خافَ. وقال بصوت عالٍ: أنا خائف.
كانت النوافذ مُحْكَمَةَ الإغلاق ، فارتفع
الصدى واتّسع : أنا خائف . صَمَتَ ،
لكن الجدران ردَّدتْ : أنا خائف.
الباب والمقاعد والمناضد والستائر
والبُسُط والكتب والشموع والأقلام واللوحات
قالت كُلُّها : أنا خائف . خاف صوت
الخوف فصرخ : كفى! لكن الصدى لم
يردِّد : كفى ! خاف المكوث في البيت
فخرج إلى الشارع . رأى شجرة حَوْرٍ،
مكسورة فخاف النظر إليها لسبب لا
يعرفه. مرت سيارة عسكرية مسرعة ،
فخاف المشي على الشارع . وخاف
العودة إلى البيت لكنه عاد مضطراً.
خاف أن يكون قد نسي المفتاح في
الداخل ، وحين وجده في جيبه اطمأنّ .
خاف أن يكون تيار الكهرباء قد انقطع .
ضغط على زر الكهرباء في ممر الدرج ،
فأضاء ، فاطمأنّ . خاف أن يتزحلق على
الدرج فينكسر حوضه ، ولم يحدث ذلك
فاطمأنّ . وضع المفتاح في قفل
الباب وخاف ألا ينفتح ، لكنه انفتح
فاطمأن . دخل إلى البيت ، وخاف أن
يكون قد نسي نفسه على المقعد خائفاً.
وحين تأكد أنه هو من دخل لا سواه ،
وقف أمام المرآة ، وحين تعرَّف إلى
وجهه في المرآة اطمأنّ. أِصغى إلى
الصمت ، فلم يسمع شيئاً يقول : أنا
خائف ، فاطمأنّ . ولسببٍ ما غامض...
لم يعد خائفاً !
محمود درويش (1942–2008)
يُعد محمود درويش أحد أعمدة الشعر العربي المعاصر، ورمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية. اقترن اسمه بشعر الثورة، وارتبطت كلماته بحلم الوطن المسلوب، حتى غدا صوته لسان حال الفلسطينيين ...