أَيَا شِعْرَ الْفُحُولِ، أَقْبِلْ وَجَاوِزِ

حُدُودَ الْبَوْحِ فِي عِزٍّ تَحَلَّاهَا

أَنَا الْحَرْفُ الَّذِي رَقَّتْ مَعَانِيهِ عَلَى

لِسَانِ الْمَجْدِ، مِنْ نَارٍ وَأَشْجَاهَا

سَأَنْحَتُ فِي صُخُورِ الْحَرْفِ سَطْوَتَهَا

لِتَعْلُوَهَا الْقَوَافِي فِي مُعَلَّاهَا

مَدَحْتُ الَّتِي أَذْهَلَتْ ذَوِي فِطْنَةٍ

فَمَا عَرَفُوا الْمَدَى إِلَّا بِمَرْآهَا

هِيَ لَا تُجَارَى بِالْمَلِيحَةِ حُسْنُهَا

فَمَا الْخَلْقُ إِلَّا مِثْلٌ بِظِلَّاهَا

سَمَاهَا الدَّلَالُ وَأَوْمَأَتْ بِكِبْرِيَاهَا

فَغَارَ الْحُسْنُ لَمَّا انْجَلَتْ مَسْبَاهَا

تَهَادَى السِّنَا فِي مُقْلَتَيْهَا فَانْثَنَى

يُنَاجِي الضَّوْءُ خَدَّيْهَا وَيَنْهَاهَا

تَمُرُّ كَأَنَّ الْأَرْضَ تَمْشِي هَيْبَةً

فَتَصْمُتُ الرِّيحُ إِجْلَالًا لِمَمْشَاهَا

أَأُنْشِدُهَا مَدِيحًا؟ وَالْمَدِيحُ بِخَيْلِهِ

إِذَا سُقِيَتْ جُفُونُ الْحُسْنِ مَجْرَاهَا

فَهِيَ الَّتِي إِنْ رُمْتَ وَصْفَ فَتَاتِهَا

تَعَثَّرْتَ بِالْأَمَانِي الْعُيُونُ قَبْلَ رُؤْيَاهَا

تَتِيهُ، كَأَنَّ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ مَا

تَجَلَّى إِلَّا مُسْتَلْهِمًا عِطْرَ ثَنَايَاهَا

جَمَالُ الْكَوْنِ مُلَخَّصٌ فِي بَسْمَةٍ

إِذَا ابْتَسَمَتْ، سَكَنَتْ بِهَا دُنْيَاهَا

فَهِيَ الْجَمِيلَةُ، بَلْ جَمَالُ جَمَالِهَا

تَوَارَى الْحُسْنُ حَيَاءً مِنْ سَجَايَاهَا

وَمَا الْفِتْنَةُ الْعَمْيَاءُ إِلَّا نَغْمَةٌ

مِنَ الْوَجْدِ النَّقِيِّ غَنَّى كُلَّ شَذَاهَا

وَإِنْ نَطَقَتْ، فَالصَّوْتُ لَحْنٌ خَالِدٌ

تَتِيهُ بِهِ الْقَوَافِي مِنْ لَحْنِ سَمَاهَا

أَأَدَّعِي مَدْحًا؟ وَمَدْحِي عَاجِزٌ

إِذَا بَرَقَ الْجَمَالُ وَسَمَّا بِمَا تَمَنَّاهَا

كَأَنَّ اللَّيْلَ لَوْ صَاغَ النُّجُومَ جَمِيعَهَا

لَمَا نَالَ ارْتِعَاشَ النُّورِ فِي جَفْنَاهَا

مَلِيكَةُ الْحُسْنِ اسْتَوَتْ فَوْقَ الذُّرَا

وَمَا دَانَتْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ تَعَدَّاهَا

هِيَ دُرَّةٌ فِي الْكَوْنِ لَيْسَ لَهَا أَخٌ

وَلَا أُخْتٌ تُبَارِيهَا بِالْحُسْنِ وَتُبْدَاهَا

فَدَعِ التَّغَنِّي بِالصِّبَا إِنْ كُنْتَ لَا

تُجِيدُ الْوَصْفَ حِينَ تَجِيءُ شُهْبَاهَا

فَإِنَّهَا عِلْمُ الْجَمَالِ وَحُجَّتُهُ

إِذَا تَاهَ الْوَرَى بِالدُّجَى لَمَّتْ شَتَايَاهَا

هِيَ تَعْلَمُ الْفَخْرَ الْمُجَلْجِلَ أَنَّهَا

أَعْلَى وَأَبْهَى مِنْ أَمَانٍ رَاحَ رَعْيَاهَا

هِيَ لَا تُعِيرُ الطَّرْفَ مَنْ يُبْدِي لَهَا

مَدِيحًا، فَالْمَزَايَا عِزُّ مَجْدِ مَرْسَاهَا

وَكَمْ قَدْ تَغَنَّى الْعَاشِقُونَ بِحُسْنِهَا

فَمَا نَالُوا مِنَ الْعُلْيَا سِوَى أَصْدَاهَا

فَدَعِ الْقَوْلَ، إِنَّ الْقَوْلَ أَضْعَفُ حِيلَةٍ

أَمَامَ الَّتِي طَوَّعَتْ بِالْيَدَيْنِ هَوَاهَا

تُرِيكَ السِّحْرَ فِي طَرْفٍ تَلَوَّنَ وَازْدَهَى

فَغَارَتْ مِنْ تَرَفِ النَّظَرَاتِ أُخْتَاهَا

وَتَسْحَرُ عَقْلَ مَنْ أَبْصَرْنَ فِيهَا وَقَارَهَا

فَأَغَضَّ الطَّيْرُ أَجْنِحَةً سُرَاهَا

تَخْطُو، كَأَنَّ الْأَرْضَ تَبْكِي فَقْدَهَا

إِذَا فَارَقَتْ خُطَاهَا فِي سَنَاهَا

تَفِيضُ عَلَى الْوُجُودِ بِنُورِهَا

فَتَسْجُدُ زَهْرَةُ الْآمَالِ لِنَدَاهَا

تَرَى فِيهَا الْمَجَازَ يَصِيرُ حُجَّةَ مَنْطِقٍ

إِذَا فَقِهَ الْبَيَانُ جَلَالَ مَعْنَاهَا

تَوَشَّحَ بِالضِّيَاءِ جَبِينُهَا فَتَجَمَّلَتْ

سِمَاتُ الصُّبْحِ إِنْ تَنْسَابُ مِنْ فَاهَا

فَمَا الشَّمْسُ إِلَّا رَهْنُ عَيْنَيْهَا إِذَا

تَجَلَّى الصُّبْحُ مِنْ ذَهَبٍ بُكَاهَا

وَمَا الْغَيْمُ إِلَّا ظِلُّ خَدَّيْهَا إِذَا

تَنَامَى الْبِشْرُ يُغْرِي مَنْ تَلَاقَاهَا

وَمَا الْوَرْدُ إِلَّا رَشْفَةٌ مِنْ عِطْرِهَا

تَخَطَّفَهُ النَّسِيمُ إِلَى طِيبِ رُبَاهَا

تُحِيطُ الْحُسْنَ بِالْأَسْرَارِ وَهِيَ تُجَلِّلُهُ

كَأَنَّ النُّورَ مَسْكُوبٌ عَلَى لَهْجَاهَا

فَمَا سَارَتْ بِخَطْوٍ غَيْرِ مُنْتَظِمٍ

إِلَّا وَكَانَ الْبَدْرُ يُتْقِنُ مَا خَطَاهَا

هِيَ الْوُدُّ لَوْ جَادَ الزَّمَانُ بِعِزِّهَا

تُفِيضُ الْحُبَّ مِنْ سُحُبٍ جَرَاهَا

تَحَلَّقَ حَوْلَهَا فِكْرُ الزَّمَانِ تَأَمُّلًا

فَمَا أَدْرَكَتْهُ أَفْهَامٌ بِالسِّحْرِ مَرْمَاهَا

كَأَنَّ الشِّعْرَ مُذْ خَلَقَ الْإِلَهُ لِسَانَهُ

تُعَافُ الْقَوَافِي غَيْرَ مَا يُهْدَاهَا

تُجِيدُ الصَّمْتَ لِوَقْتِ الْكَلَامِ فَتَسْتَوِي

عَلَى عَرْشِ التَّجَلِّي حِينَ تُبْدَاهَا

وَتَخْفِي فِي دُمُوعِ الْعَيْنِ أُغْنِيَةً

إِذَا نَاحَتْ، بَكَتِ الْأَيَّامُ نَجْوَاهَا

وَمَا مِنْ قُبْلَةٍ نَالَ الْهَوَى مِثَالَهَا

إِلَّا وَكَانَ الطُّهْرُ يَغْسِلُ مَعْنَاهَا

تُجَارِي الْغَيْمَ فِي عِزِّ الْخَفُوقِ

كَأَنَّهَا وَلِيدَةُ عِزٍّ مِنْ أَقْدَارِ مَوْلَاهَا

أَيَا مَنْ رَاحَ يُنْشِدُ فِي هَوَاهَا صَبْوَةً

تَأَنَّ، فَإِنَّهَا لَا يُرْتَجَى خَيْرُ مَأْوَاهَا

فَهِيَ الْعَلْيَاءُ، إِنْ نَزَلَتْ، تَعَالَتْ شِيمَةً

وَإِنْ صَعِدَتْ، تَسَامَى الْفَخْرُ مَثْوَاهَا

تَهِيمُ الرِّيحُ إِنْ مَرَّتْ بِخُطْوَتِهَا، كَأَنَّ

نَسَائِمَهَا غَدَتْ مِنْ نَسْجِ يُمْنَاهَا

وَيُصْغِي اللَّيْلُ إِنْ نَادَتْ مَوَاوِيلَ الْهَوَى

كَأَنَّ الْكَوْنَ صَاغَ اللَّحْنَ مِنْ نَجْوَاهَا

إِذَا نَظَرَتْ، رَأَيْتَ الْحُلْمَ فِي أَعْمَاقِهَا

تَجَلَّى طَيْفُهُ فِي حُسْنِ لَحْنِ مَغْنَاهَا

تُحْيِي الْحَرْفَ مِنْ وَجَعٍ، وَتَسْكُبُهُ هُدًى

كَأَنَّ اللَّهَ أَلْقَى السِّرَّ فِي ذِكْرَاهَا

هِيَ الْآيَاتُ، لَوْ نَطَقَ الْجَلَالُ بِصَوْتِهَا

لَكَانَ الْكَوْنُ سَاجِدًا لِأَنْدَاهَا

فَيَا وَيْلَ الْقَصَائِدِ حِينَ تَذْكُرُ وَصْفَهَا

تَجِفُّ حُرُوفُهَا عَجْزًا بِمَعْنَاهَا

وَمَا حُسْنُ الْخَلِيقَةِ كُلِّهَا إِنْ قَارَبَتْ

بَدِيعَ الْخَلْقِ فِي نُطْقٍ بِدُنْيَاهَا

تَضُمُّ الْكَوْنَ أَنْفَاسًا وَتُنْهِي دَهْشَةً

بِمَحْضِ حُضُورِهَا فَيْضًا لِمَرْآهَا

وَكَمْ مِنْ شَاعِرٍ نَطَقَ الْهَوَى فَأَصَابَهُ

جُمُودُ الشِّعْرِ إِنْ سَارَتْ فَغَنَّاهَا

إِذَا مَشَتِ الْقُلُوبُ تَمِيلُ لِسُكْرِ الرُّؤَى

وَيُسْكَرُ صَمْتُهَا مَنْ ذَاقَ شَذَّاهَا

تَرَى فِيهَا الزَّمَانَ يَصِيرُ نَاصِيَةَ الْهَوَى

وَيَسْبِقُ عَهْدَهَا مَاضٍ بِحَاضِرَاهَا

وَفِي عَيْنَيْكِ تَرْجَمَةُ الْمَدَى، سِحْرٌ بَدَتْ

عَلَى الْأَزْمَانِ مِنْ أَسْرَارِ خُطَاهَا

كَأَنَّكِ حِينَ تَبْتَسِمِينَ، تَمْحُو كُلَّ حُزْنٍ

وَتُنْزِلُ فِي الْقُلُوبِ سِنَا رُؤْيَاهَا

تُرَبِّي الْكِبْرِيَاءَ بِنَظْرَةٍ إِنْ قَالَتِ

كَفَى، فَالصَّمْتُ يَجْثُو فِي ثَنَايَاهَا

هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي شَهِدَ الْوُجُودُ بِرِفْعَةٍ

تُعَانِقُ مَجْدَهَا، بَلْ لَا يُدْنَّاهَا

إِذَا نَطَقَتْ تَكَلَّمَ الْحَيَاءُ بِصَوْتِهَا

وَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَسْتَلْهِمُ خُطَاهَا

وَإِنْ نَظَرَتْ، فَذَاكَ النُّورُ يَأْخُذُ مَدَّهَا

وَيُزْهِرُ كَوْكَبٌ إِنْ بَانَ مَسْرَاهَا

وَمَا فِي الْحُسْنِ مِنْ سِرٍّ يُحَاكَى وَصْفُهُ

إِلَّا وَكَانَ بِهَا سِرُّ الْجَمَالِ لِحُلَّاهَا

تُرَفْرِفُ فَوْقَ أَعْنَاقِ الْخَيَالِ كَأَنَّهَا

خُيُولُ الشِّعْرِ فِي طَلَعٍ تَحَرَّاهَا

وَتَسْكُنُ فِي الْقُلُوبِ وَلَا تُزَايِلُ نُبْلَهَا

فَتَبْقَى الذِّكْرُ، يُحْيِيهَا وَيُرْضَاهَا

وَمَا اخْتَالَ الزَّمَانُ بِفَاتِنَاتِ قَوَامِهِ

إِلَّا غَدَا أَسَفًا لِلْبَدْرِ أَنْ لَمْ يُشَبَّاهَا

وَمَا النَّجْمَاتُ إِلَّا قَبَسُهَا الْمُتَأَنِّقُ

إِذَا سَهِدَتْ تُنَاجِيهَا وَتُهْدَاهَا

تَجُولُ كَأَنَّهَا لُغْزٌ تَسَامَى فِكْرُهُ

وَحَارَتْ حِكْمَةُ الْعُشَّاقِ فِي شُذَاهَا

وَمَا اخْتُصِرَ الْجَمَالُ كَمَا اخْتَصَرْتُ

حُرُوفَهُ إِلَّا بِوَصْفِكِ فَاضَ الشِّعْرُ يُهْدَاهَا

هِيَ الْخَمْرُ الَّتِي لَا يُسْتَبَاحُ شُرْبُهَا

وَلَكِنْ كُلُّ رُوحٍ لِلْبَشَرِ قَدْ تَمَنَّاهَا

وَفِيهَا لَوْعَةُ الشَّوْقِ الْقَدِيمِ إِذَا

سَرَتْ فَمَا نَارُ الْهَوَى إِلَّا لِذِكْرَاهَا

تُصَاغُ مِنَ التَّأَمُّلِ حِينَ تَحْضُرُ، فِتْنَةً

تُذِيبُ الصَّخْرَ إِنْ هَامَتْ بِلَيْلَاهَا

أَيَا أُنْشُودَةَ الْأَعْمَارِ، يَا سِرَّ الدُّنَا

سَلَامٌ لِلَّذِي أَهْدَى ضِيَّاءَ سَنَاهَا

وَلَوْ أَنْشَدْتُ حَتَّى أَخْرَسَ الْوَتَرُ الَّذِي

بَكَيْتُ عَلَيْهِ، مَا أَوْفَيْتُ مَعْنَاهَا

فَدَعْنِي أَنْحَنِي لِلشِّعْرِ، مُقِرًّا أَنَّهُ

تَضَاءَلَ فِي مَدِيحِكِ ثُمَّ فُهَّاهَا

أَأَوْصَافُ الْمِلَاحِ جَمِيعُهَا فِي شَخْصِهَا؟

أَمْ أَنَّ الْحُسْنَ مُذْ خُلِقَ انْزَوَى لَاهَا؟

سَقَاهَا الْعِزَّةُ الْكِبْرِيَاءَ، فَجَلَّلَتْ

مَهَابَتَهَا، وَأَطْغَى الْحُسْنُ تَقْوَاهَا

تَحَلَّتْ بِالسَّكِينَةِ حِينَ تَنْأَى نَظْرَةً

كَأَنَّ الصَّمْتَ يُورِقُ أَخْضَرًا لِثَنَايَاهَا

إِذَا ابْتَسَمَتْ، تَمَادَى الْفَجْرُ فِي طَرَبٍ

وَقَالَ النُّورُ: لَنْ أَبْرَحَ عِطْرَ حَنَايَاهَا

كَأَنَّ اللَّهَ حِينَ صَوَّرَ بِالْجَمَالِ آيَةً

أَبَانَ بِهَا الْمَدَى فِي نُطْقِ مُحَيَّاهَا

هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي إِنْ قَامَ وَصْفُكَ لِلْوَرَى

تَقَاصَرَتِ الْعُقُولُ أَمَامَ جَمَالَ مَغْنَاهَا

وَمَا خَطَرَ الْهَوَى فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ إِلَّا

وَكَانَ بِهَا تَمَامُ الْحُسْنِ بَدْرَ أَسْمَاهَا

تُعَلِّمُنَا التَّرَفُّعَ فِي الْجَمَالِ، وَتَرْتَقِي

فَكُلُّ الشِّعْرِ مَذْبُوحٌ عَلَى شُهْبَاهَا

هِيَ الصِّدْقُ الَّذِي مَا انْفَكَّ يَسْكُنُ وَجْهَهَا

وَيَسْأَلُ طُهْرَهُ النَّجْمُ بِـ "أَيْنَ تَرَاهَا؟"

وَمَا وَصَفْتُ، وَلَكِنْ قَدْ سُبِيتُ بِجَفْنِهَا

وَقَدْ خَضَعَتْ جُيُوشُ الْحَرْفِ تَرْعَاهَا

أَيَا مَنْ فِي حُضُورِكِ بَاتَ صَمْتِي شَاعِرًا

أَطُوفُ عَلَى يَدَيْكِ، وَحْيُ وَجْنَاهَا

أُرَاهَا كُلَّمَا غَابَتْ، تُقِيمُ بِدَاخِلِي

كَأَنَّ الْبُعْدَ عَادَ الْحُبَّ يَغْشَاهَا

تُقِيمُ بِمُهْجَتِي ذِكْرَى، وَتَسْكُنُ خَافِقِي

وَتَنْسِجُ مِنْ دَمِي شِعْرًا وَأَشْجَاهَا

فَإِنْ طَيْفَ الْهَوَى مَرَّ ارْتَجَفْتُ، كَأَنَّنِي

أُعِيدُ الرُّوحَ حِينَ تَمُرُّ طِيبَ ذِكْرَاهَا

هِيَ النَّبْضُ الَّذِي إِنْ ضَاعَ مُتُّ بُرْهَةً

وَأُحْيِي الْقَلْبَ مِنْ سُبُحَاتِ رُؤْيَاهَا

إِذَا مَا هَبَّتِ الذِّكْرَى تُعِيدُ طُفُولَتِي

فَأَسْكُنُ فِي هَوَاهَا ثُمَّ أَهْوَاهَا

أُحَدِّثُ مُهْجَتِي عَنْهَا فَتَسْهَرُ فَرْحَتِي

وَكَأَنَّ الْقَلْبَ مُذْ عَايَنْتُهَا فَاهَا

وَلَوْ أَنْشَدْتُ فِي وَصْفِ الْعَفِيفِ نُطْقَهَا

لَكَانَ الْفَجْرُ مِنْ فِطْرَتِهَا يَشْجَّاهَا

هِيَ الْكَنْزُ الَّذِي لَمْ يُكْشِفِ الدَّهْرُ

النَّدَى عَنِ الْأَسْرَارِ فِي صِدْقٍ سُقْيَاهَا

هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي تَمْضِي وَيُبْعَثُ بَعْدَهَا

رَبِيعُ الْأَرْضِ إِنْ حَنَّتْ لِمَمْشَاهَا

تَفِيضُ السِّحْرَ لَا عُهْرًا، وَلَكِنْ نُبْلَهَا

إِذَا انْحَازَ الْمَدَى، تَسْبِي مَدَاهَا

وَكَمْ مَرَّتْ عَلَى وَجَعِي فَأَصْبَحَ بَاسِمًا

كَأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ عَادَتْ نُورُ رُؤَاهَا

هِيَ الدَّعْوَةُ الَّتِي لَمْ يُفْصِحِ الْأَمَلُ بِهَا

وَلَكِنْ صَارَ قَلْبِي فِي دُعَاءِ مُنَاهَا

وَإِنْ غَابَتْ، فَمَا زَالَتْ تُقِيمُ بِنَاظِرِي

وَتُوقِظُ كُلَّ أَشْوَاقِي لِطِيبِ نَجْوَاهَا

فَأُقْسِمُ بِالشَّذَا، وَالْحُسْنِ، وَالسِّحْرِ

النَّدَى بِأَنِّي مَا نَسِيتُ، سِحْرَ جُفَنَّاهَا 

وَأَنِّي قَدْ خَلَعْتُ الشِّعْرَ مُذْ نَطَقْتُهَا

فَصَارَتْ فِي يَدَيَّ الرُّوحُ تِفْدَاهَا

وَيَا شِعْرُ، إِنْ حَاوَلْتَ مَجْدَ مَلَامِحٍ

فَدَعْنِي وَحْدِيَ الْمَنْفَى بِلُقْيَاهَا

وَيَا فُصْحَى، أَعِيدِي الْحَرْفَ مِنْ سُكْرِ

الْمَدَى فَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَقَّ فِي دُنْيَّاهَا

سَلَامًا لِلَّتِي أَحْيَتْ يَبَابَ قَصِيدَتِي

وَزَلْزَلَتِ الْقَوَافِي أَبْيَاتًا ثُمَّ أَغْنَاهَا

خِتَامُ الشِّعْرِ أَنْ تَسْرِي وَتَتْرُكَ فِي الدُّنَا

مَقَامَ الشَّمْسِ إِنْ طَالَتْ مَسْرَاهَا

أَفِقْ يَا مَنْ تَغَنَّى فِي هَوَاهَا، إِنَّهَا

تَعَالَتْ عَنْ رَجَاءٍ بِاللُّقْيَا نَدَاهَا

فَكُلُّ مَدِيحِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَجْمَعِهِ

حُرُوفٌ لَا تَفِي جُودًا بِالْخَرْفِ رُؤْيَاهَا

وَإِنْ سَكَتَ الْبَيَانُ أَمَامَ سِحْرِ طُلُوعِهَا

فَذَاكَ الْفَخْرُ أَنَّ الشِّعْرَ أَخْفَاهَا

فَدَعْهَا فَوْقَ هَامِ الْمَجْدِ خَافِقَةً

فَمَا نَالَتْ يَدٌ شَمْسًا بِعُلْيَاهَا

وَإِنْ عُدْتَ تُسَائِلُ عَنْ مَدَاهَا، فَاسْأَلِ

نُجُومَ الْحُسْنِ مَنْ كَانَتْ سَمَاهَا