عدد الابيات : 54

طباعة

تكلَّم أيُّها القَدَرُ المُتَاحُ

وللأَقْدَارِ أَلْسنَةٌ فِصاحُ

وحَدِّثْ عن نهاية لك باغٍ

فإنَّ حديثَك الحقُّ الصُّراحُ

بربِّك، عظْ جبابرةً إذا ما

تراءى الواعظون لهم أشاحُوا

ففي أحداثك الجُلَّي عظات

لو اعتبر الطغاةُ بها استراحوا!

أحقًّا بات «رأس التين» حِلاًّ

تطوِّقه الكتائبُ والسلاحُ؟

ومِنْ دون الوصول إليه كانتْ

رُءُوسٌ في الهواء بها يُطاحُ؟

مغانِي المُلْكِ بات على ذُراها

يَرفُّ لكلِّ ناعبةٍ جناحُ

وهامَ المالِكُونَ بكل أرضٍ

وتلك قصورهم بقِيَتْ وراحوا

قصورٌ أوحَشَتْ من بعد أنسٍ

فما لِسَنًا بساحتها لِيَاحُ

وقد كانت يباري النجمَ منها

إذا جنَّ الدُّجى غُرَفٌ وسَاحُ

وكانت كعبةً يغدَي إليها

بأفواجِ الرعيةِ، أو يُراحُ

وكان حجيجُها وفدًا، فوفدًا

تضيقُ بهم على سَعةٍ «صَلاحُ»

على عَتَباتها الهاماتُ تُحنَى

كما تْحنَي من الطَّعن الرماحُ

كأن ترابَها مسكٌ ذكيٌّ

له في أنف لاثمه نُفَاحُ

سَلوا طيرَ الغُضُون «بعابدين»:

أطال به على القصر النُّواح؟

سريرُ المُلكِ قد أمسى خَلاءً

وقد ذهَبتْ بعاهله الرياحُ

لئنْ جزع السريرُ، فَربَّ شَعْبٍ

بمصرَ قد استخفَّ به المِراحُ

سياجُ الْمُلك تدبيرٌ، وعدلٌ

لعمرك لا مُقامرَةٌ، وراحُ

وحاشيةٌ تحُفُّ بهِ ثِقاتٌ

لهم بالعلم والخُلُق اتِّشاحُ

لهم حزمٌ، وتجربةٌ، ونُصْحٌ

وأعراضٌ نقيَّاتٌ صِحَاحُ

وليس العرشُ للحشراتِ ظلاًّ

ولا مِنْ جندهِ الغيد المِلاحُ

ولنْ يَبقَى على الأيام مُلْكٌ

دمُ الأحْرارِ فيه يُستباحُ

ولا مَلكٌ تعبَّدَهُ هواهُ

ولم يُكْبَحْ لشهوتِهِ جِماحُ

تظَاهَرَ بالصلاح لناظريه

ومن أخلاقه بَرِيءَ الصَّلاحُ

تُساقُ إليه أموالُ الرعايا

وتُسْلَبُ باسمه الأرْضُ البراحُ

أيَخْشَى الفقرَ ذو عرشٍ وتاجٍ

تَدِينُ له الروابي والبطاحُ؟

وأقبحُ ما ترى: عرشٌ حريصٌ

وتاجٌ لا يزيَّنه السَّماحُ

ولن يُرجَى لشعبٍ بات فيه

ولاةُ الأمر تُجَّارًا فلاحُ

ولن يُرجَى بالدُّستور شَعبٌ

فَسَل عنه: أجدٌّ أم مُزاحُ؟

فما الدستور إلا عند قومٍ

إذا جار الملوك عليه صاحوا

مضى الزَّمنُ الذي ما كان فيه

على الأملاك إن ظلموا جُناحُ

فلا مِلكٌ تناسلَ من «أمونٍ»

ولا عرشٌ يباركُهُ «فِتاحُ»

قد اجتحتم بثورتكم شرورًا

وما للشَّرِّ إلا الاجتياحُ

تَهلَّلَت العُروبةُ يوم ثُرتُمُ

كأنَّ العُرْبَ أدركهمْ «صَلاَحُ»

وما كالظُّلمُ للثَّورَاتِ زادٌ

ولا مثلُ الفساد لها لِقاحُ

وكيف يكافحُ الأعداءَ شعبٌ

وبين الشعب والعرش الكفاحُ؟

معاركُ بالثبات كسبتموها

ولم تُطْلَقْ بساحتها قدَاحُ

ولا سالتْ على أرضٍ دِماءٌ

ولا احمرَّت من العَلَقِ الصِّفاحُ

بدأتم أمرَها همسًا؛ فأمسَتْ

على شَفَةِ الزمان بها يُباحُ

شفْيتمْ مصرَ من قُرح قديم

يُعافُ لأجلهِ الماءُ القَراح

ألاَ، فاليومَ كلُّ عسيرِ أمر

يَهونُ، وكلُّ إصلاحٍ يُتاحُ

إذا السرطانُ فارقَ قلب شاكٍ

فليس يَضير ناجذَهُ القُلاَحُ؟

حُماة النيل، من لِعثار شعب

إذا هو قام أقعدهُ الكُساحُ؟

به مُستوزرون إذا وَلُوه

فما للشعب بل لهم الرَّباح

تِجَارُ سياسةٍ، وهُواةُ حكمٍ

بأحشاءِ الحمِى منهم جِرَاحُ

تَولَّوا أمرَهُ حِزبًا فحزبًا

فأُطلِقَ للفسادِ بهِ السرَاحُ

إذا استلموا زمام الأمر، عاثوا

وإن حُرمُوا زمامَ الأمر، ناحوا

يفرِّقهمْ على الحُكم اختصَامٌ

ويَجْمَعُهم على الحكم اصطلاحُ

دعُوا أمرَ البلاد يليه قومٌ

لهم ذممٌ مطهَّرة، وراحُ

جيادٌ إن دُعُوا للبذل، لكن

بأموال البلاد همو شِحاحُ

إذا فاض الثراء بمصرَ، غابوا

وإن نزل البلاءُ بمصرَ، لاحوا

خطَوْنا الخُطْوَةَ الأولى بمصر

وتتلوها بمصر خُطًا فِسَاحُ

وأُلغَيتِ الفروقُ؛ فلا وِسامٌ

تُزَانُ به الصدورُ، ولا وِشاحُ

تعالى الله! صار لمصرَ وعيٌ

وآذنَ ليلُها، وبدا الصباحُ!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

372

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة