عدد الابيات : 57

طباعة

أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي

يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ

غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ، ورشَّتْ

عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي

واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه

عجوزاً له رُواءُ الشَّباب

كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ، ومسَّتْهُ

بأذيِالها مُتونُ السَّحاب

وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ

تُزْهَى ، أو جَدْولٍ في كتاب

كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ

فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب

وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ

الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب

وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ

لِطافٌ ، من مُسْتَقِلٍّ وكابي

و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى

كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب

منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ

ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب

وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ

بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي

والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ "

العُرس مبثوثةً بدونِ حساب

وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ

عليها ، عمارةً في غاب

وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ

كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي

زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ

يَسبي كزهو أهلِ القباب

و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى

مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب

حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ

عناقيدَ زينةً للكعاب

رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً ، وأُخرى

ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب

سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ

وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب

وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟

وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب

وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً

حِداداً مَلِيئةً بالسّباب

نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً

ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب

إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ

ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"

كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ

ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب

غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ

قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب

وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ

" عُريانةً " وراءَ حجاب

وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ

ما تشتهي مِنَ الألعاب

أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى

كلَّ ما فوقَها ، وأيَّ خِضاب

هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ

ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب

ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين "

طَوالَ النَّهارِ في أتعاب

حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ

في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب

واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ

يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"

يا مَثارَ الأحلامِ ، يا عالَمَ الشّعر

طريّاً ، يا جَنَّةً من تراب

يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي

عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب

حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ

اغتِراراً من الأماني العِذاب

هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي

مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي

وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى

من حسودٍ ، ومن صديقٍ محابي

لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي

" نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!

كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري

المياهِ بينَ الشِّعاب

بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد

لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب

آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ

في عامرٍ له وخراب

رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ

الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب

كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ

مستفيضِ المياهِ والأعشاب

وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى

روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب

قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ

على غيرها وحارَ صِحابي !

أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا

ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب

غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ

"ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!

إيهِ " لُبنانُ " ، والحديثُ شجونٌ

هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟

حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ

أنا أدرى بردِّهِ والجواب!

ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ!"

" مُسْتَقلٍّ " يلوذُ بـ " الانتداب" ؟

خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ "

وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب

ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ

فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب

ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً "

تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب

ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً

كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب

خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن

بَطشةِ عاتٍ ، وخائنٍ كذّاب

غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ

تُريني غنيمتي في الإياب

أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم

بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1906

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة