الديوان » مصر » علي الجارم » دموع عيون أم دماء قلوب

عدد الابيات : 50

طباعة

دُموعُ عُيونٍ أم دِماءُ قُلوبِ

على راحلٍ نائي المَزَارِ قريبِ

نعاه لنا الناعِي فأفْزَعَ مِثْلَما

تُراعُ بِصَوْتٍ في الظلامِ رهيب

فقلنا أبِنْ رُحْماكَ طارتْ عُقُولُنا

فلم نستَمِعْ من فِيكَ غَيْرَ نَعِيب

شككنا وكان الشكُّ أمْناً وراحةً

وَكم من يقينٍ في الحياة مُريب

حَنانَكَ إِنّا أُمّةٌ هَدَّ ركنَها

صِراعُ ليالٍ واصطلاحُ خُطوبِ

إذا كَشَفَتْ عنها القميصَ بدتْ بها

نُدُوبٌ لطعنِ الدهرِ فوق نُدُوبِ

وإِنْ أرسلتْ في ذِمَّةِ اللّه عَبْرَةً

على ابن سُرىً حامي الذِّمارِ وَثُوبِ

دَهَتْها الليالي في سواه ولا أرَى

شَعُوباً لهذا الناس مِثْلَ شَعُوبِ

تَدَاوَى من الإِعْوالِ بالبثِّ والبُكا

وتَشْفِي لَهِيباً للجوَى بلهيب

وتمسَحُ دمعاً كي تجودَ بِمثْلِهِ

وتَنْسَى أَريباً بادِّكارِ أَريب

فيأيُّها الناعِي إذا قُلْتَ فاتَّئِدْ

فما مُخطىءٌ في قولهِ كمُصيب

حَنَانكَ قُلْ ما شئتَ إلاّ فَجيعةً

بفقدِ كريمٍ أوْ فِراقِ حَبيب

فقال قَضَى قُلْنا قَضَى حاجةَ العُلا

فقال مَضَى قُلنا بغير ضَرِيب

فهزَّ اعتلاجُ الْحُزنِ أَضلاعَ صَدْرِهِ

وأخْفَى نَشيجاً تحتَ طيِّ نحِيب

وقال قضَى عبدُ العزيزِ ولم يكُنْ

نصيبُ امرىءٍ في الرِّزْءِ فوقَ نَصيبي

فواحسرتا مات الإِمامُ ولم تكُنْ

نِهايةُ هذِي الشمسِ غيرَ مَغيبِ

وغاض مَعِينٌ كان رِيّاً ورحمةً

وكلُّ مَعينٍ صائرٌ لنُضُوبِ

فَمَنْ لِكتاب اللّهِ يلمَحُ نُورَهُ

بعينِ بصيرٍ بالبَيانِ لبيب

ومَنْ يدفَعُ العادِي على دينِ أَحْمدٍ

بعزمٍ كَمَسنُونِ الْحِرابِ صَلِيب

وقد كُنْتَ يا عبدَ العزيزِ إِذا دَجَتْ

وقد قيل أمّا بَعْدُ خيرَ خَطِيب

بنفسِيَ مَن عَانى الحياةَ مُشَرّداً

يَجُوبُ من الآفاقِ كُلَّ مَجُوب

غريباً تَقاضاه الليالي حُشاشةً

ولكنّه للفضلِ غيرُ غريب

يطوفُ بأقطارِ البلادِ كأنه

خيالٌ مُلِمٌّ او خيالُ أَدِيبِ

ويطوي وراء البِشْرِ نفساً جَرِيحةً

وأعشارَ قلبٍ بالهُمومِ خَضِيب

أيشكو لئيمُ القومِ كَظّاً وبطْنَةً

ويَشْكو فتى الفتيانِ مسّ سُغُوبِ

لأمر غدا ما حَوْلَ مكةَ مُقْفِراً

جَديباً وباقي الأرضِ غيرُ جَديب

تُقَتِّلُنا الأيامُ وهْيَ حياتُنا

وتعُطي وما أبْصرْتُ غيْرَ سَليب

فما حِيلتي إِنْ كان بالماء غُصَّتي

ودائي إذا عَزَّ الدواءُ طبيبي

كأنَّ حِبالَ الشمسِ كِفّةُ حابِلٍ

تُحيطُ بنا من شمأَلٍ وجَنوب

نَروحُ بها والموتُ ظمآنُ ساغبٌ

يلاحظُنا في جَيْئَةٍ وذُهوب

على الشَّفَقِ المُحْمرِّ مِنْ فَتكاتِهِ

بَقايَا دَمٍ للذاهبينَ صَبيب

هل الدَّهْرُ إلاّ ليلةٌ طال سُهْدُها

تَنَفَّسُ عن يومٍ أَحَمَّ عَصِيب

وليس ترابُ الأرضِ غَيْرَ تَرائبٍ

وغيرَ عُقولٍ حُطِّمتْ وقُلوبِ

سَلُوا وَجَناتِ الغِيدِ في ذِمَّةِ الثَّرَى

أتُزْهَى بحسنٍ أَمْ تُدِلُّ بِطيب

وكانت شِبَاكاً للعُيونِ فأصبحتْ

ولستَ تَرى فيهنَّ غَيرَ شُحُوب

فَيَا مَنْ رأَى عبدَ العزيزِ تَنُوشُه

نُيُويبٌ لعادي الموتِ أَيُّ نُيُوب

طريحاً على أيدي الأُسَاةِ كأنّه

حِمالةُ عَضْبٍ أو رِشاءُ قَليبِ

فَيَا وَيْحَ للصدرِ الرّحيبِ الّذي غدا

بمُزْدَحِمِ الآلامِ غيرَ رَحيب

تدِبُّ به في مَوْطِنش الحلمِ علّةٌ

لها كالصِّلال الرُّقشِ شَرُّ دَبِيبِ

تَرى القلب منها واجباً أنْ تَمَسَّهُ

فتتركَهُ قلباً بغيرِ وَجِيب

أصَابَتْ نِظَاماً للمعالي فبدَّدَتْ

ومقصِدَ آمالٍ ومجدَ شُعُوب

لقد كنتَ تُعْلي في الحياةِ قَصائدي

وتهتزُّ عُجْباً إِنْ سَمِعتَ نَسيبي

فهاكَ نِداءً إنْ يَجِدْ منكَ سامعاً

وهاكَ رِثاءً إنْ يَفُزْ بمُجِيب

رِثاءٌ يكادُ المَيْتُ يَحْيَا بلفظِهِ

ويَحْبِسُ شمسَ الأُفْقِ دونَ غُروب

فطارِحْ به الْخَنْساءَ إِن جُزْتَ دارهَا

ونافِسْ به إن شئتَ شِعرَ حَبيب

تمنّيتُ لو أرستُ شعري مع البُكا

بغيرِ قَوافٍ أو بغيرِ ضُرُوب

وصَيَّرْتُ أنّاتي تفاعيلَ بحرِهِ

وجِئْتُ بوَزْنٍ في القَريضِ عجيبِ

فإِنّي رأيتُ الشِّعْرَ تنفِرُ طيرُهُ

إِذا دُهمتْ من فادحٍ بهبُوبِ

تَهَابُ القوافِي أَنْ تمَسَّ جَلاَلةً

لذي شَمَمٍ ضَافِي الجلالِ مَهِيب

عليكَ سلامُ اللّه ما ناح طائرٌ

على غُصُن غَضِّ الإِهابِ رطيب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الجارم

avatar

علي الجارم حساب موثق

مصر

poet-ali-jarim@

30

قصيدة

273

متابعين

علي صالح عبد الفتاح الجارم،أديب،وكاتب وشاعر مصري،ولد سنة 1881م في مدينة رشيد بمصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال ...

المزيد عن علي الجارم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة