أرض ضيقة هي تلك الأرض التي نسكنها و تسكننا. أرض ضيقة لا تتسع لاجتماع قصير بين نبي و جنرال. وإذا تعارك ديكان على دجاجة و على خُيلاء ، تطاير ريشهما على الأسوار. أرض ضيقة لا حميمة فيها لنكاح بين ذكر الحمام و أنثى الحمام . أرض فضيحة . أرض صفراء الصيف ينقر الشوك فيها وجه الصخر لتزجية الوقت ، حتى لو قالت قصائدنا عكس ذلك ، و أمدَتها بمختارات من أوصاف الفردوس لإشباع جوع الهوية إلى جماليات. و نحن ، رواةَ ما تحتاج إليه البداهةُ من وثائق رسمية و شعرية ، نعلم أن السماء لن تتخلَّى عن أشغالها الكثيرة لتدلي بشهادتها . أَرض ضيّقة... و نحبها. و نظن أنها تحبّنا أَحياء و موتى . نحبها ، و نعلم أنها لا تتسع لضحكة الفاجر، ولا لصلاة الراهبة ، ولا لنشر الغسيل بعيداً عن فضول الجيران ، و لا تتسع للسطر الرابع عشر من سوناتة مترجمة. أرضٌ ضيِقة لا ساحة فيها تكفي لمعركة حقيقيّة مع عَدُوّ خارجيّ، و لا قاعة تسع المجتمعين لصوغ ديباجة عريضة عن سلامٍ كَذِب. و مع ذلك ، أو لذلك ،... يقولون إن أحد الآلهة الضجرين اختارها كهفاً للخلوة ، أو الاختفاء عن المتطفلين الذين سرعان ما سرقوا قرون أكباشنا ، و استخدموها سلاحاً لإبعادنا عن باب الكهف المُقَدَّس !
محمود درويش (1942–2008)
يُعد محمود درويش أحد أعمدة الشعر العربي المعاصر، ورمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية. اقترن اسمه بشعر الثورة، وارتبطت كلماته بحلم الوطن المسلوب، حتى غدا صوته لسان حال الفلسطينيين ...