الديوان » مصر » علي أحمد باكثير » نظام البردة

عدد الابيات : 250

طباعة

يا نجمة الأملِ المغشيِّ بالألمِ

كوني دليليَ في محلولكِ الظُلمِ

في ليلة من ليالي القُرِّ حالكةٍ

صخَّابةٍ بصدى الأرياحِ والدَّيَمِ

دُجىً تتالى كأمواجِ المحيطِ بها

عقلي وقلبي وطرفي كلُّ ذاك عمي

أكادُ أرتابُ في نفسي فأٌنكرها

لولا مسيسيَ جسمي غيرَ مُتَّهمِ

في نفنفٍ هائلٍ جمٍّ مزالقُه

رهنُ الحياةِ به في زلَّةِ القدمِ

على طريق كحدِّ السَّيفِ مسلكُها

هولٌ وحيْديَ عنها الموتُ من أمَمِ

فأشرقي وأنيري لي السبيل فما

لي غيرَ نوركِ من منجى ومعتصمِ

أنتِ الحياةُ ولولا أنتِ ما أتسعتْ

مضايقُ العيشِ بين الهمِّ والسَّقمِ

تلوِّحين لمن ضاقت مذاهبُه

وأوشك اليأسُ يلقيه إلى الرَّجمِ

أنْ هذه نوبةٌ في الحالِ زائلةٌ

ودون بضعِ خُطىً ما رمتَه فقُمِ

والوهنُ أمتنُ أسبابِ الحياة له

ثارُه في سرور الناسِ والألمِ

يا ويحَ قلبي بجنبي لا هدوءَ له

يجيشُ بالهمِّ كالبركانِ بالحممِ

يئِنُّ من ثِقَلِ الآمالِ تَبهَظُهُ

إنَّ الهمومَ رسالاتٌ من الهِمَمِ

أرنو إلى يعربٍ والدَّهرُ يعرضُها

روايةَ البُؤسِ بعدَ العِزِّ والنَّعَمِ

تقاسمتها شعوبُ الغربِ تدفعُها

إلى المهالِكِ سوقَ الشاءِ والنَّعَمِ

وأرمقُ الدينَ والأعداءُ توسِعُهُ

فتكاً يُضافُ إلى أدوائِهِ القُسُمُ

يُكادُ في دارِهِ ظُهرَ النَّهارِ على

مرأى العمائمِ من أهليهِ والحُمُمِ

وأَرجِعُ الطَّرفَ فيالأحقافِ غارقةً

في الجهلِ فوضى بلا عدلٍ ولا نُظُمِ

تفنَّنتْ في ملاذِ العيشِ تاركةً

ما تقتضيه فلم تُفطرْ ولم تَصُمِ

والخُلفُ محتكمٌ فيها يمزِّقُها

حتَّى يغادرَها لحماً على وضَمِ

كيف القرارُ على حالٍ يذوبُ لها

 قلبُ الكريمِ ويجري دمعُهُ بدمِ

يا ليتَ شِعري أللعلياءِ من سببٍ

 ألفيهِ يقذفني منها إلى القِمَمِ

شوقي إليها وعجزي عن تسلُّقِها

يُعذِّباني عذابَ الويلِ والضَّرمِ

والحُبُّ يُقصِرُ من خطوي وهل عرفتْ

معبودةُ الحُبّ مثلي عابداً صنمي

أوفى وأقومَ في هجر وفي صِلةٍ

منِّي بحفظِ عُهودِ الحُبِّ والذِّمَمِ

بُليتُ فيه بخطبٍ لا عزاءَ له

إلا اللقاءُ بدارِ الخُلدٍ والسَّلَمِ

ولن يزالَ وطيسُ الحُبِّ في كبدي

يرمي بذي شررٍ كالقصرِ مُضطرِمِ

وما الحياةُ بلا حُبٍّ سوى جَفَفٍ

عن فطرةِ اللهِ أو ضربٌ من العدمِ

ويحَ الشَّبابِ وقد ندَّتْ أوائِلُهُ

والحوضُ دوني وإنِّي لا أزالُ ظمي

خمسٌ وعشرون لم أُدركْ بها غرضاً

مرَّتْ عليَّ مُرورَ الطَّيفِ في الحُلُمِ

يا ويلتاهُ أأبغي أن أسودَ إذا

ولَّى الشَّبابُ وما فيه من العَرَمِ

هيهات هيهات إنَّ الشَّيبَ مجبنةٌ

 تصُدُّ عمَّا يريدُ المجدُ من قُحَمِ

إنَّ الشَّبابَ بُراقُ المجدِ يركبُهُ

إليه كلُّ فتى شيحانَ مُعتزِمِ

فما وقوفُكَ مشدوهاً تردَّدُ ما

بين النُّكوصِ على الأعقابِ والقُدُمِ

وقد بدا لك نورُ اللهِ مُتَّقِداً

يوم الوقوفِ أمامَ الواحِدِ الحَكَمِ

حيثُ الجموعُ خُشوعٌ يلجأون إلى

مولاهُمُ بدموعِ التَّوبِ والنَّدمِ

وشاهدتْ عيناكَ ذي البطحاءَ زاخرةً

بالذكرياتِ لطه سيِّدِ الأُمَمِ

فاجمعْ متاعَكَ واركبْ ظهرَ سابحةٍ

هولٍ تسيرُ بلا رحلٍ ولا لُجُمِ

تجري فتُبصرُ بالأشياءِ مُدبرةً

كأنَّ مُنهزِماً في إثرِ مُنهزِمِ

كأنَّما امتلأتْ بالغيظِ فانطلقتْ

تنفُّساً عن شُواظٍ منه محتدمِ

أنبتْ ويخلُقُ ما لا تعلمون بها                

وغيرِها من بناتِ العلمِ من قِدَمِ

تطوي البلادَ كما مرَّ المؤرِّخُ في              

لمحٍ بمُختلِفِ الأعصارِ والأُمَمِ

حتى إذا وجدتْ عيناكَ نفسَكَ في                  

ربوع طيبةَ ذاتِ المنهلِ الشَّبِمِ

فيمِّمِ المسجدَ الميمونَ في أدبِ

بقلبِ مدَّكِرٍ في ثغرِ مُبتَسِمِ

واعمدْ إلى الرَّوضَةِ الغنَّا فحيِّ بها

خيرَ الخلائِقِ من عُربٍ ومن عجَمِ

قُلِ السَّلامُ على فخرِ الوجودِ على

خيرِ النَّبيينَ طهَ المُفرَدِ العلَمِ

واستجلِ سيرتَه قُدَّامَ روضتِهِ

ترَ الكمالَ بلا زيغٍ ولا وَهَمِ

هناك حيث يقوم الشَّوقُ في خجلٍ

لدى الجلالِ جلالِ المجدِ والكرمِ

تُبدي وَلوعَكَ أم تُذري دُموعَكَ أم

تهفو ضلوعُكَ للآياتِ والعِظَمِ

وما تُبثُّ من الأشواقِ في حرمٍ

يُصابُ فيه بليغُ القولِ بالبَكمِ

كان الرسولُ هنا يُملي هدايتَه

على الأنامِ بلا وعيٍّ ولا لسَمِ

كان الرسولُ هنا يُلقي نصائِحَه

فيطربونَ لها أشجى من النَّغَمِ

وكان يقضي هنا بين الورى حَكَماً

أكرِمْ بأحمدَ من قاضٍ ومن حَكَمِ

وكان من ههنا يُزجي كتائِبَهُ

لنُصرةِ الدِّينِ من أصحابِهِ البُهَمِ

ويستشيرهُم في المُشكلاتِ به

وفيه يستقبلُ العافينَ بالنِّعَمِ

وفيه يلقى وفودَ النَّاسِ آتيةً

من كلِّ صوبٍ بثغرٍ منه مُبتسِمِ

ومنه يبعثُ بالذِّكرى رسائِلَهُ

ورُسْلَهُ لملوكِ العُربِ والعجَمِ

هنا ثوى رجلُ الدُّنيا وواحِدُها

هنا ثوى خيرث من يسعى على قدمِ

اختاره الله من نسل الخليل فمن

فرع الذبيح فمن عدنان ذي الكرمِ

فمن كنانة في العلياء من مضرٍ

فمن قريشٍ فمن عمرو الندى الهشمِ

فالأبيض الغرّة الميمون طالعه

فجامع الفضل عبدالله والشيمِ

عقدٌ من النسب العالي يفوق على

عقد من الدر والألماس منتظمِ

كأنما الخلق روض والرسول به

خلاصة العطر من أزهاره الفغمِ

جاءت به الدرة العصماء آمنة

فأشرق الكونُ من أنواره العممِ

واهتز أهل السموات العلا طرباً

بمنقذ الكون مما فيه من أثمِ

وغنّت الحور أصوات السرور على

مقاعد النور في قدسية النغمِ

وسبحت ربها الأعلى الملائك عن

شكرٍ وبشرٍ بماحي الظلم والظُلمِ

وأشرقت رُحبُ الجنّات وانفتحت

أبوابها وتجلى الله بالرُّحُمِ

ما كان يعلم أن الله مرسله

 يوماً لأمته دع سائر الأممِ

لكن مولاه قد حلاه من صغرِ

 بكلِّ عالٍ من الأخلاق والشّيمِ

فكان في قومه بدعاً يباينهم

 فيما يجيئون من نكرٍ ومن كثمِ

وصانه الله عمّا هم عليه فلم

يشرب ويلهُ ولم يعكف على صنمِ

لم يعرف الكذب يوماً ما على أحدٍ

فكيف يعرفه عن بارئ النّسمِ

رأت خديجة من أخلاقه عجباً

وهي الغنية ذات الرأي والفهمِ

فكاشفته هواها في تزوجه

فكان عرسهما من أبرك القِسمِ

إذ أصبحت خير عونٍ عند بعثته

لبثّ دعوته بالمال والخدمِ

وهدّأت روعه إذ جاءها فزعاً

من بدأة الوحي أن لا تخشّ من لممِ

فأنت أحملهم للكلّ أعونهم

على النوائب أحناهم على الرّحمِ

أعظم بها امرأةً أحيت أناملها

محمّداَ منقذ الدنيا من الغممِ

كذاك لم ينهض الإسلام من ضعةٍ

حتى نرى غيده ينهضن بالعلمِ

كيف النهوضُ وشقٌ من جوارحكم

عضوٌ أشّلُّ وشقُّ غير مُعتزم

يلقى الأنام ببشرٍ غير مصطنعٍ

 ولا يكلمُ شخصاً غير مبتسمٍ

تعفو ذنوب الورى في حقه كرماً

ويقبل العذرَ من جانٍ ومجترمِ

حتّى إذا انتهكت لله حرمته

رأيت غضبة ليثٍ هيج في الأجمِ

سِفرُ الشجاعةِ فصلٌ في شجاعته

إذا الجموع تلاقت والوطيس حمي

يبدو إذا وهت الأركان من جزعٍ

أقوى وأثبت أركاناً من الهرمِ

وربما انفض عنه جيشه فيرى

كأنه وحده جيشٌ من البُهَمِ

يعطي العفاة عطاءً غير منقطعٍ

بلا حسابٍ ولا منٍّ ولا برمِ

ويستميل وفود العُرب تقدُم من

 شتّى النّواحي ببذل المال والنَّعمِ

يحنو على كل ذي بؤسٍ ومتربةٍ

لاسيّما بؤساء الأيم واليُتُمِ

يطوي الليالي جوعاً بعدما جُبيت

له الغنائمُ من نجدٍ ومن تِهمِ

ما عاب قط طعاماً قدّموه له

وما نعى قطّ تقصيراً على الخدمِ

إن شاء يأكله أو شاء يتركه

أكان مؤتدماً أم غير مؤتدمِ

وما تزوّج تسعاً كي يلذُّ بها

إذن لما اختار من يحبون للهرمِ

لكنه كان يرجو أن يتم به

نشرُ الهدايةِ في الأقوام باللدمِ

كما تزوّج من بعض ليكفلها

ومن تفز برسول الله لم تئمِ

يكون في صحبة فرداً كأصغرهم

شأناً ويمشي بلا صحبٍ ولا حشمِ

ويخصف النعل يرفوالثّوبَ يأخذ في

إعانة الأهلِ يسعى في سرورهمِ

لا تعجبوا .. إنّ طه لم يكن ملكاً

بل مرسلٌ جاء بالآيات والحكمِ

وافى على فترةٍ والأرض واجفةٌ

ممّا بها من صنوف الكفر والجُرُمِ

تضجُّ بالظلم لا شرعٌ يقوم بها

من السّماء ولا من واضعٍ فقِمِ

أمّا أوربا فأهلوها برابرةٌ

مثل الوحوش على بغيٍ وسفك دمِ

والهندوالفرسغرقى في إباحتها

والروممن إحنٍ الأحزاب ِفى ضرمِ

في كل ركنٍ من الدنيا جبابرةٌ

يستبعدون رقاب النّاس كالغنمِ

في أمة القبط في شعب اليهودكما

فى الهندفى الصين فى الرومان فى العجمِ

ساد الفساد وعمّ الشرُّ وانفجرت

براكنُ الوغي والشّحناء والوغمِ

وحُرّفت كتب الرحمن وامتهنت

كرامة العدل والآداب والنّظمِ

وأصبح النّاسُ فوضى لا يسودهم

إلا الزعانف أهل البغي والعشمِ

وعُذّب النّاسُ باسم الدين واستلبت

أموالهم للقسوس الفُسّقِ الغشمِ

فكان من حكمة المولى ابتعاث فتىً

يهدي شعوب الورى للمنهج اللقمِ

يُتمُّ ما بدأ الرّسلُ الكرامُ به

من دين موجد هذا الكون من عدمِ

من منذُ أن كان يحبوالعقل ثم مشى

على الجدار إلى أن سار بالقدمِ

والدين يوحى إليه ما يناسبه

في كل طورٍ ويزجيه إلى الأممِ

إلى أن اشتدّ زنداه مراهقةً

ثم استوى رشده في آخر الأممِ

حيث استعدّ لفهم الحقّ معتمداً

على الأدلة لا بالخرقِ للنظمِ

فالخارقات إذا قام الدليل بها

من قبلُ فهو بهذا العصر لم يقمِ

فكان أصلحَ شخصٍ للقيام به

محمد العربيُّ الطّاهرُ الشِّيمِ

من أمةٍ ما قضى قسٌّ ولا ملكٌ

لها على خلقٍ حرٍّ ولا شممِ

أميةٌ ما حوت علماً سوى لغةٍ

شمّاءَ ما خضعت للطرسِ والقلمِ

فلم تزل تترقى في العصور إلى

أن أخرج الدهرُ منها أبدع النغمِ

فاختارها لغةَ القرآن منزله

والله أعلم بالأقدار والقيمِ

ذاك الكتاب الذي أحيى النبيُّ به

بقدرة الله أجيالاً من الرَّممِ

أقام من يعرب من بعد شقوتها

شعباً عزيزاً قوياً جدُّ ملتئمِ

قامت به دولة عظمى على أسسٍ

من الهدى والتُّقى والعدل والكرمِ

رعت ولم يمضِ من تكوينها زمنٌ

كبرى الممالك بعد الشّاءِ والنَّعمِ

المعجز الخالد الباقي بجدّته

إذ معجزات سوى المختار لم تدمِ

العلم آيته والعقل حُجّته

والعدلُ شرعته فيكل محتكمِ

جاءت بلاغته لا كالبلاغة في

نظامها الجزلِ أو أسلوبها القصَمِ

كالرعد يقصفُ أو كالريح تعصفُ أو

كالبحر يرجف في أمواجه البُهُمِ

من ذا يعارضه جهلاً وقد رجعت

عن آيةٍ منه غلب القول بالبكمِ

يقصُّ بالحق أخبار الذين مضوا

من قومِ نوحٍ ومن عادٍ ومن إرمِ

وقصّ أيام إسرائيل يفضح ما

قد دسه القوم فيها من فرى جُسُمِ

وآية الروم إذ جاءت بنصرهم

على العدو فلم تخطئ ولم تهمِ

وكم به من علوم الغيب ما وقفت

لها العقول على عينٍ ولا ندمِ

وكم جلا العلم في العصر الحديث له

عجائباً لم تبن يوماً لذي فهم

فى الدين فى الخلق فى علم الطبيعة في

طبائع النفس في التاريخ في الحكم

يعلو الأماكنَ والأزمان متفقاً

مع الحضارات فيها غير مصطدم

يسُنُّ أرقى قوانين الحياة على

يسنُّ ارقى قوانين الحياة على

صحّت كما صحّ مبناه روايته

عن الملايين من حفاظه النُّجمِ

فدع أقاصيص عن عيسى ملفقةً

كتبن في أعصرٍ شتّى على وهمِ

مكذباً بعضها بعضاً بلا أسس

من استقامة اسنادٍ ولا دِعم

إلا أناجيل روح الحقِّ عطّلها

لدى النصارى فلم تقبل ولم ترم

وشاء ربك أن يبقى لحجّته

منهنّ إنجيل برنابا على القدمِ

مبشراً برسول الله يخبرنا

أن ابن مريم لم يُصلبْ ولم يُضمِ

الله أكبر هذي بعد معجزةً

لدين أحمد جاءت من ديارهمِ

كهذه فليكنّ المعجزات فما

غناء كشفِ العمى والبرء للسَّقمِ

هذا على أنّ طه قد أتيح له

منهنّ شئٌ كثيرٌ ليس بالأممِ

مثل العروج ونبع الماء من يده

وهزم جيشٍ برملٍ من يديه رُمي

والجذع إذ حنّ والإخبار عن غيبٍ

بموتهم ثمّ والتكثير للوثمِ

وغير ذلك مما جاء عن عرضٍ

لا للتحدّي فشمس الحقّ لم تغمِ

صحّت أسانيدها لا كالتي رُويت

عن سائر الرّسل لم تثبت لمتهمِ

ولا سبيل إلى إثباتها بسوى

 هذا الكتاب الكريم الشاهد الحكمِ

أتى بدينٍ قويمٍ غير ذي عوجٍ

متى يلجْ بابَه المعوّجُّ يستقمِ

يولي سعادتي الدارين تابعه

يعنى بتربية الأجساد والنّسمِ

يدعو إلى الخير مهما كان مصدره

كما يصد عن الفحشاء واللممِ

ويجعل العبدَ يدعو الله خالقه

بلا حجابٍ من الأحبار والنُّهمِ

يحل كلّ صنوف الطّيبات بلا

تجاوزٍ لحدود القصد للتخمِ

لم يشرع الحرب إلا في مدافعةٍ

عن دعوة الحق أو في كفِّ مهتضِمِ

وخصّص العربَ بالتضييق متخذاً

ديارها معقلاً للمسلمين حُمي

إذ لم يكن عندها دينٌ تلوذ به

في الخير والشّر والسّراء والنّقمِ

يدعو إلى العلم والأخلاقُ يرفعها

ويبذرُ العزّ في اتباعه الكُرمِ

لا يلتقي الذلُّ والإسلامُ في خلدٍ

أو يمكن الجمعُ بين الماء والضَّرم

النّاسُ كلهم في حكمه شَرَعٌ

 لا فضل فيه لمخدومٍ على خدمِ

ولا تفاضل في مالٍ ولا نسبٍ

وإنّما الفضلُ بالأعمال والهِممِ

يرى الطهارة من أسمى شعائره

لا يقبل الله نسك الأغبر الدّسِمِ

وفي الصلاة مناجاة تطهر من  

نفس المصلي وتؤويها لدى البهم

وفي الزكاة دواءٌ لا مثيل له

 لكشف ما حاق بالدنيا من الإزمِ

الإشتراكية المثلى تتم به

بلا كنود ولا حيف ولا وغمِ

أما الصيّام فترويض النفوس على

حمل الشدائد في صبرٍ بلا برمِ

وكم جلا الطبُّ من أسراره عجباً

يزيل ما عيّ عنه الطبُّ من سقمِ

والحج مؤتمرٌ للمسلمين به

تنمو قواهم ليضحوا قادة الأممِ

وكم به من دروس جد نافعة

لو أنّ آذانهم خِلوٌ من الصّممِ

ساوى النساء حقوقاً بالرجال سوى

ما يقتضيه اختلاف الخلق والشيمِ

فكلف الرجل الأنثى: القيام بها

ولو غدا مالها كالوابل الرذمِ

يرى أنوثتها أرقى فضائلها

فلا تذل بأهوانٍ ولا تسمِ

تكون آمرة في البيت ناهية

تعنى بتربية الأولاد بالرُّحمِ

هذي وظيفتها الفطرية ارتسمت

 في سُنّة الله قبل اللوح والقلمِ

تكون في مالها طلقاَ مخوّلة

 حقّ التصرف في بيعٍ وفي سلمِ

فسل نساء فرنسا هل حصلن على

حقّ التصرف بعد الثورة العممِ

أو هل تذكّر أوربّا زمان ترى

نساءها كمتاع البيت والعجمِ

ليالي ارتيب في الأنثى بها ألها

روحٌ وهل هي إنسانٌ كقومهمِ

وسنّ للرّقّ ما يقضي عليه على

مدى الزّمان مع التدريج والسّلمِ

حاط الموالي بالحسنى وعاملهم

كالمالكين مع التخفيف في الجُرُمِ

سنّ الكتاب لإطلاق الإسار كما

دعا ورغّب في الإعتاقِ للنَّسمِ

وسنّ في فكّ أسرى الحرب فديتهم

بالمال أو عتقهم بالمنّ والكرمِ

الله أكبر هل في الشّمس طالعةً

شكٌ وهل بعد رأي العين من وهمِ

فتى يتيمٌ فقيرٌ في البداوة ما

جالت يداه على سفر ولا قلمِ

قضى شبيبته في الصالحات ولم

يبغِ الرياسة يوماً ما ولم يرمِ

حتى إذا جاء بسنِّ الأربعين أتى

بمعجزٍ زاخرٍ بالعلم والحكمِ

أتى بما لم يدُر يوماً على خلدٍ

من فيلسوفٍ ولا حبرٍ ولا حكمِ

وكيف يسبق ما لم يأتِ بعدُ سوى

ربُّ الزّمانِ إله الكونِ ذي القِدم

ومحنة الإفك برهانٌ يدل على

صدقِ النّبيِّ وينفي سائر التهمِ

لله فيها وطه في تبلبله

من هولها حكمةٌ تسمو على الفَهَمِ

لو كان من قلبه هذا الكتابُ لما

قضى زماناً طويلاً وهو في غُممِ

يعذّبُ الشكُّ قلباً منه ممتلئاً

بالحبِّ والطُّهر مغياراً على الحُرَمِ

فلا يبتُّ بأمرٍ فيه وهو على

مثل الأسنّة لم يبرئ ولم يُصمِ

والمسلمون بحالٍ لا شبيه له

من التحيُّرِ والإشفاقِ والألمِ

حتى أتى الوحيُ بالآياتِ معلنةً

براءة الطُّهر ذات القدسِ والعصمِ

زوجِ النّبيِّ ابنة الصّديقِ صاحِبه

خير الورى بعد خيرِ الخلقِ كلهمِ

فأشرقت أوجه الأصحاب من فرحٍ

وجللتْ أوجه الأعداءِ بالسّخمِ

منافقون يراءون النّبيَّ ولا

يألون يمنونه بالسُّمِّ في الدّسمِ

يدري النّبيُّ بهم والمسلمون ولا

 يقضي عليهم وهم أعدى عدوّهمِ

أن لا يقال: ابن عبدالله يقتل في

اصحابه وهو أوفى الخلق بالذممِ

ولو أراد لأفناهم بما اجترحوا

فهم أذلّ من الجعلان والحَلَمِ

أبعد هذا يماري في نبوّته

إلا أصمُّ عن الحقّ المنير عمي

روحٌ من الله أوحاه إلى رجلٍ

لا كالرجال بغير الفضل لم يهمِ

ما كان مشتهراً بالشعر مفتخراً

باللسن مثل بني آبائه اللُّزمِ

ولم يكن ملكاً لكنه بشرٌ

 فاق الملائك بالأخلاق والعظمِ

العصمة الحقُّ من أدنى مناقبه

إذ كان من خلقه العلوي في عصمِ

ويستحيل وقوع السّحر فيه كما

روى الرواةُ بلا نقدٍ ولا فهمِ

دُسّت عليهم فراحوا يلهجون بها

والله يغفر عنهم زلة القدمِ

وكم لأعداء دين الله من بدعٍ

قد ألصقوها به ثأراً لملكهمِ

سمومها انتشرت في المسلمين فما

قاموا لأجنبَ للأوطانِ ملتهمِ

أقسمتُ باسمِكَ يا أعلى الورى شرفاً

 لو جازَ تقديسُ غيرِ اللهِ بالقَسَمِ

لقد غدت أمَّةُ الإسلامِ واهلةً

منها القلوبُ فأضحتْ قصعةَ الأُمَمِ

لم يبقَ فيها من الإسلام وا أسفا

إلا اسمُه وبها معناهُ لم يقُمِ

قامت حجاباً كثيفاً دون دعوتِهِ

بما إليه سقوطُ المسلمين نُمي

حاكتكَ في صورِ الأعمالِ تتبعُها

وما اقتدتْ بك في عزمٍ ولا هِمَمِ

ولا كمالٍ ولا صدقٍ ولا خُلُقٍ

ولا اجتهادٍ ولا عزٍّ ولا شَمَمِ

ولا تقومُ إلى القرآنِ تقرؤُهُ

إلا أماليَ بالألحانِ والرَّنَمِ

كأنَّما أُنزلتْ آيُ الكتابِ لكي

تُتْلى على شُربِ راحٍ أو على رَجَمِ

تبدَّلوا منه كُتْباً لا حياةَ بها

كأنَّما عكفوا منها على صنمِ

تحكي نواويسَ موتى صُبِّرتْ زمناً

 فلا تُرى بين أجسامٍِ بغيرِ دمِ

عدُّوا المشايخَ أرباباً بعدِّهمُ

أقوالَهم كنصوصِ الواحِدِ الحَكَمِ

وآخرون أصاروا الغربَ قبلتَهم

فهم بها خيرُ طوَّافٍ ومُستلِمِ

رأوا أوربَّا فراحوا يكفُرون على

جهلٍ بدينِهِمُ الموروثِ والشِّيَمِ

وأنكروا مجدَ آباءٍ لهم شهدتْ

لها فحولُ رجالِ الغربِ بالقِدَمِ

وما لذلك غيرَ الضعفِ من سبب

فالضعفُ أصلُ جميعِ البؤسِ والنقمِ

يا ربِّ رحماكَ إنَّ الغربَ مُنتبهٌ

والشَّرقُ مُشتغِلٌ بالنَّومِ والسَّأمِ

والعُربُ في غفلةٍ عمَّا يُهدِّدُها

لم تعتبرْ بليالي بؤسِها الدُّهُمِ

يا ويحها تتعادى والعدوُّ على

أبوابِها يرقُبُ الأحداثَ عن كَثَمِ

والوقتُ أضيقُ والأحداثُ في عجلٍ

تبني وتهدمُ والآفاتُ كالدِّيَمِ

إنِّي السَّعيدُ إذا ماأمَّتي سَعِدَتْ

حالاً وفي ذُلِّها ذُلِّي ومُهتَضَمِي

إذا أملتُ ففي آمالِها أملي

وإنْ ألمتُ فمِن آلامِها ألمي

يا ربِّ يا صاحبَ العرشِ العظيمِ ومَنْ

تُحيي الإرادةُ منه دارسَ الرِّمَمِ

بما بعثتَ به خيرَ الأنامِ أجِرْ

يا ربِّ أمَّتَهُ من قُصمةِ القُصَمِ

ولقِّها منك روحاً لا يغادرُها

إلا وقد نهضَتْ منشورةَ العلَمِ

تُطهِّرُ الكونَ مما فيه من رِجسٍ

ومن فُسوقٍ ومن ظلمٍ ومن إزَمِ

فلا دواء له ممَّا يُكابِدُهُ

إلا هدايةُ خير الخلقِ كُلِّهِمِ

واملأ فؤاديَ نوراً من هدايتِهِ

واجعلْ عزائمَهُ ممزوجةً بدمي

وأقدُرْ لي َ الخيرَ وارزقني شفاعتَهُ

في يومِ يؤخذُ بالأنفاسِ والكَظَمِ

وبُلَّ من حوضِهِ حلقي إذا اتَّقدتْ

نارُ الأُوامِ وكلُّ العالمين ظمي

واغفرْ ذنوبَ أبي فضلاً ووالدتي

وزوجتي وذوي قُربايَ والرَّحِمِ

وصلِّ أزكى صلاةٍ منك دائمةٍ

على الرسولِ رسولِ الرحمةِ القُثُمِ

وانشرْ رضاك على الصِّدِّيقِ صاحِبِهِ

فى الغارِ ذى البرِّ والإشفاقِ والرحمِ

ربِّ المواقِفِ في عصرِ النَّبيِّ وفي

وفاتهِ وحيالَ الرِّدَّةِ العَمَمِ

ثمَّ أرضَ عن عمرَ الفاروقِ أولِ مَنْ

صلَّى برغمِ أُنوفِ القومِ في الحرمِ

مُقوِّضِ الفُرسِ والرُّومانَ شائِدِهِ

مُلكاً يطولُ على الأقمارِ والنُّجُمِ

وأرضِ عثمانَ ذا النورينِ أخشعَ منْ

 تلا الكتابَ بدمعٍ منه منسجِمِ

مُجهِّزِ الجيشِ إرضاءً لخالقِهِ

 في عُسرِةِ الجيشِ بالإبريزِ والقُضُمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي أحمد باكثير

avatar

علي أحمد باكثير حساب موثق

مصر

poet-ali-ahmed-bakathir@

7

قصيدة

381

متابعين

شاعر روائي وكاتب مسرحي مصري يمني، ولد بإندونيسيا سنة 1910ونشأ باليمن وعاش في مصر. كتب عشرات القصائد والروايات والمسرحيات التي كرسها لمقاومة الاستعمار والاستبداد، مُثَّل بعضها مسرحيا وسينمائيا. نال الريادة في أصناف ...

المزيد عن علي أحمد باكثير

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة