الديوان » مصر » علي الجارم » قبر حفني

عدد الابيات : 69

طباعة

يَا قَبْرَ حِفْنِي أَجِبْنِي

مَاذَا صَنَعْتَ بِحِفْنِي؟

مَاذَا صَنَعْتَ بِعِلْمٍ؟

وَمَا صَنَعْتَ بِفَنِّ؟

وَمَا صَنَعْتَ بِفِكْرٍ

مَاضِي الشَّبَاةِ وَذِهْنِ؟

طَوَيْتَ خَيْرَ مَثَابٍ

لِلطَّائِفِينَ وَرُكْنِ!

فِي كُلِّ يَوْمٍ رِثَاءٌ

لِصَاحِبٍ أَوْ لِخِدْنِ

حَتَّى لَقَدْ كَادَ شِعْرِي

يَبْكِي لِضَعْفِي وَوَهْنِي

فَإِنَّمَا أَنَا مِنْهُ

وَإِنَّمَا هُوَ مِنِّي

الْوَزْنُ مِنْ نَبْضِ قَلْبِي

وَالْبَحْرُ مِنْ مَاءِ جَفْنِي

رَحَا الْمَنَايَا رُوَيْدًا

خَلَطْتِ طِحْنًا بِطِحْنِ!

وَإِنَّمَا النَّاسُ ظَعْنٌ

يَسِيرُ فِي إِثْرِ ظَعْنِ

فَمَا حَدِيدٌ بِبَاقٍ

وَلَا حِذَارٌ بِمُغْنِي

وَكُلُّ عَقْلٍ مُضِيءٍ

إِلَى خُمُودٍ وَأَفْنِ

يَكَادُ إِنْ مَالَ غُصْنٌ

يَشْكُو الزَّمَانَ لِغُصْنِ

تَعْسًا لَهُ، كَمْ نُعَزِّي

حِينًا، وَحِينًا نُهَنِّي!

مِنِ اجْتِمَاعٍ لِعُرْسٍ

إِلَى اجْتِمَاعٍ لِدَفْنِ

وَالْمَرْءُ يُحْيِي الْأَمَانِي

وَالدَّهْرُ يُبْلِي وَيُفْنِي

فَكَمْ تَمَنَّيْتُ لَكِنْ

مَاذَا أَفَادَ التَّمَنِّي؟

دَعْنِي أُقَلِّبُ طَرْفِي

فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ دَعْنِي

حَيْرَانَ أَضْرِبُ كَفِّي

أَسًى وَأَقْرَعُ سِنِّي

قَدْ خَانَنِي الدَّهْرُ يَوْمًا

يَا لَيْتَهُ لَمْ يَخُنِّي!

أَكُلَّمَا مَرَّ نَعْشٌ

أَوْ طَافَ نَعْيٌ بِأُذْنِي

طَارَ الْفُؤَادُ، فَلَوْلَا

بَقِيَّةٌ، نَدَّ عَنِّي

لَوْلَا التُّقَى لَمْ أَجِدْهُ

بِجَانِبِي أَوْ يَجِدْنِي

قَالُوا: أَجَدْتَ الْمَرَاثِي

فَقُلْتُ: إِنَّ، وَإِنِّي

دُمُوعُ عَيْنِي قَرِيضِي

وَزَفْرَةُ الْوَجْدِ لَحْنِي

عَلِّي أُدَاوِي حَزِينًا

فَالْحُزْنُ يُمْحَى بِحُزْنِ

أَوْ يَشْتَفِي بِبُكَاءٍ

مَنْ شَأْنُهُ مِثْلُ شَأْنِي

أَيْنَ النُّبُوغُ تَوَارَى؟

يَا قَبْرَ حِفْنِي أَجِبْنِي

أَكُلَّمَا لَاحَ بَدْرٌ

رَمَتْهُ رِيحٌ بِدَجْنِ؟

وَخَلَّفَ الْأَرْضَ حَيْرَى

سَهْلٌ يَمُوجُ بِحَزْنِ

وَرُبَّ زَهْرٍ شَذَاهُ

يُزْرِي بِأَرْوَاحِ عَدْنِ

كَأَنَّمَا مَنَحَتْهُ

أَلْوَانَهَا ذَاتُ حُسْنِ

جَمَالُهُ الْغَضُّ أَغْرَى

أَغْصَانَهُ بِالتَّثَنِّي

غَذَّتْهُ أَطْبَاءُ طَلٍّ

حِينًا، وَأَثْدَاءُ مُزْنِ

تَسْرِي بِهِ الرِّيحُ رِفْقًا

فِي خَشْيَةٍ وَتَأَنِّي

كَأَنَّهَا فَمُ أُمٍّ

يَمُرُّ فِي وَجْنَةِ ابْنِ

النَّحْلُ تَرْشُفُ مِنْهُ

رَحِيقَهُ وَتُغَنِّي

تَجْنِي وَلَمْ تَدْرِ يَوْمًا

أَنَّ الرَّدَى سَوْفَ يَجْنِي

طَغَتْ عَلَيْهِ سَمُومٌ

حَرَّى كَأَنْفَاسِ جِنِّ

فَغَادَرَتْهُ رُكَامًا

أَجَفَّ مِنْ عُودِ تِبْنِ

وَالدَّهْرُ أَحْرَى رَفِيقٍ

بِأَنْ يَخُونَ وَيُخْنِي

يَا قَبْرَ حِفْنِي أَجِبْنِي

وَارْحَمْ بَقِيَّةَ سِنِّي

قَدْ رَاعَنِي مِنْكَ صَمْتٌ

بِحَقِّهِ لَا تَرُعْنِي

فَفِيكَ أَمْضَى جَنَانًا

مِنْ كُلِّ فُصْحٍ وَلُسْنِ

وَفِيكَ شِعْرٌ نَقِيٌّ

مِنْ كُلِّ وَقْصٍ وَخَبْنِ

كَأَنَّهُ بَسَمَاتٌ

لِلْوَصْلِ بَعْدَ التَّجَنِّي

أَوْ نَفْحَةٌ مِنْ «جَمِيلٍ»

طَافَتْ بِأَحْلَامِ «بُثْنِ»

أَوْ رَغْوَةٌ مِنْ سُلَافٍ

تَفِيضُ مِنْ رَأْسِ دَنِّ

كَمْ نُكْتَةٍ فِيهِ كَادَتْ

تَخْفَى عَلَى كُلِّ ظَنِّ!

مِصْرِيَّةٍ جَالَ فِيهَا

ذَوْقُ الْأَدِيبِ الْمِفَنِّ

لَوْ كُنْتَ تَعْرِفُ حِفْنِي

لَقُلْتَ: زِدْنِي وَزِدْنِي!

نَحْوٌ يَصُكُّ الْكِسَائِي

وَيَزْدَرِي بِابْنِ جِنِّي

وَإِنْ أُثِيرَ جِدَالٌ

رَأَيْتَهُ خَيْرَ قِرْنِ

الْعِلْمُ أَمْضَى سِلَاحٍ

لَهُ وَأَوْقَى مِجَنِّ

قَدْ كَانَ ضَخْمًا جَسِيمًا

يَبْدُو كَشَامِخِ حِصْنِ

اللَّحْمُ رِخْوٌ بَدِينٌ

لَهُ نُعُومَةُ قُطْنِ

وَالصَّدْرُ رَحْبٌ فَسِيحٌ

مَا جَاشَ يَوْمًا بِضِغْنِ

فِي وَجْهِهِ الْجَهْمِ حُسْنٌ

مِنْ رُوحِهِ الْمُسْتَكِنِّ

قَدْ زَارَنِي ذَاتَ يَوْمٍ

فِي وَقْتِ قَيْظٍ وَكِنِّ

فَكَانَ أُنْسًا تَدَانَتْ

بِهِ الْمُنَى بَعْدَ ضَنِّ

فَاضَ الْحَدِيثُ زُلَالًا

عَذْبًا وَمَا قَالَ قَطْنِي

فُكَاهَةٌ مِنْ لَدُنْهُ

وَنُكْتَةٌ مِنْ لَدُنِّي

فِي الْأُذْنِ قَهْوَةُ كَرْمٍ

وَالْكَفِّ قَهْوَةُ بُنِّ

أَرْوِي وَيَرْوِي الْقَوَافِي

كَالدُّرِّ وَزْنًا بِوَزْنِ

يَا مَجْلِسًا عَادَ وَجْدًا

يُذْكِي الْفُؤَادَ وَيُضْنِي

ضَاعَ الصِّبَا وَرَجَعْنَا

مِنْهُ بِصَفْقَةِ غَبْنِ

حِفْنِي، سَلَامٌ وَنُورٌ

لِقَلْبِكَ الْمُطْمَئِنِّ

فَارَقْتَ أَهْلًا وَسَكْنًا

لِخَيْرِ أَهْلٍ وَسَكْنِ

تَثْنِي إِلَيْكَ الْقَوَافِي

أَعْنَاقَهَا حِينَ تُثْنِي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الجارم

avatar

علي الجارم حساب موثق

مصر

poet-ali-jarim@

30

قصيدة

272

متابعين

علي صالح عبد الفتاح الجارم،أديب،وكاتب وشاعر مصري،ولد سنة 1881م في مدينة رشيد بمصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال ...

المزيد عن علي الجارم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة