الديوان » العصر الأندلسي » ابن وهبون » سبق الفناء فما يدوم بقاء

عدد الابيات : 49

طباعة

سَبَق الفناءُ فما يدومُ بقاءُ

تفنى النجومُ وتسقطُ البيضاءُ

نفسي وحسّي إن وصفتهما معاً

آلٌ يذوبُ وصخرةٌ خلقاءُ

لو تعلمُ الأجبالُ كيف مآلها

علمي لما امتسكت لها أرجاء

إنا لنعلمُ ما يراد بنا فلم

تعيا القلوبُ وتُغلَب الأهواء

طيفُ المنايا في أساليب المنى

وعلى طريق الصّحة الأدواء

بتعاقبِ الأضداد مما قد ترى

جُلِبَت عليك الحكمةُ الشنعاء

ماذا على ابنِ الموت من إبصاره

ولقائِهِ هل عَقَّتِ الأبناء

أيغرُّني أن يستطيل بيَ المدى

وأبي بحيثُ تواصتِ الغبراء

لم ينكرُ الإنسانُ ما هو ثابتٌ

في طَبعِهِ لو صحَّتِ الآراء

ونظيرُ موتِ المرء بعد حياته

أن تستوي مِن جنسه الأعضاء

دنِفٌ يبكِّي للصحيح وإنما

أمواتُنا لو تشعرُ الأحياء

وسواءٌ أن تجلى اللحاظُ من القذى

أو تنتضَى من شَخصها الحَوباء

ما النفسُ إلا شعلةٌ سقطت إلى

حيثُ استقلَّ بها الثرى والماء

حتى إذا خلصت تعودُ كما بدت

ومن الخلاصِ مشقَّةٌ وعناء

كذبت حياةُ المرءِ عند وجودها

وُجِدَ الحمامُ ومنه كان الداءُ

لله أيُّ غنيمةٍ غَنِمَ الردى

ومن الفجائع غارةٌ شعواء

من كان غُرَّةَ جنسه حتى امحت

فإذا البريّة كلُّها دهماء

جبلٌ تقوَّضَ لو تشخَّصَ عظمه

لتواصتِ الغبراءُ والخضراء

ومَغيضُ ما قد غاض منه شاهدٌ

أن لا يدومَ بحالهِ الدأماء

أكبرتُ نَعيَ جلالِهِ فنفيتُهُ

وهو الجليّةُ ما عليه خفاء

مات ابنُ عيسى مَن يقول به عسى

شفقاً وليس مع الحمام رجاء

أفلا حَمَتهُ فضائلٌ موفورةٌ

وجلالةٌ تعنو لها العظماء

وأذمَّةٌ في سرِّ لخمٍ طالما

خَدَمَت رعايةَ حقّها الأمراء

شهروا سلاحَ الدّمعِ خَلفَ سريرِه

إذ لم يكن للباترات غناء

رُحنا به بل بالسيادةِ والعلا

والشمسُ نجمٌ والنهارُ مساء

نطأ القلوبَ على سواءِ سبيله

فالسيرُ مَهلٌ والعثارُ ولاء

أخذَ الأسى فيه البرود بثاره

مما جناهُ الزَّهوُ والخيلاء

حتى إذا بلغوا به ملحودَهُ

قمنا به لو أنَّه الجوزاء

ضرب الهدى في لحدِهِ بيمينه

فتناولَتهُ عَرصَةٌ فيحاء

وأظلَّه التنزيلُ يتلو نفسه

بتلاوةٍ لم يؤتها القرّاء

مستصحباً أعمالَهُ متأنّساً

بزواهرٍ هيَ والنجومُ سواء

ولربما استخلصتَ منا أنفساً

ملأت ضريحَك والصدورُ جلاء

وهناك لو كُشِفَ الغطاءُ لناظرٍ

حول القليبِ حديقةٌ غنَّاء

في الجبّ إذ يحوي سميَّكَ أسوةٌ

لو حُمَّ منك وقد حُجِبتَ لقاء

يا تُربَةُ استبقي سناه ويا فلا

لا تَلحَقَنكَ جريمةٌ شنعاء

الله فيَّ وفي جوانحَ رطبةٍ

لم تخلُ من شفقاتها الأعداء

أبنيه نحن وأنتمُ شرعٌ به

وعلى المصابِ بفقدِهِ شركاء

هزُّوا قوادمكم إلى عليائه

قد رَشَّحَت أبناءها الفتخاء

أمَّا وقد شبهتُ ماثلَ رَسمِهِ

سطرا فثمَّ الحكمة الغرّاء

واعجب لذاك الخطِّ في صفح الثرى

أن حاز علماً ما له إحصاء

أنَّى وسعتَ وأنت مضجعُ واحدٍ

مَن هذه الآفاق مِنهُ ملاء

يا زائريه تكحلوا بصعيدِهِ

كُحلُ البصائرِ تلكمُ البوغاء

فَغَرَت له فاها الجدالةُ فانطوى

في طيّها الإسهابُ والإيماء

قَسَمَ الأنامُ تراثَ علمك فاستوى

في نَيلِهِ البُعَداءُ والقرباء

كنَّا عبيدَكَ في اعتقادِ نفوسنا

إذ في اعتقادك أنَّنا أبناء

يا مُلبَسَ النُّعمى يجرُّ ذيولها

لبست ثراكَ غمامةٌ وطفاء

وبكت عليك الشمسُ حقَّ بكائها

أن كان قد تتفاقد النظراء

خُذها عُلالَةَ خاطرٍ دلّهتَهُ

من حيثُ ينشطُ جاءَهُ الأعياء

قامت تناوِحُ فيك كلَّ قصيدة

ثَقَّفتُها وقناتُها زَورَاءُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن وهبون

avatar

ابن وهبون حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Wahbon @

52

قصيدة

69

متابعين

عبد الجليل بن وهبون، الملقب بالدمعة المرسي، أبو محمد. أحد الشعراء الأدباء الفحول المجيدين في الأندلس، قال ابن بسام في ترجمته: شمس الزمان وبدره، وسر الإحسان وجهره، ومستودع البيان ومستقره، أحد ...

المزيد عن ابن وهبون

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة