الديوان » الأردن » أمجد ناصر » تحليق منخفض

في المقهى الذي اعتدتَ ارتيادَه لتشربَ قهوتَكَ السوداء وتستعيدَ أوصالك المبعثرة في صباحاتِ الأحد المتلكّئةِ كالأماني، سمعتَ شخصًا يكلّم بهاتفه المحمول، كما يبدو، امرأةً على الطرفِ الآخر من الخطِّ ، فلم تعرف، فعلًا، إن كانَ يكلّم امرأةً، أو يُمثِّل أنَّه يتكلم، فمكلمو أنفسهم، هنا، لا يثيرون انتباهًا ولا يتوقف أحدٌ عند مونولوغاتهم الطويلة، لكنَّ لغته المُلَغَّزة التي لا يسمعُها المرءُ كثيرًا في مدينةٍ ترطنُ، مع ذلك، بمئةِ لسان هي التي كسرتْ قاعدةً مرعيةً تقول: ما تسمعه هنا أتركه هنا، هكذا سمعته يقول إنه يجلسُ، الآن، في مقهاه الذي اعتادَ ارتيادَه في صباحاتِ الأحدِ المتلكّئةِ كالأماني ثم سمعته يقول إنه لا يفعلُ شيئًا سوى احستاء قهوته السوداء واستجماع أوصاله المبعثرة ثم سمعته يقول إنه لاذَ بالصمت لأنَّ تلك الكلمة أخذته على حين غرَّةٍ فهو توقّعَ، بالطبع، شيئًا قريبًا منها ولكن ليسَ تلك الكلمة التي لا تُقال إلاّ عندما تبلغُ القلوبُ الحناجرَ، ثم طرأتْ انعطافةٌ حادّةٌ في الكلام أحسسّتَ برَجَّتها في حجابِك الحاجز حين قال إنه مشتاقٌ، والله مشتاقٌ، ثم استدركَ، بتغيرٍ ملحوظٍ في نبرته، إلى صوتكِ طبعًا، متذكّرًا صديقًا له فلسفةٌ خاصةٌ في أنطولوجية الأصوات سيشرحُها ربّما في ما بعد، ثم قال إنّ صوتها ساحرٌ، لا ليس ساخرًا، ساحرٌ، مُنوِّناً الراء كضربةِ صنج. بحَّةٌ؟ نعم فيه بحَّةٌ مُغويةٌ وهذا أدعى إلى الحذر لأنّ للمذيعاتِ المتوارياتِ وراء الراديو في برامج منتصفِ الليل تلك البحَّة أيضًا، ثم لاحظتَ أنّ فترات صمتِ الرجل على هاتفٍ يصبُّ فيه بوحٌ مُتردِّدٌ من جهتين صارتْ تطولُ، وجسدَه راحَ يرتفعُ عن الكرسيِّ ويحلِّق في الهواءِ الفاتِر.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أمجد ناصر

avatar

أمجد ناصر حساب موثق

الأردن

poet-amjad-nasser@

23

قصيدة

37

متابعين

ولد الاديب الشاعر أمجد ناصر عام 1955م، وحمل اسم يحيى النميري النعيمات، في قرية الطرّة-الرمثا، وأخذ اسما أدبيا مستعارا له هو "أمجد ناصر" حينما بدأ نشر أعماله، وهو من الشعراء ...

المزيد عن أمجد ناصر

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة