الديوان » مصر » حافظ ابراهيم » وقف الخلق ينظرون جميعاً

عدد الابيات : 57

طباعة

وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً

كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي

وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَه

رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي

أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر

قِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي

أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ النا

سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي

فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ

وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ

أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ

عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ

وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا

مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ

لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا

مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ

إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها

صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ

فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها

كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ

أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي

لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي

ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً

مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي

كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت

ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي

إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي

رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي

وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دا

نَيتُ حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي

قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي

مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي

هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَك

بَرِ يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي

هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي

أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي

حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَه

دِ وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ

هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي

مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي

ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَه

رَ وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي

قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَو

نَ فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ

إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ

مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي

أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرو

مانُ عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ

وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت

في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي

وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي

قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ

وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي

فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي

قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطو

لي سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ

فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني

وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي

أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي

في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي

أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ

وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ

أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ ال

ماءَ صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي

أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ ال

أُسدَ مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي

نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني

ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ

نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنا

ئي فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ

إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي

يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي

قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ

مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي

أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ

تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ

وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى

يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي

وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخ

لاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي

وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فا

رَقَ قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ

خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَو

مَ وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ

شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ

صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ

فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَر

بِ وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ

إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ

كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ

فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا

كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ

فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ

غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ

وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم

رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ

نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآ

راءُ فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي

وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً

مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي

وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ

فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي

وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ

وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي

فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا

جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ

إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ

قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ

غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ

وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ

وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ

وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ

فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا

فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


فُراتٌ

نهري": النيل. "فرات": صفة للماء العذب الصافي (كما في قوله تعالى: "ماءً فراتًا")، أي نهرٌ عذب لا يُضاهى.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي

أي: دُرَر هذا التاج، أو مفاخر الشرق، هي فرائد في عقدي أنا، أي أنني (مصر) أضمّ أعظم ما في الشرق من مجد وتاريخ. "فرائد": جمع فريدة، وهي الجوهرة النادرة. كأن مصر تقول: الشرقُ يتزيَّن بي كما يتزيَّن الرأس بالتاج، بل إنّ درر هذا التاج مستخرجة منّي

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر قِ

أي: أنا (مصر) تاجُ الشرف والمجد الذي يعلو رأس الشرق. "مفرق الشرق": أي رأس الشرق أو مركزه وموضع السيادة فيه

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ

كُهول": الرجال في منتصف العمر، أكثر مراحل الرجولة نضجًا وحكمة. "ملء العيون": أي مُبجّلون، محترمون، يلفتون الأنظار مهابةً. "مُرد": جمع "أمرد"، وهو الشابّ الذي لم يظهر على وجهه الشعر بعد، أي الفتيان أو الشبيبة. أي: رجالي بين رجال ناضجين يملؤون العيون هيبة، وفتيان يملؤون المستقبل أملًا وقوة

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


إِنَّهُم كَالظُبا

الظُبا" جمع ظُبة، وهي حدّ السيف أو الرمح، وقد تُطلق مجازًا على السيوف نفسها. أي: رجالي مثل السيوف القاطعة في أصلهم ومعدنهم.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


أَلَحَّ عَلَيها صَدَأُ الدَهرِ

ألحّ": أي داوم، وأطال الزمن تأثيره عليها. "صدأ الدهر": استعارة جميلة، أي الإهمال، والترك، وطول المكث بلا استعمال، كما يصدأ الحديد

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


مِن ثَواءِ وَغِمدِ

ثواء": أي المكوث الطويل. "غمد": غلاف السيف، وهو موضعه عندما لا يُستخدم. أي: هم كالسيوف الأصيلة، لكنّهم بقوا في أغمادهم فترةً طويلة، فأصابهم الصدأ من الإهمال والزمن.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ

أينما سِرتَ أي: حيثما توجهت وسرت في ربوع مصر… جَدوَلٌ عند كرمٍ تجد جداول الماء تسير بجانب "الكرم" (شجر العنب أو الأرض المزروعة به)، في إشارة إلى الخير والخصب. عند زهرٍ مدنَّرٍ "الزهر المدنر" أي الزهور التي على شكل دوائر أو أكاليل، كأنها مُرصَّعة أو مرتبة، و"مدنر" من "الدَّنْر"، وهو شكل دائري. عند رندٍ الرند: نوع من الشجر الطيب الرائحة، مثل شجر الغار أو الآس، رمز للجمال والرائحة الطيبة.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها

الصَّيقل: هو من يُصلِح السيوف ويُلمِّعها. القضاء: القدر أو الحوادث الكبرى. جَلاها: أي أزال الصدأ عنها. يعني: إذا جاءت حوادث القضاء أو شدائد الزمن، فـ"صقلَت" هذه النفوس كما يُجلى السيف من الصدأ، فإن معدنهم الحقيقي يظهر.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


رَغمَ رُقبى العِدا

رُقبى من "المراقبة"، أي مع كون الأعداء يراقبونني ويمنعونني من التحرّك. العِدا: الأعداء. أي: مع أنهم يراقبونني ويقمعونني، إلا أنني تمردت على ذلك.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


وَقَطَّعتُ قِدّي

القِدّ: هو الحبل الذي يُشدّ على الدابة أو يُستخدم للربط، وهنا استعارة عن الأغلال والعبودية. قطعتُ قِدّي: أي مزّقت قيودي وقيودهم.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي

أي: إن كنتم وقفتم هناك، فقد أبصرتم بعض ما قدمته مصر من جهدٍ وبناء وحضارة عبر التاريخ. "بعض جهدي" تشير إلى أن ما ترونه، رغم عظمته، ليس إلا جزءًا يسيرًا من عطائي وتاريخي العريق.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


يَحمِلنَ بَندي

أي: يحملن رايتي (رمز السيادة والعزة)، أو رايات الانتصار في المعارك البحرية أو التجارية، أو راية مصر الحضارية.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ

يُشير إلى القائد البريطاني الشهير هوراشيو نلسُن، الذي قاد معركة أبي قير البحرية (1798) ضد الأسطول الفرنسي. وهو رمز للقوة البحرية البريطانية.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


كانَ أُسطو لي سَرِيّاً

أي أن لمصر أسطولًا بحريًا سابقًا في المجد والشأن، وكان الأسطول المصري قويًّا ومجيدًا وسابقًا في الوجود والهيبة قبل شهرة نلسن وأساطيله.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


وَطالِعي غَيرَ نَكدِ

أي أن حظي (طالعي) كان سعيدًا ومزدهرًا، لا نَكدًا ولا منحوسًا كما آل إليه الحال لاحقًا.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


مَواقِعِ جُردي

الجُرد: الخيول القوية، السريعة، التي لا شعر على جلدها (وصف للفرس الشجاع النقي). مواقع الجُرد: أي أماكن نزولها ومواطن معاركها في البر. أي: اسألوا الأرض (البرّ) عن أماكن نزول خيولي وبأس فرساني.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


تَسنَأُ المَهرَ

فعل نادر لكنه فصيح، من السُّنُوء أي ترفُع وتترفّع، والمعنى هنا: "تترفّع عن المهر الزهيد، وتطلب مهرًا نفيسًا"

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


أَبيَضَ هِندي

المقصود بـ"الأبيض الهندي": السيف الهندي الشديد اللمعان والحدّة، وكانوا يمدحون السيوف الهندية لجودتها وصلابتها.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


شَهِدوا حَومَةَ الوَغى

شهدوا" أي حضروا. "حومة الوغى" تعني ميدان القتال أو المعركة الشديدة. → أي أنهم شاركوا في أعنف لحظات القتال.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ

رُبد" جمع "أربد"، وهو الذي غلب عليه الاصفرار أو تغير لونه من الخوف. → أي أن وجوههم لم تتغير من الخوف أو الجزع، بل كانت مضيئة شجاعة.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو مراد لطفى


معلومات عن حافظ ابراهيم

avatar

حافظ ابراهيم حساب موثق

مصر

poet-hafez-ibrahim@

294

قصيدة

7

الاقتباسات

2074

متابعين

حافظ إبراهيم شاعر مصري من الرواد الأعلام ، و أحد قادة مدرسة الإحياء في نهاية القرن العشرين ، ولد في ديروط بأسيوط عام 1871 أو 1872م ، فقد أباه طفلاً ...

المزيد عن حافظ ابراهيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة