محدقاً إلى السقف، واضعاً يدي على خدِّي، كمن يتلصَّص على فكرة بيضاء، أو يتربص بإشراقة وحي. أَنْتَبِهُ بعد ساعات إلى أنني لم أكن هناك في السَقف ولا هنا على المقعد، ولم أفكر بشيء. كنت مستغرقاً في اللا شيء... في الفراغ الكلي الكامل، منفصلاً عن وجودي، جاراً لعَدَمٍ غيرِ متطفِّل، وخالياً من الألم.
لم أحزن ولم أفرح، فلا شأن للّا شيء بالعاطفة، ولا شان له بالزمن، لم توقظني يَدُ ذكرى واحدة من غيبوبة الحواس. ولم توقظني خشيةُ الأقدار من نسيان الغد. إذ كنت، لسبب ما، متأكداً من أنني سأحيا إلى الغد. لم أسمع صوت المطر يكسِّر رائحةَ الهواء في الخارج، ولا الناياتِ تحمل الداخل وترحل. كنت لا شيء في حضرة اللا شيء. وكنت هادئاً، آمناً, مطمئناً. فما أجمل أن يكون المرء لا شيء، مرة واحدة، مرة واحدة... لا أكثر!
محمود درويش (1942–2008)
يُعد محمود درويش أحد أعمدة الشعر العربي المعاصر، ورمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية. اقترن اسمه بشعر الثورة، وارتبطت كلماته بحلم الوطن المسلوب، حتى غدا صوته لسان حال الفلسطينيين ...