الديوان » مصر » علي الجارم » أسمعت شدو الطائر الغريد

عدد الابيات : 71

طباعة

أَسَمِعْتَ شَدْوَ الطَّائِرِ الْغِرِّيدِ

هَزِجًا يُنَاغِي فَجْرَ يَوْمِ الْعِيدِ؟

وَبَدَا عَمُودُ الصُّبْحِ أَبْيَضَ نَاصِعًا

كَالسَّلْسَلِ الضَّحْضَاحِ فَوْقَ جَلِيدِ

أَوْ كَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ تَنْضَحُ بِالنَّدَى

وَالْغَيْثِ، أَوْ جِيدِ الْعَذَارَى الْغِيدِ

أَوْ كَاقْتِبَالِ الْحُسْنِ بَعْدَ تَحَجُّبٍ

أَوْ كَابْتِسَامِ الدَّلِّ بَعْدَ صُدُودِ

وَإِذَا لَمَحْتَ الشَّرْقَ خِلْتَ عَرَائِسًا

مَاسَتْ بِثَوْبٍ كَالشَّبَابِ جَدِيدِ

يَرْفُلْنَ فِي ضَافِي الضِّيَاءِ نَوَاعِمًا

فِي سِحْرِ أَنْغَامٍ، وَلِينِ قُدُودِ

وَدَمُ الشَّبَابِ لَهُ رَوَائِعُ نَشْوَةٍ

مَا نَالَهَا يَوْمًا دَمُ الْعُنْقُودِ

مَا بَيْنَ طَرْفٍ بِالْخَدِيعَةِ نَاعِسٍ

ثَمِلٍ، وَآخَرَ فِي الْهَوَى عِرْبِيدِ

وَدَّعْتُ أَيَّامَ الشَّبَابِ حَوَافِلًا

مِنْ بَعْدِ مَا عَصَفَ الْمَشِيبُ بِعُودِي

فَإِذَا خَطَرْنَ، فَهُنَّ رُؤْيَا نَائِمٍ

وَإِذَا هَمَسْنَ، فَهُنَّ رَجْعُ نَشِيدِ

أَرْنُو إِلَى عَهْدٍ لهُنَّ كَأَنَّمَا

أَرْنُو لِنَجْمٍ فِي السَّمَاءِ بَعِيدِ

وَأَرَى الْحَيَاةَ بِلَا شَبَابٍ مِثْلَمَا

لَمَعَ السَّرَابُ بِمُقْفِرَاتِ الْبِيدِ

إِنَّ الشَّبَابَ رَحِيقُ أَزْهَارِ الرُّبَا

وَحَفِيفُ غُصْنِ الْبَانَةِ الْأُمْلُودِ

وَمَطِيَّةُ الْآمَالِ فِي رَيْعَانِهَا

وَسِرَاجُ لَيْلِ السَّاهِدِ الْمَجْهُودِ

وَبَشَاشَةُ الدُّنْيَا إِذَا مَا أَقْبَلَتْ

وَنَجَاةُ وَعْدٍ مِنْ أَكُفِّ وَعِيدِ

هُوَ فِي كِتَابِ الْعُمْرِ أوَّلُ صَفْحَةٍ

بُدِئَتْ بِبِسْمِ اللهِ وَالتَّحْمِيدِ

وَرَبِيعُ أَيَّامِ الْحَيَاةِ تَبَسَّمَتْ

رَوْضَاتُهُ عَنْ ضَاحِكَاتِ وُرُودِ

أَهْدَى لَهَا الْوَسْمِيُّ نَسْجَ غَلَائِلٍ

وَأَتَى الْوَلِيُّ لَهَا بِوَشْيِ بُرُودِ

وَسَرَى النَّسِيمُ بِهَا يُغَازِلُ أَعْيُنًا

مِنْ نَرْجِسٍ وَيشَمُّ وَرْدَ خُدُودِ

إِنَّ الشَّبَابَ، وَمَا أُحَيْلَى عَهْدَهُ!

كَالْوَاحَةِ الْخَضْرَاءِ فِي الصَّيْهُودِ

تَلْقَى بِهَا مَاءً وَظِلًّا حَوْلَهُ

جَدْبُ الْجَفَافِ وَقَسْوَةُ الْجُلْمُودِ

إِنِّي طَرَحْتُ مِنَ الشَّبَابِ رِدَاءَهُ

وَثَنَيْتُ عَنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ جِيدِي

وَاخْتَرْتُ مِنْ صُحُفِ الْأَوَائِلِ صَاحِبِي

وَجَعَلْتُ مَأْثُورَ الْبَيَانِ عَقِيدِي

وَمَرَرْتُ بِالتَّارِيخِ أَمْلَأُ نَاظِرِي

مِنْهُ وَأُحْيِي بِالْفَنَاءِ وُجُودِي

كَمْ عَالِمِ ٍقَابَلْتَ فِي صَفَحَاتِهِ

وَلَكَمْ ظَفَرْتُ بِفَاتِحٍ صِنْدِيدِ!

وَإِذَا الْتَمَسْتَ مِنَ الدُّهُورِ رِسَالَةً

فَصَحَائِفُ التَّارِيخِ خَيْرُ بَرِيدِ

أَحْنُو إِلَى قَلَمِي كَأَنَّ صَرِيرَهُ

فِي مِسْمَعِي الْمَكْدُودِ رَنَّةُ عُودِ

وَأَعِيشُ فِي دُنْيَا الْخَيَالِ لِأَنَّنِي

أَحْظَى بِهَا بِالْفَائِتِ الْمَفْقُودِ

كَمْ لَيْلَةٍ سَامَرْتُ شِعْرِيَ لَاهِيًا

وَالنَّجْمُ يَلْحَظُنَا بِعَيْنِ حَسُودِ

حِينًا يُرَاوِغُنِي فَأَنْظُرُ ضَارِعًا

فَيَلِينُ بَعْدَ تَنَكُّرٍ وَجُحُودِ

وَلَقَدْ أُغَرِّدُ بِالْقَرِيضِ فَيَنْثَنِي

فَأَنَالُ قَادِمَتَيْهِ بِالتَّغْرِيدِ

طَهَّرْتُهُ مِنْ كُلِّ مَا تَأْبَى النُّهَى

وَيَعَافُهُ سَمْعُ الْحِسَانِ الْخُودِ

وَبَعَثْتُ فِيهِ تَجَارِبًا مَذْخُورَةً

هِيَ كُلُّ أَمْوَالِي وَكُلُّ رَصِيدِي

وَجَعَلْتُ تَشْبِيبِي بِمِصْرَ وَمَجْدِهَا

وَشَمَائِلَ «الْفَارُوقِ» بَيْتَ قَصِيدِي

مَلِكٌ زَهَا الْإِسْلَامُ تَحْتَ لِوَائِهِ

وَأَوَى لِرُكْنٍ مِنْ حِمَاهُ شَدِيدِ

إِنْ فَاتَ عَهْدُ الرَّاشِدِينَ فَقَدْ رَأَى

فِي دَوْلَةِ «الْفَارُوقِ» خَيْرَ رَشِيدِ

قَرَنَتْ مَنَابِرُهُ جَلَائِلَ سَعْيِهِ

وَجِهَادِهِ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ

وَصَغَتْ مَسَاجِدُهُ لِتَرْدِيدِ اسْمِهِ

فَكَأَنَّمَا يَحْلُو عَلَى التَّرْدِيدِ

مَنْ يَجْعَلِ الْإِيمَانَ صَخْرَةَ مُلْكِهِ

رَفَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أَشَمَّ وَطِيدِ

كَمْ وَقْفَةٍ لَكَ فِي الْمَحَارِبِ جَمَّلَتْ

عِزَّ الْمُلُوكِ بِخَشْيَةِ الْمَعْبُودِ

سَجَدَتْ لَكَ الْأَيَّامُ حِينَ تَلَفَّتَتْ

فَرَأَتْكَ بَيْنَ تَشَهُّدٍ وَسُجُودِ

وَتَطَلَّعَ الْإِسْلَامُ فِي أَمْصَارِهِ

يَهْفُو لِظِلِّ لِوَائِكَ الْمَعْقُودِ

سَعِدَ الصِّيَامُ وَشَهْرُهُ بِمُجَاهِدٍ

عَبِقَ الْوُجُودُ بِذِكْرِهِ الْمَحْمُودِ

فَنَهَارُهُ لِلصَّالِحَاتِ، وَلَيْلُهُ

لِلْبَاقِيَاتِ وَلِلنَّدَى وَالْجُودِ

حَيَّيْتَ فِي الْمِذْيَاعِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ

مِنْهُ بِقَوْلٍ مُحْكَمِ التَّسْدِيدِ

جَمَعَ السِّيَاسَةَ كُلَّهَا فِي أَحْرُفٍ

كَالْعِقْدِ أَلَّفَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيدِ

وَكَقَطْرَةِ الْعِطْرِ الَّتِي كَمْ جَمَّعَتْ

مِنْ نَوْرِ أَغْوَارٍ وَزَهْرِ نُجُودِ

قَوْلٌ بِهِ الْحِكَمُ الْغَوَالِي نُسِّقَتْ

مَا بَيْنَ مَنْثُورٍ وَبَيْنَ نَضِيدِ

أَصْغَى إِلَيْهِ الشَّرْقُ يَسْمَعُ دَعْوَةً

قُدْسِيَّةً لِلْبَعْثِ وَالتَّجْدِيدِ

وَزَهَتْ بِهِ الْعَزَمَاتُ بَعْدَ ذُبُولِهَا

وَصَحَتْ بِهِ الْآمَالُ بَعْدَ رُقُودِ

لِلهِ صَوْتُكَ فِي الْأَثِيرِ فَإِنَّهُ

أَخَذَ الْهُدَى وَالْحُسْنَ عَنْ دَاوُدِ!

لَبَّيْكَ يَا مَلِكَ الْقُلُوبِ! فَمُرْ نَكُنْ

لَكَ طَاعَةً، وَاللهُ خَيْرُ شَهِيدِ

إِنَّا بِدَرْسِ الدِّينِ أَبْصَرْنَا الْهُدَى

نُورًا يُشِعُّ بِجَمْعِهِ الْمَحْشُودِ

وَبَدَا الْمَلِيكُ بِهِ يُمَجِّدُ رَبَّهُ

لِلهِ مِنْ نُسْكٍ وَمِنْ تَمْجِيدِ!

أَبْصَرْتُهُ وَالشَّعْبُ حَوْلَ بِسَاطِهِ

كَالطَّيْرِ رَفَّ لِوَرْدِهِ الْمَوْرُودِ

مَا أَسْمَحَ الْإِسْلَامَ! يَجْمَعُ رَحْبُهُ

فِي اللهِ بَيْنَ مُسَوَّدٍ ومَسُودِ

حَرَسَتْهُ أَفْئِدَةٌ تُفَدِّي عَرْشَهُ

وَالْحُبُّ أَقْوَى عُدَّةٍ وَعَدِيدِ

إِنَّ الْجُنُودَ بِهِ تَلُوذُ وَتَحْتَمِي

وَلَكَمْ عُرُوشٍ تَحْتَمِي بِجُنُودِ!

يُصْغِي وَيُنْصِتُ لِلْكِتَابِ وَآيِهِ

فِي سَمْتِ مَوْفُورِ الْجَلَالِ حَمِيدِ

يَا قُدْوَةَ الْجِيلِ الْجَدِيدِ وَذُخْرَهُ

عِشْ لِلْمُنَى فَرْدًا بِغَيْرِ نَدِيدِ

حَارَ الْقَرِيضُ وَكَيْفَ أَبْلُغُ غَايَةً

هِيَ فَوْقَ طَوْقِ يَرَاعَتِي وَجُهُودِي؟

أَعْدَدْتُ أَلْوَانِي لِأَرْسُمَ صُورَةً

أَيْنَ السُّهَا مِنْ سَاعِدِي الْمَكْدُودِ؟

حِلْمٌ كَمَا تُغْضِي الْأُسُودُ تَكَرُّمًا

وَعَزَائِمٌ فِيهَا نِجَارُ أُسُودِ

وَفِرَاسَةٌ سَبَقَتْ حَوَادِثَ دَهْرِهَا

حَتَّى كَأَنَّ الْغَيْبَ كَالْمَشْهُودِ

وَإِرَادَةٌ تَفْرِي الصِّعَابَ شَبَاتُهَا

وَتَهُدُّ عَزْمَ الصَّخْرَةِ الصَّيْخُودِ

وَذَكَاءُ قَلْبٍ لَوْ رَمَى حَلَكَ الدُّجَى

لَمَضَى يُهَرْوِلُ فِي الْمُسُوحِ السُّودِ

مَوْلَايَ! إِنَّ الشِّعْرَ يَشْهَدُ أَنَّهُ

بَلَغَ الْمَدَى فِي ظِلِّكَ الْمَمْدُودِ

أَلْفَى خِلَالًا لَقَّنَتْهُ بَيَانَهُ

فَأَعَادَهَا كَالصَّادِحِ الْغِرِّيدِ

فَلَكَمْ بَعَثْتُ مَعَ الْأَثِيرِ وَحِيدَةً

فِي فَنِّهَا تَشْدُو بِمُلْكِ وَحِيدِ

فَاهْنَأْ بِمِيلَادِ الْأَمِيرَةِ إِنَّهَا

عُنْوَانُ مَجْدٍ طَارِفٍ وَتَلِيدِ

وَانْعَمْ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَاسْعَدْ بِالْمُنَى

فِي طَالِعٍ ضَافِي النَّعِيمِ سَعِيدِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الجارم

avatar

علي الجارم حساب موثق

مصر

poet-ali-jarim@

30

قصيدة

274

متابعين

علي صالح عبد الفتاح الجارم،أديب،وكاتب وشاعر مصري،ولد سنة 1881م في مدينة رشيد بمصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال ...

المزيد عن علي الجارم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة