الديوان » مصر » علي الجارم » يا خليلي خلياني وما بي

عدد الابيات : 78

طباعة

يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي

أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ

حُلمٌ قد مَضَى وَأَيّامُ أُنْسٍ

ذَهبتْ غيرَ مُزْمِعاتِ الإِيَابِ

وَأَزَاهِيرُ كُنَّ تَاجَ عَرُوسٍ

عُفِّرَتْ بَعدَ لَيْلةٍ في التُّرابِ

وبِساطٌ للشَّاربينَ يُصَلِّي

فيه إِبْريقُهم بلا مِحْراب

في حَدِيثٍ أَحْلَى من الأَمَلِ الْحُلْوِ

وَأَصْفَى دِيباجَةً مِنْ شَرابِ

كلُّ فَصْلٍ كأَنه صَفْحَةُ الرَّوْ

ضِ وَعِنْد العُقَارِ فَصْلُ الْخِطابِ

ومُجُون يَحُوطُه الأَدَبُ الْجَمُّ

فما رَاعَه اللّسانُ بِعَاب

يَتَغَنَّوْنَ بالنُّواسِيِّ حِيناً

وَبِشِعْر الفَتَى أَبي الْخَطَّابِ

كُلَّما هَزَّتِ المُدَامُ يَدَيْهِمْ

قَهْقَهَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الأكْوَاب

صاحَ فيهم دِيكُ الصَّباحِ فَطارُوا

كلُّ جَمْعٍ لفُرْقَةٍ واغْتِرابِ

يا شَباباً أَقام أَقْصَرَ مِنْ حَسْوَةِ

طَيْرٍ عَلَى وَحىً وَارْتِيابِ

لَكَ عُمْرُ النَّدَى يَطِيرُ مَعَ الشَّمْسِ

وَعُمْرُ الْبُرُوقِ بَيْنَ السَّحابِ

كُنْتَ فِينا كما لَمَحْنَا حَباباً

فَنَظَرْنَا فَلمْ نَجِدْ مِن حَبَاب

وَعَرَفْناكَ مُذْ ذَهَبْتَ كما يُعْرَفُ

فَضْلث النُّبُوغِ بعدَ الذَّهَابِ

مُذْ خَلَعْنا ثِيابَكَ القُشْبَ لم نَنْعَمْ

بِشَيءٍ مِنْ مُنْفِساتِ الثّيابِ

وَرَأَيْنا في لَوْنِك الفَاحِمِ اللمّا

حِ هُزْواً بلَوْنِ كلِّ خِضَاب

أَيْنَ لَوْنُ الْحَيَاةِ والقَهْرِ والقُوَّةِ

مِنْ لَوْنِ ناصِل الأعْشاب

يا سَوَادَ العُيُونِ يا حَبَّةَ القَلْبِ

ويا خَالَ كُلِّ خَوْدٍ كَعَابِ

سَرَقَ اللَّيْلُ مِنْك لَوْناً فأمْسَى

مَسْرَحَ اللَّهْوِ مَوْطِنَ الإِطْرَابِ

وَرَأَى فيك أَحْمَدٌ لَوْنَ كافُو

رٍ فَغَنَّى خَوالِدَ الآدَابِ

بَسْمَةٌ للزَّمَانِ أَنْتَ ثلَتْها

كَشْرَةٌ للزَّمَانِ عَنْ أَنْياب

كُلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي بنفْسِي

كَشَفَتْ لي المِرْآةُ وَجْهَ الصَّوَابِ

رُبَّ صِدْقٍ تَوَدُّ لو كَانَ كِذْباً

وكِذَابٍ لو كانَ غَيْرَ كِذَاب

لَيْتَ لي لَمْحَةً أُعِيدُ بها مِنْكَ

بَقَايا تِلكَ الأَمَانِي العِذَابِ

حَيْثُ أَخْتَال ناضِرَ العُودِ بَسَّا

ماً كَثيرَ الهَوَى قَلِيلَ العِتَابِ

في صِحَابٍ مِثْلِ الدَّنانِيرِ لا تبْلَى

مَودّاتُهم بطُولِ الصِّحَابِ

بوُجُوهٍ غُرٍّ تَرَاها فَتَتْلُو

في أَسَارِيرِها سُطُورَ كِتَاب

نَسْبِق الْخطْوَ للسُّرُور وِثاباً

لا تُنَال المُنَى بغَيْر الوِثَاب

وَنَجُرُّ الذُّيولَ في غَيْرِ نُكْرٍ

طَاهِرِي النَّفْسِ طاهِري الْجِلْبابِ

إِنْ دَعَانا الهَوَى لغَيْرِ سَدِيدٍ

سَدَّدَتْنا كَرَائمُ الأَحْسَاب

زَيْنَبٌ أَيْنَ مِنْك زَيْنَبُ والشَّملُ

جَميعٌ والعَيْشُ خِصْبُ الْجَنَاب

وَبنَاتُ الثُّغُورِ يَلْعَبْن بالأَلْبابِ

لِعْبَ الشَّمُولِ بالأَلْبابِ

يَتَظَاهَرْن بالْحِجَأب وَهَلْ أَذ

كَى الجَوَى غَيْرُ لُؤْمِ ذاك الحِجابِ

كَم وُجوهٍ تَنَقَّبَتْ بسُفُورٍ

ووُجُوهٍ قد أَسْفَرت بِنقَاب

أَيْنَ تِلْك الأَيّام بَانَتْ وبنّا

وَتَوَلَّتْ بَشَاشَةُ الأَحْباب

لَيْتَ شِعْري أَيَرْجعُ الأَمسُ عَهْداً

غَصَبتْه الأيَّامُ أيَّ اغْتِصابِ

عَهْدَ دارِ العُلومِ أَنْتَ يَدَ الدَّهْر

جَمَالُ الدُّهُورِ والأَحْقَاب

إنْ ذَكَرْناكَ هَزَّنا الشَّوْق للشَّوْ

قِ وَلَهْوِ اللِّدّاتِ وَالأَترَاب

أَنْتَ خِدْنُ الشَّبابِ بَيْنكما في الْوَهمِ

قُرْبَى وَشِيجةُ الأَنْسابِ

فكأنِّي أَرَى الزَّمَانَ وَقَدْ دَا

رَ وَعادَ الصِّبا نَضِيرَ الإِهَاب

وَأرَى الْجَارِمَ الفَتِيَّ يَقُودُ الْحَشْدَ

في جَحْفَلٍ مِنَ الطُّلاَّب

وَاثِباً لاهِياً لَعُوباً ضَحوكاً

غيْرَ مَا وَاجلٍ وَلا هَيَّابِ

وَاثقاً بالإِله لَيْسَ يَرَى الصَّعْبَ

سِوَى أَن تَهابَ خَوْضَ الصِّعَاب

فَهْوَ كالطَّائرِ الطَّلِيقِ فَحِيناً

في وِهَاد وَمَرَّةً في هِضَاب

عابِثٌ بالغُصُونِ في ظِلِّ رَوْضٍ

حَاكَ أَفْوافَه مُلِثُّ الرَّبَاب

يَحْمِل الكُتْبَ في الصَّبَاحِ وَلِلآ

مالِ في صَدْرِه نَئِيجُ العُبَاب

رَأْسُه رَأْسُ مالِه وامتِلاءُ الرَّأْ

س خَيْرٌ من امْتِلاء الوِطَاب

كُلُّ يَوْمٍ في الامْتِحاناتِ هَيْنٌ

خَطْبُهُ غَيْرَ خَطْبِ يَوْمِ الْحِسَاب

إِيهِ دارَ العُلُوم كُنْتِ بِمصْرٍ

في ظَلامِ الدُّجَى ضِيَاءَ الشِّهَاب

في زَمانٍ مَنْ كَانَ يُمْسكُ فِيه

قَلَماً عُدَّ أَكْتَب الكُتَّاب

أَنْتِ أُمُّ الأَشْبالِ إنْ غَابَ لَيْثٌ

صالَ لِلْحَقِّ بَعْدَه لَيْثُ غَابِ

تَلدين البَنِينَ مِنْ كُلِّ ماضٍ

شَمَّرِيٍ مُزَاحِمٍ وَثَّاب

شاعِرٍ يُنْصِتُ الوُجُودُ إذا قَا

لَ وَيَهْتَزُّ هِزَّةَ الإِعْجَاب

شِعْره زَفْرَةُ الغرَامِ تَعالَتْ

عن قُيُود الأَوْتَأدِ والأَسْبَاب

تَتَغَنّى به العَذَارَى فَيْبعَثْن

الهَوَى بعد صَحْوةٍ وَمَتَاب

تَخِذَتْ فيكِ بِنْتُ عَدْنَانَ داراً

ذَكَّرَتْها بَدَاوَةَ الأَعْرَاب

عَادَها الْحُسْنُ في ذَرَاكِ ورَوَّا

هَا عَلَى غُلَّةٍ نَمِيرُ الشَّبَابِ

وَغَدَتْ في عُطَاظَ بَيْنَ شُيُوخٍ

فَتَنَتْهم بسِحْرِها الْخلاَّب

خَلَعُوا في طِلابِها جِدَّة العُمْرِ

وقَدْرُ المَطْلوبِ قَدْرُ الطّلاَب

وَدَنَوْا من خِبَائها فَأَرَتْهم

ثَمَراتِ النُّهَى وَسِرَّ الكِتَاب

لَكِ دَارَ العُلومِ في كُلِّ نَفْسٍ

أَثَرُ القَيْنِ في صِقَال الْحِرَابِ

حَسْبُ مُطْرِيك أَنَّ كلَّ نَجيبٍ

نَفْحَةٌ مِنْ رِجَالِكِ الأَنْجَاب

أنْتِ كالنِّيلِ كُلَّما مَسَّ جَدْباً

هَزَّهُ بالنَّمَاءِ والإِخْصَاب

كِيمِياءُ العُقُولِ أنتِ تصوغِينَ

نضاراً من النُحاسِ المُذَابِ

إنَّ خَمسِينَ حِجَّةً قد كَفَتْ مِنْكِ

لِمَلْءِ الدُنْيا بكلِّ عُجاب

نَهَضَتْ مِصْرُ نَهْضَةَ النَسْرِ فيها

واسْتَوَتْ فوْقَ مُسْتَقرِّ العُقاب

كُلُّ عامٍ كأنَّهُ خُطْوَةُ الْجَبارِ

أو وَثْبَةُ الأُسُودِ الغِضاب

كُلُّ عام كأنَّه عَلَمُ النَصْرِ

بِكَفِّ المُظَفَّرِ الغَلاَّب

كُلُّ عَامٍ كَطَالِعِ السَعِدْ شِمْنَا

هُ عَلَآ طُولِ غَيْبةٍ وَاْحِتجاب

كُلُّ عامٍ كالفَجْرِ يَهْزِمُ لَيْلا

نَابِغِيَّ الهُمُومِ والأَوْصاب

كُلُّ عامٍ كأنَّهُ الأَمَلُ الضَا

حِكُ وافاكَ بعدَ طُولِ ارْتقابِ

كُلُّ عامٍ كَوَافِدِ الْغَيْثِ تَلْقَا

هُ وُجُوهُ الرِّياضِ بالترْحابِ

لا تَهابِي دارَ العُلُومِ مُلِمّاً

آفةُ المجدِ والعُلاَ أَنْ تَهابي

إنّ ف مِصْرَ لو عَلِمْتِ قُلُوباً

وَاجِفَاتٍ لقَلْبِكِ الوَجَّاب

سَتَنَالِينَ بالمَليكِ فؤادٍ

كلَّ ما تَرْتَجينَ مِنْ آرَاب

لا تُرَاعِي وفي الكِنَانةِ سَعْدٌ

بَيْنَ أشْبَالِهِ الشِدَادِ الصِلاب

واطلبي الْخَيْرَ والمُنَى مِنْ فُؤادٍ

ناشرِ الفَضْلِ ناصِرِ الآداب

لا خَلَتْ مِصْرُ مِنْ نَدَاهُ فَقَدْ صا

رَ عِنَانَ القُلوبِ طَوْقَ الرِقاب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الجارم

avatar

علي الجارم حساب موثق

مصر

poet-ali-jarim@

30

قصيدة

274

متابعين

علي صالح عبد الفتاح الجارم،أديب،وكاتب وشاعر مصري،ولد سنة 1881م في مدينة رشيد بمصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال ...

المزيد عن علي الجارم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة