الديوان » لبنان » عمر تقي الدين الرافعي » غبّ لثمي مواطئ الأقدام

عدد الابيات : 93

طباعة

غبّ لثمي مواطئَ الأَقدامِ

وَاِلتماسي منكِ الرِضى بِدَوامِ

أَبتَدي يا أُميمُ في وَصفِ حالي

منذ فارَقتُ مَوطِني وَمقامي

وَحَديثُ النوى لعمري عجيبٌ

فيهِ تُروى عَجائِبُ الأَيّامِ

فَأَعيريهِ سمعَكِ وَاِمنَعيه

دمعَكِ إِن هَمى كدَمعي الهامي

لا تَقولي واحَسرَتي كَمَقالي

بِنَواكِ وَلا تَهيمي هيامي

إِنّ قَلبي الشَجِيّ زادَ شُجوناً

لَيلَةَ البَينِ من ليالي الصِيامِ

لَيلَةٌ لَيتَها اِنطَوَت وَلم أَدرِ فيها

كيف طيّ الحَشا وَنَشر العِظامِ

لَيلَةٌ حرتُ في دُجاها فَلَم أَهـ

ـتَدِ فيها إِلى طَريقِ السَلامِ

وَالأَسى يَبعَث الأَسى مُستَفيضاً

كَدُموعي تَفيضُ فيضَ الغمامِ

لَم أَنُح كَالحَمامِ خوفَ حِمامٍ

بَل لِفَقدِ الحِمى فَتاهَ المُحامي

إيهِ داراً طرقتُها في ظَلامِ الـ

ـلَيلِ أَبغي قُرى أَهيلِ الخِيامِ

كيف آويتِ طارِقاً وَوَسعتِ

راجِياً ما أَقامَ طيبَ الإِقامِ

إيهِ كَيفَ اِستَقبلتِ ضيفَكِ بالتر

حِيبِ وَالإِحتِرامِ وَالإِكرامِ

كيفَ آمنتِ خائِفاً مُستَعيذاً

من عُيونٍ كَعاشِقٍ مُستَهامِ

إيهِ دارَ العَلِيِّ وارِثِ جدٍّ

كانَ عزّاً لِمِلَّةِ الإِسلامِ

أَينَ زالَ الوَلِيُّ طابَ ثَراهُ

أَينَ أَبناؤُهُ بَنو الأَعمامِ

ثارَ الدَهرُ حيثُ ثارَ عَلَيهِم

وَتَغاضَوا عنهُ تَغاضي الكِرامِ

وَتَمادى في الأَمرِ حيثُ فَرَّق شَملَ الـ

ـجَمعِ من بعدِ جَمعِهِ بِاِلتِئامِ

ما أَرى منهمُ بِرَحبِكِ يا دا

رُ مقيماً سوى حَفيظِ الذِمامِ

عُمَرِيَّ الأَخلاقِ ذاكَ سَمِيُّ الـ

ـجَدِّ ذاكَ الهُمامُ وَابنُ الهُمامِ

عَمَّرَ اللَهُ فيهِ بيتاً كَريماً

عُمَرِيّاً سَما عَلى كُلِّ هامِ

طِبتِ نَفساً بِهذِهِ الدارِ لكن

وُجهَتي طَيِّبَةٌ وَدارُ السَلامِ

وَصَديقي لا زالَ يَحيى صَديقي

لَم يَدَعنِي في يَقَظةٍ أَو مَنامِ

غيرَ أَنَّ الأَوهامَ إِذ دَهَمَتهُ

أَبدَلَتهُ الإِقدامَ بِالإِحجامِ

فَتَوَلَّى عَنِّي لِداعٍ دَعا

لا يُبالي إِن لُمتُهُ بِمَلامِ

وَعَجيبٌ يَموتُ بِالوَهمِ قَومٌ

وَأُناسٌ تَعيشُ بِالأَوهامِ

رُبَّ داءٍ يصِحُّ منهُ دَواءٌ

بِاعتِلالِ العُقولِ وَالأَجسامِ

مَن عَذيري إِن هِمتُ ثمَّ عَلى وَجـ

ـهي وَعَذيري بادٍ لِكُلِّ الأَنامِ

آهِ كَم ذا أَهيمُ في كُلِّ وادٍ

وَالأَسى بي مُبرِّحٌ بِدَوامِ

كَم وَكَم شاهِقٍ بَلَغتُ ذُراهُ

إِذ تَسَنَّمتُهُ عَلى أَقدامي

وَلَكَم مَغارَةٍ بِتُّ فيها

رابِضاً كَالأُسودِ في الآجامِ

غَيرَ أَنَّ الطوفانَ عمَّ جَميعَ الـ

ـأَرضِ أَينَ المَفَرُّ فِيمَ اِعتِصامي

غَيرُ بِدعٍ إِن لَم تَكُن عَصَمَتني

مِنهُ علماً وَلا ذُرى الأَعلامِ

فتوسَّلتُ يا أُميمُ بِأُمِّي

لِأَبيها عَلَيهِ أَزكى السَلامِ

وَتَشفَّعتُ مِن ذُنُوبي وَقيعاً

بِشَفيعِ الوَرى بِيَومِ الزِحامِ

فَحَباني القَبولَ بَرٌّ رَحيمٌ

رَحمَةً مِنهُ في ذَوي الأَرحامِ

وَأَتتني بُشرى القَبولِ مَناماً

حينُ وافَيتُ مَضجَعي وَمَنامي

مثَّلَت لي رُؤيايَ أَنِّي مَريضٌ

لازَمَتني الآلامُ كُلَّ لِزامِ

فَأَتَتني بِالرُوحِ أَرواحُ أَهلي

كَالهَيُولى خَلَت عن الأَجسامِ

فَتَهَيَّبتُها فَأَغضَيتُ عنها

فَغَدا الطَرفُ قاصِراً لاِحتِشامِ

غَيرَ أَنِّي أَدرَكتُ أَنَّ رَسولَ الـ

ـلَهِ فيهِم إِدراكُ ذي إِلهامِ

وَالبَتولُ الزَهراءُ بَل والِدَتُها

وَنِساءٌ طُهرٌ وَقَفنَ أَمامي

قَلَّبتني الأَكُفُّ مِنهُنَّ مَيتاً

وَبِها عِشتُ بَعدَ موتٍ زُؤامِ

يا لَها مِن عِيادَةٍ لِسقيمٍ

نالَ فيها الشِفا مِن الأَسقامِ

عادَني الجَمعُ ثمَّ عادَ فَوَلَّى

فَتَمَثَّلتُ مُفرَداً بِقِيامي

فَإِذا البَتولُ روحي فَداها اِلـ

ـتَزَمَتنِي في الأَمرِ كُلَّ اِلتِزامِ

فَتَقَدَّمتُ شاكِراً حينَ لَثمي

يَدَها ثُمَّ أَخمصَ الأَقدامِ

وَشَكَرتُ الَّذينَ كانوا فَأَهدَ

ـيتُ سَلامي إِلَيهِمُ وَاحتِرامي

عَرَّفَتنِي أُمِّي شُؤونيَ رَمزاً

إِذ أَشارَت بِأَمرِها لِلشّامِ

جَعَلَتنِي بيتَ القَصيدِ بِأَمرٍ

ضَلَّ قَصدي فيهِ وَضَلَّ مَرامي

لَو تَكَلَّمتُ فيهِ طولَ حَياتي

بِانتِظامٍ لَم يَنتَظِم في الكَلامِ

بَينَ لَفظٍ وَبَينَ لَحظٍ مُشيرٍ

قَد يُؤدَّى المَعنى إِلى الأَفهامِ

وَلِهذا أُشيرُ مِن غَيرِ لَفظٍ

لِشُؤوني ضَرباً مِن الإيهامِ

حَسبيَ اللَّهُ كَم عَثَرتُ فَكانَت

عَثَراتي تَربو عَلى أَيّامي

كَم تَأَلَّمتُ في الحَياةِ وَحَسبي

ما أُلاقِي مِن كَثرَةِ الآلامِ

أَشفَقت أُمِّيَ البَتولُ على تَقصـ

ـيرِ عُمري وَقَد أَحَمَّ حِمامي

فَسَعَت سَعيَها الحَثيثَ لِتُخلي

صِي فَرُدَّت خُصومةُ الأَخصامِ

وَهَدَتنِي إِلى السَلامةِ في الديـ

ـنِ وَقَد قامَ قائِمُ الإِسلامِ

وَاِعتَنَت بي في الأَمرِ كُلَّ اِعتِناءٍ

حَيثُ تَهتَمُّ لي أَجَلَّ اِهتِمامِ

فَاِلتَزَمتُ الهُدى بِنُورِ هُداها

بَعدَ أَن خُضتُ حائراً في الكَلامِ

تِلكَ رُؤيا رَأَيتُها وَهيَ حَقٌّ

فَسَّرتها وَقائِعُ الأَيّامِ

ذُقتُ فيها الحَياةَ طَعماً جَديداً

طَيِّباً فَوقَ طِيبِ كُلِّ طَعامِ

حَقِّقِ اللَّهُمَّ لي بِشارةَ أُمِّي

يَقظَةً إِذ أَتَت بِها في المَنامِ

لَم أَخلُ قَبلَها السَلامَةَ حَقّاً

لا وَلا الأَمرُ يَنقَضِي بِسَلامِ

قَد تَوَكَّلتُ في الشُؤونِ عَلى اللَّه

وَحَسبي لِما قَضى اِستِسلامي

لا أُبالي بِما أَعَدَّ عِداتي

لِانتِقامٍ مِنِّي وَأَيُّ انتِقامِ

إِن يَكُ السِجنُ فَهُوَ لِلسَيفِ غِمدٌ

أَو يَكُ النَفيُ فَهُوَ نَفيُ الخِصامِ

هَل يُعابُ الصِمصامُ إِن أَغمدوهُ

بَعدَ أَن جَرَّدوهُ في كُلِّ هامِ

أَو يُشانُ البُعدُ الَّذي قَصدوهُ

وَهُوَ لا شَكَّ مَقصدي وَمَرامي

يا إِلهي وَمَن يَصيرُ إِلَيهِ الـ

ـأَمرُ يا ذا الجَلالِ وَالإِكرامِ

جُد بِعَفوٍ فَأَنتَ لِلعَفوِ أَهلٌ

وَخَلاصٍ بِجاهِ خَيرِ الأَنامِ

لا أُطيقُ الحُكمَ الَّذي أَبرَموهُ

وَهُوَ حُكمٌ بِالشَنقِ وَالإِعدامِ

كُلُّ خَطبٍ دونَ المَنِيَّةِ سَهلٌ

عِندَ مُستَهِلِّ الخُطوبِ الجِسامِ

قيلَ لي قَد حُكِمتَ بِضعَ سِنينٍ

كُلُّ يَومٍ بِالسِجنِ في أَلفِ عامِ

فَتَماسَك بِالصَبرِ وَالصَبرُ خَيرٌ

مِن قَضاءٍ فيهِ القَضاءُ الهامي

إِنَّما السِجنُ لِلنُفوسِ كَحَمّا

مٍ وَما ذا عَلَيكَ بِالحَمّامِ

خَلوَةُ السِجنِ رَوضَةٌ لِتقيٍّ

صائِمٍ قائِمٍ أَجَلَّ قِيامِ

خَلوَةٌ في السُلوكِ تُحسَبُ عِندَ الـ

ـحَقِّ وَالخَلقِ خُطوَةً لِلأَمامِ

فَسَلامٌ يُهدى لِوارِثِ خَيرِ الر

رُسلِ مَهدِيِّه وَأَلفِ سَلامِ

ذا مَقالٌ وَعَيتُهُ وَهُوَ حَقٌّ

صَحَّ مَعناهُ في صَحيحِ الكَلامِ

غَيرَ أَنِّي لا شَكَّ أَضعَفُ خَلقِ الـ

ـلَهِ وَهُوَ القَويُّ نِعمَ المُحامي

لَستُ أَقصى عَلى اِحتِمالي ضيقَ السـ

ـسِجنِ وَالسِجنُ مَدفَنُ الأَجسامِ

لَستُ أَنسى الأَسى وَقَد هَدَّ رُكني

لَستُ أَنسى وَداعَ ذاتِ اللِثامِ

ذُهلتُ عَن لِثامِها وَلَم تَطرَحْهُ

ذاتَ يَومٍ في العُمرِ مُنذُ الفِطامِ

ذُهلتُ عنهُ إِذ رَأَتنِي مُحاطاً

بِالعِدى مِن خَلفي وَمِن قُدّامي

هالَها الأَمرُ وَهُوَ خَطبٌ مَهولٌ

أَيُّ خَطبٍ مِن بَعدِ موتٍ زُؤامِ

فَتَماسَكتُ إِذ دُهِشتُ بِمِرآ

ها فَأَمسَكتُ عَن حَديثِ المَلامِ

وَوَداعي لَها غَدا نَظَراتٍ

وَهِيَ تُبدي نَظيرَها بِاِحتِشامِ

رَبِّ فَاِرحَم مُصابَنا وَأَجرنا

مِن صُروفِ الزَمانِ وَالأَيّامِ

وَاِنتَصِر لي عَلى العِدى مِن قَريبٍ

مِنكَ نَصراً مُؤزَّراً بِدَوامِ

وَأَنِلنا جِوارَ خَيرِ البَرايا

وَأَقِمني في جُملَةِ الخُدّامِ

رَبِّ حَقِّق فيهِ الرَجاءَ وَبَلِّغْـ

ـهُ صَلاةً مَقرونَةً بِسَلامِ

وَكَذا الآلَ وَالصَحابَةَ جَمعاً

وَخِتامُ المَديحِ حُسنُ الخِتامِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمر تقي الدين الرافعي

avatar

عمر تقي الدين الرافعي

لبنان

poet-Omar-Taqi-al-Din-Al-Rifai@

329

قصيدة

10

الاقتباسات

3

متابعين

عمر تقي الدين بن عبد الغني بن أحمد الرّافعي الطرابلسي (1882 - 1964) م. فقيه وقاضٍ، متصوف نقشبندي، أديب وشاعر لبناني، وُلد في مدينة صنعاء بولاية اليمن العثمانية في 17 أغسطس ...

المزيد عن عمر تقي الدين الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة