا يتعجّبُ

أرَيْنا ظَنونَ الحيّ بَردَ قُلوبنا

وأحشاؤنا من حَرِّها تتلهَّبُ

غَداةَ اختلطنا بالشّوامتِ منهم

ولم ندرِ مَنْ مِنّا إلى الحُبِّ أقْرَبُ

أذَلكَ أمْ يومٌ تركنا عَذولَهُ

يُعَنِّفُ فينا عَذلَهُ ويؤنِّبُ

توافت به أنفاسُنا ودموعُنا

فلم يدرِ منّا من يلومُ ويعْتِبُ

ومُستركبٍ جيشَ الظنونِ لفقدِهِ

له أينَما يمّمتُ أفعى وعَقْرَبُ

شددتُ قوى حِلمي بجهلٍ جَهلتُه

عليه وبعضُ الشّرِّ للخيرِ أجلَبُ

خليليّ لي من عَزمتي دونَ إخوتي

أخٌ هو أحفى بي ودون أبي أبُ

تعلمتُ حتى لم أدَعْ متَعلّماً

وجربتُ حتى لم أجدْ ما يُجْرَّبُ

وأدّبني دهرٌ تكُرُّ صُروفُهُ

عليّ وصَرفُ الدّهرِ نِعمَ المؤدِّبُ

ونحنُ بنو الدُنْيا نروحُ بِهامِها

وتغْدو على هاماتِنا تتقلّبُ

تُقَسِّمُ فينا قِسْمَةً عَجْرَفِيّةً

وكلٌّ إليها بالمطامع أشْعَبُ

فجُهّالُنا فيها على الخيلِ تركبُ

وألبابُنا فيها تُجَرُّ وتُسْحَبُ

تعرضتُ للأحزانِ حتى ألفتُها

وحتى كأنّ الحزنَ شيءٌ مُحَبَّبُ

كأنّ اللّيالي لم تفوضْ أمورَها

إليّ وفيها عن سِوايَ تَنكَّبُ

وإني لأخْشى أنْ أموتَ ولا أرى

ببالَ أوداجَ الأعاجمِ تُشْخَبُ

أشُنُّ عليهم غارةً تَرِدُ الرّدى

وتَسرجُ أمرَ اللهِ فيهم وتَركَبُ

ويضمَنُ لي دَهري بلوغَ مطالِبي

متى كانَ لي يا دهْرُ عندكَ مَطْلَبُ

بأيِّ رفيعٍ من حظوظكِ أرتَضي

وفي أيِّ جَمٍّ من عَطائِكِ أرغَبُ

تعجبتُ من أشياءَ فيكَ تَريبني

وأعجبُ منها أنّني فيكَ أعجبُ

ألِكْني إلى آل المهلّبِ إنهم

لأَرفَعُ من زهرِ النّجومِ وأثقَبُ

إذا سَلبوا الأموالَ مَنْ شَنّ غارةً

أغارَ عليها المُجتدونَ ليسلبُوا

فلازالتِ الأملاكُ تطلُب رِفدَهم

فتُدنى وتُعطى فوقَ ما تتطلَّبُ

ولا برِحَتْ حمرُ المَنايا وسودُها

إلى بأسِهم يومَ الوَغى تتحزَّبُ

فما استمطروا للجودِ ألاّ تدفقوا

ولا استصرخوا للطعن ألا تلببوا

إليكَ أمينَ اللهِ في الأرضِ شمّرَتْ

عزيمةُ صُبحٍ بالدُّجى تتَجَلْبَبُ

يَرى حَظَّهُ مُتأخّراً وهو أوّلُ

وآمالَهُ مَغلوبةً وهو أغْلَبُ

وأنتَ شَبابٌ للذي شابَ مُقْبِلٌ

إليه وجَدٌّ للذي خابَ مُنْجِبُ

تقودُ أبياتِ الأمورِ كأنّها

إليكَ أسارَى في الأزمَة تُجنبُ

وتفتحُ أقفالَ الغُيوبِ بصارمٍ

من الرأيِ يخشى الغيبُ منه ويَرْهَبُ

وتطعنُ في صدرِ الكتائبِ مُعْلِماً

كأنّكَ في صدرِ الدّواوينِ تكتُبُ

كفى وزراءَ الملكِ في الناسِ مَفخَراً

بأنّكَ منهم حينَ تُعزى وتُنسَبُ

كَما قد كَفى الأبطالَ بأساً ونجدَة

بأنْ قيلَ منهم في الهياجِ المُهَلَّبُ

ويوماكَ يومٌ للعُفاةِ مذَلَّلٌ

ويومٌ على الأعداءِ منكَ عَصَبْصَبُ

إذا حوّمَتْ فوقَ الرماحِ نُسورُهُ

أطارَ إليها الضّربُ ما تترقّبُ

فداؤُكَ أهلي والجهادُ منابرٌ

وأبطالُها بالمَشرفيّةِ تُخْطَبُ

وقد شمرتْ عن ساقِها الحربُ ذيلَها

وقرَّ لها الحامي وكَلَّ المُؤنِّبُ

أذُمُّ زياداً في رَكاكَةِ رأيِهِ

وفي قولِهِ أيُّ الرجالِ المُهَذّبُ

وهل يحسن التهذيب منك خلائِقاً

أرق من الماءِ الزلالِ وأعذَبُ

تكلم والنّعمانُ شَمْسُ سمائِهِ

وكلُّ مليكٍ عندَ نعمانَ كَوكَبُ

ولو أبصرتْ عيناهُ شَخْصَكَ مَرّةً

لأبصرَ منه شَمْسَهُ وهي غَيْهَبُ

إذا ذُكِرَتْ أيامُكَ الغُرُّ أظْلَمَتْ

تَميمٌ وقيسٌ والرّبابُ وتَغْلِبُ

وخاسَ لها عدنانُ في الأرضِ قاعداً

وقام لها فوقَ السمواتِ يَعْرُبُ

أتيتكَ والأملاكُ تَطلُبُ فَخْرَها

بمدحي ومدحي نحوَ فخرِكَ يَهْرُبُ

لقد صرّحوا بالمالِ لي وهو هاكَ ذا

وقد عَرضوا بالقولِ لي وهو مَرْحَبُ

ولستُ أرى كسبَ الدراهِمِ نافِعي

إذا لم لكنْ لي في المكارِمِ مكْسَبُ

ولي همّةٌ لا تطلُبُ المالَ للغني

ولكنّها منك المودّةَ تطلُبُ

فمُرْني بأمرٍ يترُكُ الجوَّ شاحباً

وسمرُ العَوالي بالدِّماءِ تَخَضَّبُ

فلو خالفَ المقدادُ أمركَ لم يكنْ

له أبَدَ الأيامِ في النّاسِ مذهَبُ

وكن لي في المأمولِ منكَ مُجَرِّباً

لتعلمَ ما آتي وما أتجنَّبُ

فإنْ كانَ قولي دونَ قدركَ قَدرُهُ

فما أنا فيه بامتداحِكَ مُذْنِبُ

إذا كانتِ الأشياءُ دونَكَ كلُّها

فغَيْرُ مَلومٍ أنْ يقَصّرَ مُسْهَبُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن نباتة السعدي

avatar

ابن نباتة السعدي حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Nabata-Al-Saadi@

291

قصيدة

91

متابعين

عبد العزيز بن عمر بن محمد بن نباتة التميمي السعدي، أبو نصر. من شعراء سيف الدولة ابن حمدان. طاف البلاد، ومدح الملوك، واتصل بابن العميد (في الري) ومدحه. قال أبو ...

المزيد عن ابن نباتة السعدي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة